أثار إصرار الحكومة
المصرية على تنفيذ قانون "الفاتورة الإلكترونية" والتسجيل بالمنظومة الضريبية الجديدة في موعد أقصاه 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، حالة من الغضب بين العديد من أصحاب المهن الحرة الذين يرفضون تطبيق القانون؛ لما له من تبعات وآثار، قالوا إنها تُضر بهم وبمهنتهم.
القانون الذي طرحته الحكومة المصرية منذ العام 2020، وتسعى لتطبيقه بشكل نهائي عام 2025، على المنشآت الفردية -سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية-، تستهدف منه تحقيق إيرادات ضريبية تاريخية بنحو 1.065 مليار جنيه (43.3 مليون دولار)، لدعم موازنتها العامة التي تعاني من العجز وتفاقم الديون.
"إصرار واعتراضات"
وعلى مدار الأيام الماضية، تأزم الموقف بين وزارة المالية ومصلحة الضرائب من جانب، وبين فئات المحامين، والأطباء، والمهندسين، والفنانين، والمحاسبين القانونيين، والاستشاريين، وجميع أصحاب المهن الحرة، من جانب آخر، بعد إعلان حكومي يلزمهم بالتسجيل بمنظومة الفاتورة الإلكترونية بموعد أقصاه منتصف الشهر الجاري.
وزير المالية محمد معيط، أكد مرارا أنه اعتبارا من نيسان/ أبريل المقبل، لن يتم الاعتداد في إثبات التكاليف أو المصروفات عند تقديم الإقرارات الضريبية، أو خصم أو رد ضريبة القيمة المضافة، إلا بالفواتير الإلكترونية، وسيتم إهدار ما دون ذلك.
مصلحة الضرائب المصرية أكدت أنها مستمرة بتطبيق المرحلة الثامنة وهي الأخيرة من المنظومة بتسجيل بيانات الممولين قبل منتصف الشهر الجاري، حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون، وتطبيق عقوبة مالية من 20 إلى 100 ألف جنيه.
وهو ما اعتبره متحدثون لـ"عربي21"، أمرا مستحيل التنفيذ، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية الإلكترونية للبلاد، وفي ظل إصرار المحامين والأطباء والمهندسين بشكل خاص على عدم تنفيذ التسجيل.
نقابات المحامين والأطباء والصيادلة والأسنان والمهندسين، أعلنت تباعا رفضها تطبيق القانون، فيما شهدت مقرات نقابات المحامين بالقاهرة وأغلب المحافظات وقفتين احتجاجيتين الأيام الماضية، في واقعة نادرة بفترة حكم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.
وقررت الجمعية العمومية للمحامين، الاثنين الماضي، منح مهلة 72 ساعة لتنفيذ مطلب المحامين بإلغاء قرارات منظومة الفاتورة والإيصال الإلكتروني، وإعفائهم نهائيا منها بقرارات رسمية.
وأكد المحامون أنه "حال استمرار التحايل والمماطلة، لن يكون أمام المحامين سوى استمرار التصعيد بالأشكال والوسائل القانونية والمشروعة كافة، في النقابات الفرعية ومحاكم الجمهورية كافة".
بالتزامن مع حالة الغضب تلك، رفض العديد من نواب البرلمان القانون، وتقدموا بطلبات إحاطة، وطالبوا بمد مهلة التسجيل بمنظومة الفاتورة الإلكترونية، فيما قرر
مجلس النواب الاثنين، إعادة القانون للمناقشة بلجنة الخطة والموازنة، والشؤون الدستورية والتشريعية، والاقتصادية.
ما اعتبره مراقبون محاولة من الدولة لامتصاص غضب المحامين، مشيرين لاحتمالات إرجاء محتمل لتطبيق هذا القانون، أو مد فترة التسجيل حتى البت في الأمر.
وحسب بيانات مصلحة الضرائب المصرية، بلغ إجمالي عدد الشركة المنضمة لمنظومة الفاتورة الإلكترونية أكثر من 135 ألف شركة، قاموا بإرسال 412 مليون فاتورة على المنظومة منذ تفعيلها في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020.
"قانون غير مكتمل"
وفي إجابته على تساؤل "عربي21"، عن احتمالات نجاح حالة غضب المحامين والأطباء وباقي الفئات والمهن الحرة وحراكهم المتواصل ووقفات المحامين الاحتجاجية، في تراجع الحكومة عن تطبيق القانون، يعتقد السياسي والمحامي مجدي حمدان، أن "الأمور تسير في طرق أخرى".
وأكد القيادي بالحركة المدنية (أكبر التجمعات المعارضة داخل مصر)، أنه "في ظل تصاعد الحنق الشعبي والحُمق الحكومي، وإلزام كل تلك الفئات بالتسجيل بالفاتورة الإلكترونية حتى منتصف الشهر الجاري، مضيفا: "لا أعتقد أنه يمكن الانتهاء من الأمر".
ولفت إلى أن "البنية التحتية الإلكترونية في مصر ليست جيدة، ومن ثم فإن كثرة التسجيل على الشبكة من كل تلك الفئات خلال أيام قليلة قد يدمر شبكة الإنترنت".
وتوقع حمدان، أن يتم تأجيل تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية لمدة سنة قادمة؛ خاصة أن القانون نفسه غير مكتمل الأركان، وغير مفهوم بالنسبة للشعب، ولا للمهن المتعاملة به".
وأكد أن "القانون لم يحدد كيفية إدراج المصروفات لتلك الفئات، ولم يحدد كيفية الخصومات فيه، ولا كيفية الدفع النقدي أو الدفع الآجل، وغيرها من الأمور".
وانتقد حمدان، "إسناد الحكومة أمر التسجيل من خلال الشبكة لشركة معينة"، معتبرا أن "هذا الأمر فيه شبهة فساد، وأخذ صيغة تجارية". وأوضح أن "هذه إحدى النقاط التي يمكن الطعن على القانون من خلالها".
وتحت عنوان: "خصخصة مصلحة الضرائب"، كشف الخبير الاقتصادي المصري الدكتور إبراهيم نوار، أن الذي يتولى إدارة منظومة الفاتورة الإلكترونية شركة خاصة اسمها (إي تاكس)، من حقها تحديد الرسوم والأتعاب من الممولين، وتسلم الحصيلة للحكومة، مقابل نسبة.
نوار، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، حذر من تبعات وضع بيانات الممولين في يد شركة قد يتم بيع أسهم منها إلى شركات ودول أجنبية، واصفا الأمر بأنه: "شغل خفافيش في الظلام أبعد ما يكون عن الشفافية، وقرارات خصخصة استراتيجية وحساسة".
وتداول نشطاء خطابا موجها لوزارة المالية من قبل المديرية المالية من محافظة الدقهلية (وسط دلتا النيل)، يطالب بتوضيح موقف تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية بمصلحة الضرائب المصرية على الجهات السيادية.
وأكد الخطاب أن رئيس الوزراء استثني 4 جهات من تطبيق تلك المنظومة وهي: جهاز المخابرات العامة والجهات التابعة له، وصندوق هيئة الشرطة وأسرهم، وشركة "تحسين" ومنظومة "أمان" التابعتين للشرطة.
وطالب نشطاء الحكومة المصرية بكشف حقيقة هذا الخطاب منتقدين حالة التمييز التي تتمتع بها الجهات السيادية في البلاد، التي تعاظمت في عهد السيسي، بمنحها الامتيازات والإعفاءات الضريبية والجمركية وغيرها.
وفي تعليقه على المستند المتداول، قال البرلماني المصري السابق، عزالدين الكومي، لـ"عربي21": "يعلم الجميع أن هذا النظام يحابي الجهات السيادية، ويمنحها الامتيازات والحصانات والحقوق على حساب باقي الشعب".
ولفت الكومي إلى أن "ازدواجية المعايير هي الأساس الذي يحكم مصر، وتمييز طبقة السادة عن باقي طبقات الشعب ومنحهم الامتيازات والحصانات والحقوق، وباقي الشعب يقوم بدور السخرة لخدمة النظام ولأركانه التي تشكل أضلاع الدولة العميقة".
وأضاف: "الدولة المصرية لها دستور يخالف نصوصه أي تمييز لبعض الأفراد، كما أنه من المفترض أن يكون جميع المصريين أمامه سواء"، مطالبا "المحامين بالطعن بعدم دستورية هذا القانون".
وأوضح أن "هذا التشريع مخالف أيضا للقوانين المصرية التي لا تسمح بالتمييز بين المصريين، في عنصرية مرفوضة نصت عليها المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص".
"العصا الغليظة"
الكومي، ثمن "ردة الفعل القوية للمحامين رغم محاولات النقيب الانحياز لصف الدولة"، متوقعا أن "يستخدم النظام عصاه الغليظة لتطبيق القانون، والشرطة لوقف الوقفات الاحتجاجية واعتقال بعض المحامين المعترضين وتلفيق القضايا لهم بتهم معلبة؛ كالانضمام لجماعة محظورة وتعطيل سير النظام العام ونشر أخبار كاذبة".
ويرى أن هذا القانون "سيكون له مردود سيئ على الفئات التي شملها". معتبرا أن إعادة البرلمان القانون للجان داخلية "هو نوع من ألاعيب النظام؛ لأنه في النهاية هذا المجلس هو برلمان تتحكم في قراراته الجهات الأمنية".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل الكثير من النشطاء بشأن فرض الفاتورة الإلكترونية، حيث قال الكاتب سليم عزوز: "مساحة الرفض تتسع، والعاقل من يبحث عن مخرج من فاتورة الفساد هذه، التي ستضر بإيرادات الدولة لصالح اللهو الخفي".
لكن الكاتبة مي عزام، لفتت إلى جانب آخر، وهو ظهور عمليات الاحتجاج وخاصة من قبل المحامين، قائلة: "وأخيرا سمعنا صوتا في الشارع"، مؤكدة أنه "من حق كل مواطن أن يدافع عن حقه ومصالحه".