شهدت الساحة الداخلية السياسية في تركيا، حراكا من حزب العدالة والتنمية تجاه الطائفة العلوية في البلاد، في الوقت الذي طالب فيه حزب الشعب الجمهوري بـ"التسامح" مع الكتلة المحافظة وأثار زعيمه كمال كليتشدار أوغلو مسألة الحجاب من جديد.
ويأتي الحراك من حزبي "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري" في ملعب الآخر عبر الطائفة العلوية والمحافظين، قبيل أشهر من الانتخابات العامة التي تجرى في 18 حزيران/ يونيو المقبل.
وفي آب/ أغسطس الماضي، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أحد دور العبادة للعلويين والتي تسمى "بيوت الجمع" في أنقرة، وشارك في مأدبة إفطار بمناسبة يوم عاشوراء مع الممثلين عنهم.
ويؤدي العلويون عباداتهم في غرفة كبيرة تسمى "بيت الجمع" وهي ليست بمساجد، ويعتقدون أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن المساجد، وهم يطالبون السلطات التركية ببناء العديد من هذه البيوت لهم.
وينقسم العلويون في تركيا إلى مجموعتين، الأولى تعيش في المناطق المحاذية لسوريا وفي أضنة ومارسين، ويصل عددها بحسب بعض التقديرات إلى 250 ألفا، والثانية تعرف بـ"علويي الأناضول" ويتوزعون بين أكراد وأتراك، وسط تضارب في العدد الحقيقي في نسبتهم.
وبينما يتحدث رئيس مجمع العلويين في تركيا عزالدين دوغان، عن أن عدد العلويين يتراوح ما بين 25 و30 مليونا، فإن مركز دراسات كوندا يقول إن نسبة الأشخاص العلويين في تركيا يصل إلى 5 بالمئة، فيما تحدثت مصادر علوية أخرى عن أن عددهم ما بين 10 و12 مليون علوي.
وقدم حزب العدالة والتنمية مقترح قانون يشمل منح "الأجداد العلويين" رواتب من وزارة الثقافة والسياحة، وتلبية البلديات احتياجات "بيت الجمع" من مياه الشرب والمرافق الخاصة بتكاليف منخفضة أو مجانا.
وأعلن أردوغان عن إنشاء رئاسة مرتبطة بوزارة الثقافة باسم "رئاسة الثقافة العلوية البكداشية وبيوت الجمع".
وتعد الجماعة العلوية، إحدى شرائح المجتمع التي واجه حزب العدالة والتنمية صعوبات في تطوير العلاقات معها طوال فترة حكمه، والسبب الرئيس في ذلك هو حدود الهوية التي رسمها العلويون لنفسهم أمام تحديد الطبقة المحافظة هويتها في الإطار السني.
اقرأ أيضا: "قضية الحجاب في تركيا" تحرج كليتشدار أوغلو.. لماذا أثارها؟
وتبرز هذه المعارضة في سياق تاريخي وثقافي، مع بروز الأحزاب ذات الخلفيات الإسلامية والمحافظة وقواعدها الاجتماعية في تركيا، لاسيما حزب العدالة والتنمية. وفي عهد التعددية الحزبية بتركيا، وضع العلويون مسافة بينهم وبين الأحزاب اليمينية القومية.
وتتجنب الجماعة العلوية وأبناؤها الشراكات أو التحالفات مع الشرائح والقطاعات المجتمعية ذات الخلفية المحافظة، وتصنف أولئك الذين يعملون معها من أبنائها بـ"المنحطين" ويواجهون الإقصاء الاجتماعي.
وطوال السنوات الماضية، تجنب السياسيون والفنانون وقادة الرأي والعلماء في مجالات مختلفة ممن ينتمون إلى الجماعة العلوية إلى حد كبير أي خطوات تجعلهم موالين لحزب العدالة والتنمية.
الكاتب التركي في مجلة "كريتر"، طلحه كوس، رأى أن حزب العدالة والتنمية والأحزاب اليمينية المحافظة، ومؤسساتها الاجتماعية منفتحون على التقارب بغض النظر عن الخطوات المتخذة من إغلاق المسافة السياسية والاجتماعية التي وضعتها الجماعة العلوية على المدى القريب.
واتخذت حكومة حزب العدالة والتنمية في عام 2009 خطوات من أجل التغلب على المسافة التي وضعها المجتمع العلوي وتلبية مطالبهم.. وبسبب المشاركة الضعيفة جدا من أشخاص ينتمون إلى الطائفة العلوية فإن المطالب السياسية والاجتماعية للجماعة لم تأخذ حيزا كبيرا في برنامج الحزب.
ومن أجل سد هذه الفجوة والتعرف على المجتمع العلوي، فإنه تم تنظيم ورش عمل تشمل فئات مختلفة من المجتمع العلوي، جرى فيها تسجيل مطالب العلويين في مختلف المجالات، ومع ذلك فإن العديد من المطالب التي جرى التوافق بشأنها لم يتم تحقيقها بالكامل منذ أكثر من عقد.
وأشار الكاتب كوس، إلى أنه تمت إزالة العقبات القانونية أمام إضفاء الطابع المؤسسي على الثقافة العلوية ومجتمعها المدني إلى حد كبير، ورمزيا اتخذت خطوات لتعزيز تمثيل وشرعنة هذه الثقافة بشكل عام، مع محاولة تعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بين المجتمع العلوي وغيره من الشرائح المجتمعية الأخرى في تركيا. ولكن لن يكون من الممكن إغلاق المسافة التي تشكلت تراكميا على المدى القصير.
اقرأ أيضا: أردوغان يتصدر استطلاعات الرأي بتركيا.. وارتفاع شعبية حزبه
وتمكن كمال كليتشدار أوغلو المنتمي إلى الطائفة العلوية، بعدما أصبح زعيما لحزب الشعب الجمهوري، من احتواء المجتمع العلوي بشكل كبير سياسيا تحت عباءة "الشعب الجمهوري" اليساري.
ودعمت الغالبية العظمى من الطائفة العلوية حزب الشعب الجمهوري والأحزاب اليسارية الأخرى خلال فترة التعددية الحزبية. وساهمت رئاسة كليتشدار أوغلو لـ"الشعب الجمهوري" بزيادة التفاف الجماعة ودعمها للحزب.
وساهمت مشاركة الجماعة العلوية في أحداث غيزي عام 2013، ومقتل العديد منهم في تأزيم المسافة بينها وبين حزب العدالة والتنمية، ومع عام 2014 تم التخلي عن الحل الوسط الذي حاول الحزب الحاكم الوصول إليه بالانفتاح معها.
وكان الاعتراف بالهوية العلوية وإضفاء الوضع القانوني للمؤسسات في الحياة العامة، أحد الأهداف الرئيسية للمجتمع العلوي الذي يبذل جهودا مكثفة للحد من ممارسات الاستبعاد والتمييز التي يعتقدون أنهم يتعرضون لها في المجتمع والطبقات البيروقراطية التي زادت في فترة التسعينيات.
ونوه الكاتب كوس، إلى أن هناك حالة من الوعي في المجتمع التركي بشأن الحقوق السياسية والثقافية للطائفة العلوية، وسط انخفاض للممارسات التي توصم بالتحيز ضدهم، كما أن الموقف البناء والنهج السياسي من القادة السياسيين لعب دورا بناء في هذا الاتجاه.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فإنها لم تعد الهوية العلوية جزءا من الصراعات السياسية الواسعة النطاق في البلاد، وتم منع خطوط صدع جديدة من التكون بسبب الاختلافات الدينية والطائفية.. علاوة على ذلك فإنه تحقق هذا النجاح في وقت اشتدت فيها الصراعات العرقية والطائفية والدينية والحروب الأهلية في المنطقة المحيطة بتركيا، كما يذكر الكاتب.
وأوضح الكاتب أن المجتمع العلوي حقق تقدما كبيرا في تحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية مع بروز سياسات الهوية العلوية في التسعينيات.. وحتى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت هناك قيود قانونية حالت دون ذكر "العلويين والبكتاشيين" في منظمات المجتمع المدني.
أردوغان والسياسة الجديدة مع العلويين
وأجرى حزب العدالة والتنمية زيارات لـ1585 "بيت جمع" في 58 مقاطعة بتركيا، وجرت مناقشة البدء باتخاذ خطوات ملموسة بشأن مطالب المجتمع العلوي، وتقرر إنشاء هيئة مرتبطة بوزارة الثقافة باسم "رئاسة الثقافة العلوية البكداشية وبيوت الجمع"، وتم منح الوضع القانوني لـ"بيت الجمع" وتخصيص ميزانية خاصة بها تلبي احتياجاتها.
اقرأ أيضا: أردوغان يطرح الاستفتاء بشأن "الحجاب والأسرة".. ما الهدف؟
ويذكر الكاتب أن الخطوات الجديدة التي اتخذتها الحكومة تسببت في جدل داخل المجتمع العلوي، حيث يدعم جمهور كبير هذه التحركات، ومع ذلك فقد تم انتقاد هذه الخطوات واعتبار أنها تأتي في سياق "تأميم العلويين" و"تعريف العقيدة العلوية على أنها ثقافة أو فولكلور"، و"ووضع قادة العلويين وإخضاعهم تحت سيطرة الدولة"، وهناك من طالب بالاعتراف قانونيا بـ"بيت الجمع" كأماكن عبادة.
وعلى الرغم من أن قرارات الحكومة الأخيرة لم ترض المجتمع العلوي بأكمله، إلا أنها وضعت حدا للنقاش حول الوضع القانوني لـ"بيوت الجمع" واستدامتها.
وقد لا تساهم الخطوات التي اتخذها حزبا "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" في التأثير على الأجندة السياسية أو استقطاب العلويين لصالحهم في الانتخابات، ولكنها منعت استغلال قضيتهم في النقاشات السياسية الداخلية.
وشدد الكاتب على أن إنهاء النقاشات حول الوضع القانوني لـ"بيوت الجمع" سيسمح بتنويع الخيارات السياسية للمجتمع العلوي العالقة في سياسات الهوية وتمهد لانتقالها إلى مرحلة أخرى والتخلص منها.
إعلان لشركة خمور يثير ضجة بتركيا.. ما علاقة أردوغان؟ (فيديو)
شرخ جديد يضرب طاولة المعارضة التركية.. "كيلتشدار أوغلو باعنا"
أنقرة: لن نقدم خطوات تضر بالسوريين.. هل يصافح أردوغان الأسد قريبا؟