انتخب حزب المحافظين البريطاني الاثنين ريشي سوناك رئيسا له وسيصبح بالتالي رئيس الوزراء الجديد بعدما فشلت منافسته بيني موردنت في تأمين الأصوات المئة اللازمة لدعم ترشيحها من قبل زملائها النواب، ليصبح أول بريطاني غير أبيض يصل إلى داونينغ ستريت.
وقال في أول تصريح بعد اختياره لمنصبه الجديد "نحتاج إلى الاستقرار والوحدة، وجمع الحزب والبلاد سيكون أولويتي القصوى، إن المملكة المتحدة دولة عظيمة لكن لا شكّ في أننا نواجه تحديًا اقتصاديًا عميقًا".
وأضاف "إنه لشرف عظيم في حياتي أن أخدم الحزب الذي أحبّه وأردّ في المقابل للبلد الذي أدين له بالكثير"، متعهدًا العمل "بنزاهة وتواضع".
وهنأت تراس خلفها، الذي يتسلم منصبه رسميا الثلاثاء، وقالت إنها تدعمه بشكل كامل.
وسيصبح سوناك أول بريطاني غير أبيض من أصول هندية يصل إلى هذا المنصب، وخامس رئيس للحكومة منذ إجراء الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016، والذي فتح الباب أمام فصل طويل من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية غير المسبوقة في المملكة المتحدة.
وتعليقا على فوز سوناك، قالت أنجيلا راينز، نائبة رئيس حزب العمال البريطاني، إن سوناك ليس لديه أي تفويض، أو إجابات، ولا أفكار، ولم يصوت له أحد من الجمهور البريطاني.
وتابعت في تغريدة على تويتر: "حان الوقت لبداية جديدة
مع حزب العمل".
وبمجرد تسليم استقالة تراس رسمياً إلى الملك تشارلز الثالث، سيكلّف الملك، سوناك بتشكيل حكومة جديدة، في إطار جدول زمني يجب توضيحه قريباً.
وستكون هذه المرة الأولى التي يقوم فيها الملك الجديد بتكليف رئيس حكومة، بعدما كان قد اعتلى العرش في الثامن من أيلول/ سبتمبر الماضي بعد وفاة والدته إليزابيث الثانية.
رئيس وزراء من
أصول هندية
ويشكل اختيار
ريشي سوناك لمنصب رئيس الوزراء حدثا في تاريخ المملكة المتحدة.
وُلد ريشي
سوناك في مدينة ساوثهامبتون البريطانية لأبوين هنديين هاجرا إلى المملكة المتحدة
من شرق إفريقيا، امتهن والده الطب وكانت والدته تمتلك صيدلية.
تلقى سوناك
تعليمه في مدرسة داخلية خاصة قبل أن يذهب إلى جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة
والسياسة والاقتصاد وهو التخصص الذي تختاره النخبة السياسية البريطانية في تلك
الجامعة العريقة.
وحصل على درجة
الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، حيث تعرف على
زوجته الحالية أكشاتا مورتي وهي ابنة ملياردير هندي.
ويُعرّف سوناك
بأنه من أغنى السياسيين في البلاد، بفضل ثروة زوجته التي تعد من أغنى نساء المملكة
المتحدة، وبلغت ثروتهما مجتمعة 730 مليون جنيه إسترليني (875 مليون دولار) منذ
مطلع عام 2022.
وبينما ألقت
هذه الزيجة والثروة الضخمة بظلالها على حياة سوناك العامة، حيث أثير حوله وزوجته
الكثير من الجدل بعد الكشف عن استفادة شركاتها من الملاذات الضريبية بعيدا عن
بريطانيا، إلا أنها لم تعرقل مسار سوناك المهني والسياسي بذريعة أنه عمل مستشارا
لأكبر المؤسسات البنكية في العالم قبل انضمامه للحكومة في بريطانيا.
محطات سياسية
دخل سوناك إلى
البرلمان البريطاني في عام 2015، ممثلا عن دائرة ريتشموند في مقاطعة شمال
يوركشاير، شمالي المملكة المتحدة.
صوّت لصالح
الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016 بشأن خروج بريطانيا من التكتل، ثم
جاء دوره الحكومي الأول في عهد رئيسة الوزراء آنذاك تيريزا ماي، عندما اختير في
منصب وزاري صغير قبل أن يعينه بوريس جونسون سكرتيرا أول في وزارة الخزانة.
وبعد استقالة
ماي، أيد سوناك محاولة بوريس جونسون لرئاسة الوزراء، واعتبر البعض اختياره لمنصب
السكرتير الأول في وزرارة الخزانة وهو بمثابة الرجل الثاني في الوزارة بعد الوزير
كأنه "رد للجميل".
واستمر سوناك
في الصعود بالتزامن مع استقالة وزير الخزانة آنذاك ساجد جاويد، على خلفية صدام مع
مستشار جونسون الخاص دومينيك كامينغز بشأن قضية تتعلق بالموظفين.
وبعد استقالة
جاويد، أصبح سوناك في شباط/ فبراير 2020 وزيرا للخزانة، وبات ثاني أقوى رجل في
السياسة البريطانية.
مواقف سياسية
شكلت استقالة
ريشي سوناك من منصب وزير المالية في أعقاب فضيحة "بارتي غيت" ضربة قوية
لجونسون وأجبرته على الاستقالة من منصبه.
واستقال سوناك
بعد ورود اسمه في القضية التي اتهم فيها بوريس جونسون بخرق قواعد مكافحة فيروس
كورونا عندما نظم حفلات في مقر الحكومة، وهو ما وضع الحكومة في أزمة دائمة تتعلق
بالنزاهة والصدق.
وكان سوناك
الذي أكد أنه لم يكن على علم بهذه الحفلات، ثاني وزير يستقيل من الحكومة لإحراج
جونسون من أجل تقديم استقالته.
وعلى صعيد
آخر، عرف سوناك بمواقف الداعمة لأي قرارات تحد من أعداد المهاجرين إلى المملكة
المتحدة.
وفي تموز/ يوليو
الماضي، عندما كان سوناك ما يزال داخل المنافسة على قيادة حزب المحافظين أمام ليز
تراس، تعهد سوناك بـ"تحديد المؤهلين" للحصول على حق اللجوء، ووضع
"حد أقصى" لأعداد اللاجئين الذين يدخلون بريطانيا كل عام.
وذكرت شبكة
"بي بي سي" أن سوناك وعد أيضا بفعل "كل ما يتطلبه الأمر"
لإنجاح "خطة رواندا"، واصفا سياسة الهجرة في المملكة المتحدة بأنها
"معطلة" و"فوضوية".
وفي نيسان/ أبريل
الماضي، اعتمدت الحكومة البريطانية خطة لترحيل طالبي لجوء من أراضيها إلى رواندا،
وفق اتفاقية هجرة وقعتها حكومة البلدين.
وتنص
الاتفاقية على منح الأشخاص الإقامة والدعم في رواندا أثناء النظر في طلب اللجوء
الخاص بهم.
كما وعد سوناك
بمنح البرلمان صلاحية التحكم في عدد القادمين إلى المملكة المتحدة من خلال وضع
"حد أقصى سنوي" لعدد اللاجئين المقبولين، مع إمكانية تغيير ذلك في حالات
الطوارئ، حسب الشبكة.
وقال سوناك
ضمن وعوده الانتخابية إنه سيقدم "سلطات معززة" لاحتجاز ومراقبة من
يدخلون المملكة المتحدة بشكل غير قانوني.
وأضاف:
"النظام الحالي فوضوي، حيث يرى المواطنون الملتزمون بالقانون قوارب مليئة
بالمهاجرين غير الشرعيين القادمين من فرنسا الآمنة، ويبدو أن البحارة وخفر السواحل
لدينا عاجزون عن منعهم".
تركة ثقيلة
ويرث سوناك
اقتصادًا بريطانيًا كان في طريقه إلى الركود حتى قبل الاضطرابات الأخيرة التي
أثارتها مقترحات رئيسة الوزراء المستقيلة تراس.
وأظهرت بيانات
نُشرت الاثنين تفاقمًا في التباطؤ الاقتصادي في تشرين الأول/ أكتوبر، مع انخفاض
إنتاج القطاع الخاص إلى أدنى مستوياته منذ 21 شهرًا.
وقال كبير
الاقتصاديين التجاريين في S&P
Global Market Intelligence كريس وليامسون "أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر تشرين الأول/ أكتوبر
أن وتيرة التراجع الاقتصادي تزداد بعد الاضطرابات السياسية والمالية الأخيرة في
الأسواق".
وأضاف
"تسبب ازدياد عدم اليقين السياسي والاقتصادي بتراجع النشاط الاقتصادي إلى
مستوى غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009، مع استثناء أشهر
جائحة كوفيد-19".
ولفت وليامسون
إلى أن البيانات المقبلة قد تُظهر أن بريطانيا في حالة ركود بالفعل.
واستقر مؤشر
مديري المشتريات المركب S&P
Global/CIPS في المملكة
المتحدة عند 47,2 في تشرين الأول/ أكتوبر، أي أقل من مستوى 49,1 الذي سُجّل في
أيلول/سبتمبر.
ويشير كلّ
مستوى أدنى من 50 إلى انكماش.
غير أن
المملكة المتحدة لا تعاني وحدها ركودا، فهناك أرقام منفصلة صادرة عن ستاندرد اند
بورز تشير إلى "ركود وشيك" في ألمانيا التي تُعدّ الاقتصاد الأول في
أوروبا.
وسبق أن حذّر
سوناك، في الفترة التي تلت استقالة جونسون، من أن التخفيضات الضريبية التي وعدت
بها تراس مع ارتفاع الدين الحكومي حين تدخلت الحكومة ماليًا لكبح تفشي كوفيد-19،
كانت سياسة خاطئة.
وثبت أنه كان
على حق اذ أدت الميزانية التي طرحتها تراس إلى انهيار قيمة الجنيه الاسترليني إلى
مستوى قياسي منخفض قريب من التكافؤ مع الدولار وتسببت بارتفاع عائدات السندات
الحكومية.
"قمة سرية" بين جونسون وسوناك تسبق اختيار زعيم للمحافظين
سوناك يحقق شرط الترشح لخلافة تراس.. وجونسون يعود للندن
استقالة وزيرة داخلية بريطانيا وسط أزمة ثقة برئيسة الحكومة