كتاب عربي 21

الشراكة الأوروبية مع النظم الاستبدادية

1300x600

أصدرت منصة اللاجئين في مصر ورقة في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عن نية الاتحاد الأوروبي تمويل خفر السواحل المصري، وبعدها بأيام تم توقيع الاتفاقية بالفعل يوم 31 من نفس الشهر، بقيمة 80 مليون دولار سيتم دفعها على دفعتين. وتنسب الورقة إلى المفوضية الأوروبية أن تقريرا داخليا صنّف "المواطنين المصريين أعلى جنسية للأشخاص الذين يصلون بشكل غير نظامي إلى إيطاليا، ارتفاعا من المركز الرابع العام الماضي".

كما تحدثت الورقة عن وجود شراكة بين خفر السواحل المصري والليبي في مكافحة الهجرة غير النظامية، وهو ما وصفته الورقة بأن الاتحاد الأوروبي أنشأ "من خلال الدعم المالي والمعدات، نظاما يأسر المهاجرين قبل وصولهم إلى شواطئ أوروبا، ويرسلهم إلى مراكز الاحتجاز الليبية الوحشية التي تديرها الميليشيات الليبية. كما يُتهم ما يسمى بـ"خفر السواحل الليبي" باستمرارٍ، بارتكاب انتهاكات مروعة لحقوق المهاجرين/ات، وأفعال ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية منها اعتقالات جماعية غير قانونية في البر والبحر، وإطلاق نار عشوائي على المهاجرين/ات المحتجزين والاتجار بالبشر، مع الإفلات الكامل من العقاب".

ونشرت ورقة المنصة تقارير عن تجارب سابقة للتعامل مع ثلاثة أنواع من الباحثين عن الانتقال من أوطانهم؛ فهناك مهاجرون غير نظاميين، ولاجئون، وملتمسو لجوء، والأصناف الثلاثة يتعرضون إما لتعنت إداري، أو لانتهاكات بشعة تتعلق بحقوق الإنسان. ولعل أكثرها دلالة على أوضاعهم، واقعة غرق مركب رشيد في 6 أيلول/ سبتمبر عام 2014، الذي حمل عشرات المهاجرين من بينهم 200 فلسطيني. وقد أعلنت السلطات المصرية غرق المركب، لكن عشرات ممن كانوا على متنه اتضح أنهم مختفون قسريا، وأدلى بعض المفرج عنهم من السجون المصرية بأوصاف بعض المختفين من ركاب المركب إلى ذويهم، فضلا عن الإفراج عن 11 فلسطينيا منهم عام 2020 من السجون المصرية.

هذه الشراكة تمثل أحد أوجه القُبح الأوروبي في ملف حقوق الإنسان، والقيم المثالية المزعومة، فدائما ما تنهار حوائط هذه القيم أمام المصالح أو العنصرية الأوروبية. شاهدنا ذلك في دعم نظم استبدادية حكمت المنطقة العربية لعقود، وتأكد هذا في انتكاسات الثورات العربية، ثم استقبال القادة الدمويين في العواصم الأوروبية بصورة طبيعية

حفلت الورقة بتفاصيل مرعبة عن أوضاع الذين ضاقت بهم سبل الحياة، فاضطروا للمخاطرة بأرواحهم ليعبروا من الجنوب النامي إلى الشمال محتكر الثروات، لكن بوابات الشمال الأوروبي اتضح أنها موصدة أمامهم، كما قام الأوروبيون بمدِّ الحدود الجنوبية لتتجاوز الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط، وبدأت من السواحل المصرية والليبية، مستخدمين في ذلك أشرس السبل، وأكثرها تجاوزا في حقوق الهاربين من جحيم الفقر.

هذه الشراكة تمثل أحد أوجه القُبح الأوروبي في ملف حقوق الإنسان، والقيم المثالية المزعومة، فدائما ما تنهار حوائط هذه القيم أمام المصالح أو العنصرية الأوروبية. شاهدنا ذلك في دعم نظم استبدادية حكمت المنطقة العربية لعقود، وتأكد هذا في انتكاسات الثورات العربية، ثم استقبال القادة الدمويين في العواصم الأوروبية بصورة طبيعية، رابطين هذا الرضا الغربي بامتثال حكامنا لمطالبهم، لا بتوافق قِيَم هؤلاء الحكام مع القِيَم الغربية المزعومة.

يضاف إلى ذلك أن الغرب لم يكفِه دعم الاستبداد أو غض الطرف عن الانتهاكات اليومية بحق المواطنين، بل يقوم في أوقات أخرى بمنح المشروعية للنظم الدموية في المنطقة، وأحدث مثال على ذلك قمة المناخ التي ستنعقد في مصر، رغم أن سجل مصر في السنوات الأخيرة في قطع الأشجار فقط، كفيل باعتبار نظامها السياسي عدوا للبيئة والطبيعة، فضلا عن سجلها في قتل المعارضين وحرق جثثهم واعتقال عشرات الآلاف منهم، ومنع الآلاف من السفر، ومصادرة المليارات من أصول المصريين، سواء كانوا معارضين أو رافضين للاستيلاء على شركاتهم التي أفنوا أعمارهم في تأسيسها، ورغم عشرات التقارير الحقوقية المحلية والدولية الراصدة لتلك الأوضاع، فإن شراكة الأوروبيين والأمريكيين مستمرة مع أحد أشرس الأنظمة القمعية في التاريخ المصري الحديث.

هناك بيننا من يُصِرُّ على اعتبار الغرب نموذجا للديمقراطية، وهذا يصح على المستوى الداخلي لمجتمعاتهم؛ فهذه الأنظمة تعتبر الديمقراطية واجبا عندما تتعلق بحقوق مواطنيهم، لكنها تكون خَصما معاديا لها إذا بدأت بذورها بالنمو في منطقتنا، وهذا الفصام لا يمكن التطبيع معه ببساطة، واعتبار أننا أمام نماذج للاحتذاء بها، فالواقع أننا أمام نماذج عنصرية

اللافت للنظر أن هناك بيننا من يُصِرُّ على اعتبار الغرب نموذجا للديمقراطية، وهذا يصح على المستوى الداخلي لمجتمعاتهم؛ فهذه الأنظمة تعتبر الديمقراطية واجبا عندما تتعلق بحقوق مواطنيهم، لكنها تكون خَصما معاديا لها إذا بدأت بذورها بالنمو في منطقتنا، وهذا الفصام لا يمكن التطبيع معه ببساطة، واعتبار أننا أمام نماذج للاحتذاء بها، فالواقع أننا أمام نماذج عنصرية في تَقَبُّل الديمقراطية من جهة، وأمام نموذج استبدادي خبيث يدعم المستبدين الدمويين في منطقتنا.

هذا الحديث عن الأوضاع الحقوقية والسياسية، وربطه بالتواطؤ الغربي، لا يتغيّا استجداء المساعدات الغربية لنيل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوب هذه المنطقة. فالقرار الغربي معلوم وثابت، وما نرجوه ألا يقف الغرب عائقا أمام رغبات الشعوب، وألا يدعم بقاء الأنظمة المستبدة، وأن يتوقف عن استنزاف ثرواتنا، ويكتفي بالشراكة فيها على أساس أسعار السوق العادلة، دون تلاعب أو احتكار، وهذه أمنيات تلتصق بمفاهيم التحضر، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وهي المفاهيم التي يريد الغرب احتكارها باعتباره المُنشِئ لها، وهو أبعد ما يكون عن تحققها إذا اتصلت بعالم الجنوب الفقير.