تضرب
مصر أزمة شح حادة للدولار أدت إلى خلل جسيم في حركة التجارة والاستيراد من الخارج، حيث تتراكم بضائع في الموانئ بما قيمته 9.5 مليار دولار، ما ينذر بكارثة تضرب الأمن الغذائي على وجه الخصوص.
وقالت صحيفة "
فايننشال تايمز" في تقرير ترجمته "عربي21" ؛ إن المأزق الذي يعيشه المستوردون بسبب نقص العملة الصعبة يشمل الكثير من الأعمال، حيث تمخضت أول ثلاثة أسابيع من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شهر شباط/ فبراير، عن خروج ما يقرب من عشرين مليار دولار من هذا البلد العربي الأكثر كثافة من حيث السكان، وذلك لدى مسارعة المستثمرين الأجانب بالهرب إلى ملاذات آمنة.
ورغم إيداع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر 13 مليار دولار، بالإضافة إلى 3.3 مليار دولار من الإيرادات الناتجة عن بيع الممتلكات للإمارات العربية المتحدة في عام 2022، لم تزل العملة الصعبة شحيحة جدا، ولا تفي باحتياجات البلد الذي يعتمد على الاستيراد. وفقا للصحيفة.
أخذا بالاعتبار أن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، فقد نجم عن ارتفاع أسعار القمح بسبب الحرب في أوكرانيا تفاقم الضغوط على موارد البلد من العملة الصعبة، وهذا بدوره أجبر بنك مصر المركزي على تخفيض قيمة الجنيه المصري في شهر آذار/ مارس ثم في شهر تشرين الأول/ أكتوبر ، حتى وصلت نسبة التضخم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 18.7 بالمائة، وهي النسبة الأعلى خلال خمس سنوات.
وتاليا نص تقرير "فايننشال تايمز" حول أزمة الدولار بمصر:
تقول القاهرة؛ إن البنوك سوف تتمكن قريبا من مساعدة المستوردين لتخليص بضائع متراكمة في الموانئ بما قيمته 9.5 مليار دولار.
مع النقص الحاد في العملة الصعبة في مصر، قضى رفيق كلوفيس شهر كانون الأول/ديسمبر، وهو ينتظر بقلق معرفة ما إذا كان بنكه سيكون قادرا على توفير 67 ألف دولار، يحتاجها لتمويل استيراد شحنة من قطع غيار السيارات من أوروبا.
ولكن مازالت الدولارات حتى نهاية السنة غير متوفرة، ونتيجة لذلك لم تتجاوز وارداته في عام 2022 عشر الكمية السنوية المعتادة.
وعن ذلك يقول رفيق كلوفيس: "الأوضاع كارثية، لا توجد دولارات وليس لدي أي فكرة كيف سيتم حل المشكلة. لدي خمسة موظفين، ونحن الآن نعيش على الإيرادات التي حصلنا عليها في السنوات السابقة".
وهذا المأزق الذي يعيشه المستوردون يشمل الكثير من الأعمال في ظل أزمة العملة الصعبة التي تمر بها مصر، حيث تمخضت أول ثلاثة أسابيع من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شهر شباط/فبراير عن خروج ما يقرب من عشرين مليار دولار من هذا البلد العربي الأكثر كثافة من حيث السكان، وذلك لدى مسارعة المستثمرين الأجانب بالهرب إلى ملاذات آمنة.
ورغم إيداع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر 13 مليار دولار، بالإضافة إلى 3.3 مليار دولار من الإيرادات الناتجة عن بيع الممتلكات للإمارات العربية المتحدة في عام 2022، لم تزل العملة الصعبة شحيحة جدا، ولا تفي باحتياجات البلد الذي يعتمد على الاستيراد.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد قال الأسبوع الماضي، بدون إعطاء أي تفاصيل؛ إن البنوك سوف تضمن توفير العملة الصعبة اللازمة لتخليص المتراكم من المستوردات خلال أربعة أيام. مع العلم أنه بحسب ما يقوله رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فإن ما قيمته 9.5 مليار دولار من البضائع مازال محتجزا داخل موانئ البلاد.
أخذا بالاعتبار أن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، فقد نجم عن ارتفاع أسعار القمح بسبب الحرب في أوكرانيا تفاقم الضغوط على موارد البلد من العملة الصعبة، وهذا بدوره أجبر بنك مصر المركزي على تخفيض قيمة الجنيه المصري في شهر آذار/مارس ثم في شهر تشرين الأول/أكتوبر، حتى وصلت نسبة التضخم في شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى 18.7 بالمائة، وهي النسبة الأعلى خلال خمس سنين.
للمرة الرابعة خلال ست سنين، اضطرت مصر إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، الذي وافق في الشهر الماضي على قرض بقيمة 3 مليار دولار على مدى أربع سنين. يقضي الاتفاق بأن تلتزم القاهرة بالانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف، يقضي بأن تحدد قوى السوق قيمة العملة، وهو الأمر الذي طالما قاومته الحكومات المصرية.
وسعيا منه للحفاظ على العملة الصعبة، فرض بنك مصر المركزي قيودا على الاستيراد في شهر آذار/مارس. نجم عن شرط استخدام كتب الاعتماد بطء في الإجراءات، الأمر الذي تسبب في تأخر كبير في الاستجابة للطلب على الدولار. كما نجم عن ذلك إعادة ترتيب الأولويات، بحيث صارت السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والأدوية على رأس قائمة الأولويات، ثم ما لبث بنك مصر المركزي أن ألغى مطلب استخدام كتب الاعتماد في التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر.
تخفيض قيمة الجنيه في المرتين نجم عنه تراجعه من 16 جنيها مصريا للدولار إلى 24.7 جنيها مصريا للدولار، مع أن قيمته في السوق السوداء أدنى من ذلك بكثير.
رفع بنك مصر المركزي معدلات الفائدة بما يقرب من 300 نقطة قاعدية في الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر. تجاوز الارتفاع توقعات المحللين وعكس القلق المتزايد بشأن التضخم وتراجع قيمة الجنيه، وذلك طبقا لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية التي تتخذ من لندن مقرا لها.
تضررت بشكل كبير المشاريع التجارية، من مزارع الدجاج إلى صناعة السيارات، في بلد يستورد معظم غذائه وكثيرا من المواد التي تستخدم في صناعاته. وبينما يقلب صناع السياسة الأمور حول متى وكيف يتم الانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف، حيث لا يتدخل بنك مصر المركزي لدعم الجنيه، يشكو رجال الأعمال من أن الرؤية منعدمة إزاء الآفاق المستقبلية.
يشكو أحد مدراء شركة تعمل في قطاع تربية الدجاج، من أن شحنات الحبوب، وبشكل خاص فول الصويا والذرة، التي تستخدم في صناعة العلف، ماتزال محتجزة في الموانئ بسبب شح الدولار، ويقول: "نعمل يوما بيوم. علينا في كل يوم البحث عن العلف، وفي بعض الأوقات ينفد العلف وتبقى الطيور بلا غذاء.".
وقال؛ إن القطاع الزراعي اضطر إلى تقليص الأعداد من خلال بيع الطيور بخسارة قبل بلوغ السن الذي يتم في العادة عنده إنزالها إلى السوق. ويضيف المدير؛ "إن الأسعار أدنى بكثير من التكلفة، ونعرف أن بعض منافسينا اضطروا إلى قتل الصيصان."، وبين أنه نجم عن هذا الانخفاض الكبير في الأعداد المتوفرة في الأسواق ارتفاع كبير في الأسعار زاد عن خمسين بالمائة.
يقول محمد أبو باشا، مدير قسم التحليل الاقتصادي في بنك الاستثمار إي إف جي هيرميس، الذي يتخذ من القاهرة مقرا له؛ إن الانتقال إلى سعر الصرف المرن لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، وأن السلطات بحاجة أولا إلى توفير ما هو مطلوب من العملة الصعبة، من أجل تخليص المتراكم من الطلب قبل الانتقال إلى سعر الصرف.
يشرح فاروق سوسة، الاقتصادي الذي يعمل في مؤسسة غولدمان ساكس، الخيارات الصعبة التي تواجه القاهرة، بينما تسعى إلى توفير السيولة المطلوبة للتعامل مع الطلب الملح على الدولار، فيقول: "يمكن لبنك مصر المركزي تنظيف السوق من خلال الاستمرار في رفع الفائدة وتعويم العملة وتقييد الإمداد النقدي، إلا أن تداعيات ذلك على الأسعار وعلى النمو ستكون إشكالية. والخيار المفضل لدى السلطات هو انتظار تدفق الأموال من القطريين والإماراتيين والسعوديين الراغبين في شراء الممتلكات من مصر، ولكن هذا نفسه غير مؤكد.".
وبينما يقلب صناع السياسة بين الخيارات، يبقى الوضع بالنسبة لكثير من رجال الأعمال مبهما. يقول أحد كبار المدراء في شركة دولية لصناعة قطع غيار السيارات؛ إن وضعهم أفضل من غيرهم لأنهم أيضا مصدرون، والتصدير يوفر لهم العملة الصعبة. ومع ذلك، فإن الاحتياطيات المتوفرة لدى الشركة في تآكل، ولم تعد الشركة واثقة من إمكانية قبولها لطلبات جديدة.
ويقول: "لست متأكدا من أنني سأتمكن من تخليص البضائع المستوردة التي نحتاجها للوفاء بالطلبات الجديدة، وربما أضطر إلى دفع الآلاف [كرسوم أرضية]، بينما أنتظر وصول الدولارات. وحتى لو وافق المورد في الخارج على تأجيل الدفع وتمكنت من إخراج البضائع من الميناء، فقد تكون قيمة الدولار قد ارتفعت حينما يحين موعد الدفع".
ويضيف: "ومن الممكن أيضا أن يعاني صانع السيارات الذي أورد له هنا من مشاكل؛ نظرا لإخفاقه في الحصول على قطع أخرى يحتاجها، وبذلك لن يتسنى الوصول إلى المنتج النهائي، وسيكون الإخفاق حليفنا جميعا".