لم تخيّب قمة قادة
الدول العربية في
الجزائر توقعات الشعوب العربية، في أن هذا التجمع، ومنذ سبعين عاما،
كان في واد والشعوب العربية في واد آخر، لذلك، أراحت هذه الشعوب نفسها عناء المتابعة
وقلق الانتظار، ما دامت قرارات هذه القمم غير قادرة حتى على تأمين فرصة عمل واحدة،
في الوقت الذي تزخر بياناتها في الحديث عن سوق عربي وعمل عربي مشترك، وتفتقر لوعود
حقيقية عن مستقبل عربي مختلف.
امتلأ
بيان القمة
بعبارات من نوع "يشيد"، "يثمن"، "يرحب"، مما يكشف طغيان
المجاملة على حساب الفعالية، إلا أن ذلك لم يلغ ضرورة اللجوء إلى عبارات "التشديد
والتأكيد" لإثبات وجود جدوى وقوة إرادة واجتراح قرارات تلامس التحدي أحيانا،
والتوعد أحيانا أخرى، وذلك يعكس إدراك القادة العرب للظروف المحلية والدولية الحساسة
التي يعقدون بها قمتهم، ما يتوجب إظهار رغبة في الاستجابة لهذه التحديات. لكن جرت ترجمة
تلك الاستجابة على شكل فانتازي، ربما كي لا يكون هناك التزام ومساءلة، إذ تركت القمة
وراءها أسئلة كثيرة فاغرة فمها بحثا عن إجابات.
ما المقصود بالتشديد على مركزية القضية الفلسطينية؟ ولمن هذه الرسالة؟ كيف سيطبق القادة العرب هذا البند؟ بمعنى هل سيخصصون موارد دبلوماسية ومالية وإعلامية لتنفيذ هذا الكلام؟ ثم لمن يريدون إيصال هذه الرسالة؟ لإسرائيل؟ كيف؟!
فيما يخص القضية
الفلسطينية،
ما المقصود بالتشديد على مركزية القضية الفلسطينية؟ ولمن هذه الرسالة؟ كيف سيطبق القادة
العرب هذا البند؟ بمعنى هل سيخصصون موارد دبلوماسية ومالية وإعلامية لتنفيذ هذا الكلام؟
ثم لمن يريدون إيصال هذه الرسالة؟ لإسرائيل؟ كيف؟! ما هي الخيارات والبدائل التي سيلجأون
لها في حال لم تلتزم إسرائيل؟ هل هي بدائل وخيارات ذات طبيعة عسكرية أم دبلوماسية؟
في الشأن السوري،
التأكيد على القيام بدور عربي قيادي للمساهمة في التوصل إلى حل سياسي
للأزمة السورية.
هل تستطيع الدول العربية إلزام بشار الأسد بحل سياسي متوازن؟ وكيف؟ هل يذهب القادة
العرب "جاهة" إلى دمشق للقاء بشار الأسد ويتبادلون بوس اللحى معه، ومن ثم
يغلقون الملف نهائيا؟ وماذا عن روسيا وأمريكا وإيران وتركيا، وهي الفواعل المقررة للمسار
السوري ومآلاته؟ كيف ستتم إزاحتهم عن المشهد؟ أم أنهم سيختفون من تلقاء أنفسهم عند
الإعلان عن وصول الطائرة التي تضم الوفد العربي إلى مطار دمشق؟!
تصل الفانتازيا أعلى مستوياتها، حين تقر قمة الجزائر "الالتزام بالمضي قدما في مسار تعزيز وعصرنة العمل العربي المشترك". أين هذا المسار بالأصل ومتى انطلق؟ هل كان مسارا سريا لم تسمع به الشعوب العربية؟ ليس سرا أن العمل العربي المشترك معطل، أو بالأحرى لم يوجد يوما، بسبب عدم وجود مؤسسات تشغيلية له، ولا هياكل فعلية
تصل الفانتازيا أعلى
مستوياتها، حين تقر قمة الجزائر "الالتزام بالمضي قدما في مسار تعزيز وعصرنة العمل
العربي المشترك". أين هذا المسار بالأصل ومتى انطلق؟ هل كان مسارا سريا لم تسمع
به الشعوب العربية؟ ليس سرا أن العمل العربي المشترك معطل، أو بالأحرى لم يوجد يوما،
بسبب عدم وجود مؤسسات تشغيلية له، ولا هياكل فعلية، باستثناء بعض المؤسسات التي بقيت
على الورق ولم تصبح حقائق فاعلة. لا يوجد عمل عربي مشترك، أما ما يجري بين كل دولة
وأخرى من تبادلات وتنسيق في حدود معينة فهو يجري بين الدول العربية ودول الجوار أو
حتى البعيدة، دون إطلاق صفة المشترك عليه.
وتتواصل الفانتازيا،
والتي يبدو أنها فعل مقصود بهدف إضفاء مناخ من التشويق والإثارة على القمة، عبر التأكيد "على ضرورة إطلاق حركية تفاعلية بين المؤسسات العربية الرسمية وفعاليات المجتمع المدني
بجميع أطيافه وقواه الحية"، فأين هذا المجتمع المدني الذي يراد التفاعل معه؛ إذا
كانت النخب العربية التي حاولت تأسيس ملامح مجتمع مدني قد أصبحت في القبور أو السجون،
أو في أحسن الأحوال مطاردة وهاربة من تهم تم تلفيقها لها بالجاسوسية والتبعية والتخابر
مع الخارج؟! هذا يدفعنا إلى السؤال عن طبيعة المجتمع المدني الذي يقصده الزعيم العربي،
والذي ربما يتكوّن من شركائه في السلطة أو زبانيته المحظيين.
سبعون عاما من القمم العربية وما زلنا لم نبن مدماكا واحدا في طريق وحدة القرار والعمل، فعلام الإشادة والتثمين والترحيب؟ وإذا كنا عند موعد انعقاد كل قمة نكون قد خسرنا الهوامش الضعيفة من أرصدة قوتنا، فعلامَ التأكيد والتشديد وتهديد العالم "المسكين" بأننا سنهز أسس استقراره ونغيّر اتجاهات رياحه؟!
لكن الجرأة الفاقعة
في بيان
القمة العربية تتمثل بالدعوة الصريحة إلى إنهاء النظام الدولي الحالي، نتيجة
"الاختلالات الهيكلية في آليات الحوكمة العالمية"، فيما يبدو أنه وقوف صريح
إلى جانب الصين وروسيا اللتين ما انفكتا تدعوان إلى نسف النظام الدولي الحالي، ولكن
ألم يقرأ العرب الواقع الدولي جيدا؟ تستدعي الحصافة السياسية من قادة سياسيين يحكمون
منطقة حساسة مثل العالم العربي أن يعرفوا اتجاهات رياح السياسة الدولية، ذلك أن أي
هاو في السياسة بات يعرف أن روسيا، وبعد انكشاف كذبة أسلحتها وانتهاء سيطرتها على تجارة
الغاز حكمت على نفسها بالهبوط إلى مستوى قوة إقليمية بحجم إيران وكوريا الشمالية، وأن
الصين، التي تقف على أعتاب نهاية فقاعتها الاقتصادية نتيجة أسباب موضوعية كثيرة، لن
تصل حد قيادة العالم أو حتى الشراكة في قيادته.
سبعون عاما من القمم
العربية وما زلنا لم نبن مدماكا واحدا في طريق وحدة القرار والعمل، فعلام الإشادة والتثمين
والترحيب؟ وإذا كنا عند موعد انعقاد كل قمة نكون قد خسرنا الهوامش الضعيفة من أرصدة
قوتنا، فعلامَ التأكيد والتشديد وتهديد العالم "المسكين" بأننا سنهز أسس
استقراره ونغيّر اتجاهات رياحه؟!
twitter.com/ghazidahman1