الموقف الذي عبر عنه معظم أعضاء البرلمان الأوروبي من التطورات الأخيرة المتعلقة بالنزاع بين الحكومة
اليونانية وحكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبدالحميد ادبيبة يحمل دلالات عدة ويرسل رسائل في اتجاهات مختلفة، إلا أنه لا يعني أن الاتحاد الأوروبي اختط خطا واضحا بخصوص الأزمة الليبية وتداخلها مع أزمة شرق البحر المتوسط وأنه بصدد اتخاذ موقف حازم حيالها.
الأغلبية التي دعمت قرار البرلمان الأوروبي بخصوص الأزمة الليبية ومتعلقاتها الإقليمية والدولية انحازت لصالح اليونان في الخلاف حول الاتفاقيات التي وقعتها أنقرة مع طرابلس بخصوص ترسيم الحدود العام 2019م والتنقيب عن النفط والغاز العام 2022م، فأثينا تعتبر الاتفاقيات غير قانونية وتشكل انتهاكا لسيادة اليونان وتهدد مصالحها بشكل مباشر.
إلا أن قرار البرلمان الأوروبي جاء حذرا في التعامل مع الخلاف، حيث اكتفى بحث حكومة الوحدة الوطنية بإلغاء الاتفاقيات مع تركيا، وجاءت الإشارة إلى تركيا ضمن الدعوة لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية لوقف تدخلها في النزاع، وعند مسألة خروج القوات الأجنبية كان التركيز على مجموعة الفاغنر المدعومة من روسيا.
من الطبيعي أن يدعم البرلمان الأوروبي اليونان في موقفها من النزاع حول شرق المتوسط، فالأخيرة عضو في الاتحاد، وهناك مبررات قانونية تتعلق بالنزاع تعزز من موقف اليونان في مواجهة تركيا، إلا إن الدافع السياسي أو لنقل الفكري كان بلا شك حاضرا في تحديد مواقف كثير من أعضاء البرلمان الأوروبي يتعلق بتركيا اليوم، هوية وسياسة.
كان لتقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي الصادر في يونيو الماضي أثره في بلورة العديد من النقاط التي تضمنها قرار البرلمان الأوروبي محل النقاش، خاصة ما يتعلق بإخراج القوات الأجنبية ودعم البعثة الأممية في جهودها للتوفيق بين الأطراف الليبية وتوافقها حول الأساس الدستوري وموعد إجراء الانتخابات، وضرورة أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا فعالا في الأزمة الليبية من خلال التحدث بصوت واحد حيال النزاع الليبي وسبيل الخروج منه، ذلك ان أعضاء الاتحاد اختلفوا في مقاربتهم للأحداث في
ليبيا، إلى درجة أن وقفت فرنسا وإيطاليا على طرفي نقيض من النزاع الليبي، كما أن
أوروبا فقدت زمام المبادرة وتراجع دورها لصالح روسيا وتركيا بعد دحر قوات خليفة حفتر التي هاجمت العاصمة طرابلس العام 2019م.
من الطبيعي أن يدعم البرلمان الأوروبي اليونان في موقفها من النزاع حول شرق المتوسط، فالأخيرة عضو في الاتحاد، وهناك مبررات قانونية تتعلق بالنزاع تعزز من موقف اليونان في مواجهة تركيا، إلا إن الدافع السياسي أو لنقل الفكري كان بلا شك حاضرا في تحديد مواقف كثير من أعضاء البرلمان الأوروبي يتعلق بتركيا اليوم، هوية وسياسة.
قرار البرلمان يعكس موقف أوروبي معارض أو متحفظ على السياسة التركية، بالمقابل فإن هذا القرار لا يشكل ضغطا على الأجهزة التنفيذية الأوروبية، المجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، لتتبنى الموقف ذاته وتتخذ إجراءات عملية لتنفيذه. وقد سبقت الإشارة أن القرار لم يوجه انتقادا لتركيا واكتفى بحث حكومة الوحدة الوطنية على ألغاء الاتفاقات مع أنقرة، وهذا في حد ذاته غير ملزم للمجلس والمفوضية ولا يفرض عليهما تبني نهج مصادم لتركيا أو ضاغط على حكومة الوحدة الوطنية.
ما كشف عنه قرار البرلمان من تباين المواقف بين العواصم الأوروبية وغياب الرؤية والموقف الموحد من الأزمة الليبية يؤكد أن انجرار السلطة التنفيذية في الاتحاد وسلطات العواصم الأوروبية المعنية بالمسألة الليبية لمواقف صارمة مستبعد وأن الاتحاد ودوله الرئيسية ستظل معتمدة على الدعم الأمريكي في أي توجه جاد لإنهاء النزاع ووقف تدخل الأطراف الخارجية فيه.
وإذا أضفنا إلى ما سبق ذكره حساسية الظرف في المنطقة والصدام غير المباشر بين اوروبا وروسيا والأهمية التي تحتلها تركيا ودورها الموازن للتغول الروسي في سوريا وليبيا وإذربيجان وأوكرانيا، فإن فتح جبهة مع أنقرة مجارة للرغبة اليونانية ليس راجحا، وهذا ما تدركه انقرة وتستغله في ملئ الفراغات والمناورة لتحصيل مكاسبا مرضية في الثروة الهائلة في شرق المتوسط.
عليه فإن التركيز اتجه إلى حكومة الوحدة الوطنية لإرضاء اليونان والتماهي مع مواقف الأطراف الأوروبية المتحفظة على السياسة الخارجية التركية وستنحصر السياسة الأوروبية في المدى القصير في محاولة دفع الطرف الليبي لفك الارتباط مع أنقرة بخصوص الاتفاقيات المشار إليها سابقا.