قال الوزير التونسي السابق والقيادي في جبهة الخلاص الوطني، رضا بالحاج، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إن "الانتخابات التشريعية المقبلة ستُعمّق أزمة قيس سعيّد، وربما تخنقه، وستزيد عزلته المحلية والدولية، خاصة من جانب المؤسسات المالية الدولية".
وشدّد بالحاج على أن "سعيّد سيجد نفسه بعد الانتخابات -إذا وصلنا إليها- وحيدا في مواجهة وضع اجتماعي منفجر، واقتصاد منهار، وسيكون عاجزا عن مواجهة أيّ من التحديات التي تواجهها البلاد".
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية، التي دعا لها الرئيس قيس سعيّد، في 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وسط مقاطعة سياسية وحزبية واسعة.
وأكد بالحاج أن "تونس تواجه مخاطر الانهيار، وفقدان الاستقرار، الأمر الذي يُهدّد باختلال السلم الأهلي"، مشيرا إلى أن "عوامل الانفجار والفوضى والانفلات باتت كلها متوفرة".
ولفت الوزير التونسي السابق إلى أن "التطورات الداخلية المتسارعة ستجعل الموقف الأوروبي والدولي بوجه عام يتغير لصالح عودة الديمقراطية، وفرض حوار جامع دون إقصاء؛ لإيجاد حل للأزمات المركبة التي تعيشها تونس".
وحذّر من أن تونس يمكن أن تصل إلى سيناريو سريلانكا؛ فالوضع متشابه، إلاّ أن الوضع التونسي مختلف إلى حد ما؛ فكلما مرّت بلادنا بأزمة من هذا القبيل، ونظرا لموقعها الاستراتيجي، تتسارع الأحداث، وتنتقل السلطة بطريقة سلميّة على أساس توافق وطني، وهو ما حصل في أعوام 1987 و2011 و2013، وأعتقد أن هذا ما سيحصل في الوقت المناسب".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف استقبلت القانون الانتخابي الذي أثار جدلا ورفضا واسعا في تونس مؤخرا؟
القانون الانتخابي الذي أصدره قيس سعيّد هو حلقة من حلقات الانقلاب الذي انطلق يوم 25 تموز/ يوليو 2021، والذي أفضى إلى حل البرلمان المنتخب، والمجلس الأعلى للقضاء، وهيئة مقاومة الفساد، وتركيز هيئة انتخابات على مقاسه؛ فهذا القانون الانتخابي أعدّه قيس سعيّد بنفسه دون تشريك أحد، وهو خارج المعايير الدولية التي تمنع تغيير القوانين الانتخابية قبل فترة وجيزة من تاريخ الانتخابات.
علاوة على ذلك، فقد تعمّد إرساء نظام جديد للاقتراع على الأشخاص استبعد كل دور للأحزاب ولمشاركة المرأة، وأرسى شروطا تجعل من تركيبة المجلس المزمع انتخابه مجلسا تابعا دون صلاحيات تُذكر، ولن يكون فيه إلا أنصاره من خلال نظام تزكيات اُضطرّ، حسب تصاريحه، للتراجع عنه بعد الانتقادات الكبيرة التي تعرض لها، وعجز أنصاره أنفسهم عن جمع التوقيعات اللازمة؛ فتونس بعد عشرية كاملة من انتخابات شفافة ونزيهة والتداول السلمي على السلطة، ها هي تعود للانتخابات الموجّهة ومعلومة النتائج قبل إجرائها .
قيس سعيّد قال إنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه، فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحدّ من الظاهرة المشينة المتعلقة بالمال الفاسد"، مؤكدا أن مسالة التزكيات تسببت في الفوضى والإرباك بين المواطنين.. ما تعقيبكم؟
قيس سعيّد متضارب الأقوال؛ فبعد أن أصدر القانون الانتخابي بصفة أحادية، وصرّح بأن هذا القانون سيتصدّى لكل أنواع الفساد والمال الفاسد، وأقرّ التزكيات، إلا أنه أمام الانتقادات الكبيرة التي تعرّض لها قانونه، حتى من قِبل مسانديه، تراجع، مصرّحا بأن تعديله يتجه للحدّ من ظاهرة المال الفاسد. هذا الاضطراب في مواقف سعيّد يؤكد أنه في مأزق حقيقي، وأن فشل محطّة الاستفتاء من خلال المشاركة المحدودة فيه سيتبعه فشل الانتخابات المزمع تنظيمها في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022؛ فسنّ قانون انتخابي قبل 3 أشهر من تاريخ الانتخابات تم تعديله مرتين بعد انطلاق المسار الانتخابي، وذلك في سابقة فريدة من نوعها تؤكد مرّة أخرى بداية انهيار المنظومة الانقلابية.
وفق تقديرك، ما انعكاسات الانتخابات التشريعية المقبلة على المشهد التونسي؟
الانتخابات المزمع تنظيمها في 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل ستُعمّق أزمة قيس سعيّد، وستزيد عزلته المحلية والدولية، وربما تخنقه؛ فبالإضافة لانكشاف الإخراج السيئ لانتخابات مُجراة على المقاس، ودون توفر أدنى شروط الانتخابات النزيهة، فإن المعارضة بجميع أصنافها التي قاطعت الانتخابات ستجد نفسها في مواجهة موحدة مع قيس سعيّد.
فالمشهد السياسي سينقسم بعد الانتخابات -إذا وصلنا إليها- لأقليّة من أنصار قيس سعيّد داخل المؤسسات الصورية، وأغلبية معارضة في الشارع، وحينها ستزداد عزلة سعيّد الذي سيجد نفسه وحيدا في مواجهة وضع اجتماعي منفجر، واقتصاد منهار، عاجزا عن مواجهة أيّ من التحديات التي تواجهها البلاد، وهو ما سيزيد حينذاك عزلته الدولية، خصوصا من جانب المؤسسات المالية الدولية.
ما طبيعة المخاطر التي تواجهها تونس في الوقت الراهن؟
تونس تواجه مخاطر الانهيار، وفقدان الاستقرار، الأمر الذي يُهدّد باختلال السلم الأهلي؛ فالوضع الاقتصادي المتسّم بعجز كبير في ميزانية الدولة وتضخّم مالي يقارب الـ 10% جعل فئات كبيرة في وضع صعب، حتى أن بعض الفئات أصبحت تواجه الجوع، ما جعلها تلتجئ للهجرة السريّة مُعرّضة أرواحها للموت، وكذلك هناك أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين وغيرهم اختاروا الهجرة للعمل خارج الوطن؛ فالبطالة تجاوزت كل الحدود، وشملت كل الفئات.
وأمام هذه الوضعية، فإن حكومة قيس سعيّد تفتقد لأي برنامج للإنقاذ، بل تواصل سياسية الوعود الشعبوية في ظل غياب أي تفاعل جدّي واضح من الأطراف المالية الدولية، وفضلا عن هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، هناك أزمة سياسية وغياب مؤسسات منتخبة بعد تدمير كل المؤسسات المنبثقة عن دستور 2014، وجمع كل السلطات بأيدي قيس سعيّد. أمام هذه الوضعية، فإن عوامل الانفجار والفوضى والانفلات باتت كلها متوفرة، خاصة في ظل عجز السلطات عن تلبية الاحتياجات ومواجهة التحديّات المختلفة.
وبالتالي، إلى أي مدى يدرك سعيّد هذه المخاطر التي تحدثت عنها؟ وهل يتحمل وحده المسؤولية الكاملة عن ذلك؟
قيس سعيّد غير واع بخطورة الوضع الحالي، وهو يعيش في عالمه المنفصل عن الواقع، ويخضع لتأثير مجموعات يسراوية (اليسار الفوضوي والمتطرف) وشعبوية تدفعه لتركيز نظام قاعدي، مُوهمةً إياه بأنه الحلّ لتحقيق أهداف الثورة، وهو يظن بأن هذا النظام قابل للتركيز بواسطة القوة والأدوات الأمنية.
وكيف تقرأ موقف المؤسسة العسكرية من التطورات الجارية في البلاد؟
قيس سعيّد قام بانقلابه يوم 25 تموز/ يوليو 2021 ليستولي على السلطة، وقد هيأ الظروف لنجاحه بالتعاون مع أطراف إقليمية معلومة، مُستغلا صفته كقائد أعلى للقوات المسلحة، والجيش التونسي جيش منضبط طالما أنه تلقى تعليمات في إطار الدستور، وهو ما حاول إيهامه قيس سعيّد مُستندا في ذلك لأحكام الفصل 80 من دستور 2014، واتخاذ تدابير استثنائية وقتية، ليفتك بعد ذلك بجميع السلطات والانقلاب على الدستور.
بينما الجيش التونسي لا علاقة له بهذا التمشي اللاحق لـ25 تموز/ يوليو 2021. هذا الجيش كان له دور كبير في نجاح ثورة 2011، وذلك من خلال تأمينه انتقال السلطة بصفة سلمية، واستمرار الدولة بعد هروب زين العابدين بن علي، كذلك كان له دور كبير في نجاح الانتقال الديمقراطي سنة 2011؛ فهو مَن أمّن نجاح أول انتخابات ديمقراطية منذ عام 2011، وسط أوضاع صعبة. ولو كان هذا الجيش يريد السلطة، فكان ممكن له الحصول عليها آنذاك، لكنه اختار مصاحبة الشعب التونسي نحو الديمقراطية، ونجح في ذلك، ولا اعتقد أن هذا الجيش يرضى بأن يصاحب اليوم قيس سعيّد في مغامراته.
هل يمكن القول إن الدولة البوليسية أطلّت بوجهها من جديد في تونس؟
عمد قيس سعيّد منذ انقلابه إلى تصفية خصومه؛ ففي مرحلة أولى اعتمد الاختطافات والإقامة الجبرية خارج إطار القانون والإحالات على القضاء العسكري، مثلما هو الحال بالنسبة لنور الدين البحيري والعميد عبد الرزاق الكيلاني، ثم في مرحلة ثانية التجأ إلى توظيف القضاء؛ فعمد إلى حل المجلس الأعلى للقضاء، وتركيز مجلس مؤقت يستطيع التحكّم فيه بغاية تسمية قضاة يستطيع توظيفهم لتصفية خصومه، وهو ما أدى به إلى عزل 57 قاضيا بصفة تعسفية، ورغم صمود القضاة يواصل قيس سعيّد محاولاته للزجّ بمعارضيه في السجن عبر استعمال القضاء، مثلما هو الحال فيما يسمّى ملف "التسفير" وملف "النقابات الأمنية"، وغيرها، وكل ذلك بهدف تركيز كل السلط بيده، وتثبيته نظامه الاستبدادي.
ما تقييمكم لأداء وزير الداخلية توفيق شرف الدين، خاصة أنه يُعدّ من الرجال المقربين من سعيّد، فضلا عن أن التدابير الاستثنائية ارتكزت في تطبيقها على المؤسسة الأمنية؟
وزير الداخلية هو أداة بيد قيس سعيّد، ومن الوجهات الداعمة له، وهو اليوم يقوم بدور خطير لإضعاف الجهاز الأمني، من خلال التسميات الموالية له، وتفكيك النقابات الأمنية، وجعله في خدمة قيس سعيّد.
هناك أقاويل بشأن وجود توتّر داخلي وتململ مكتوم داخل المؤسسة العسكرية والأمنية مما يجري داخل البلاد.. فما مدى دقّة ذلك؟
أعتقد، كما قلت سابقا، أن المؤسسة العسكرية هي مؤسسة منضبطة، وكانت إلى جانب الشعب في جميع المحطات، خصوصا فيما يتعلق بوقوفها إلى جانب ثورة 2011، ومصاحبتها جميع مراحل الانتقال الديمقراطي، وبالتالي من المستحيل أن تقف إلى جانب الانقلاب.
أمّا المؤسسة الأمنية، فقد عانى رجالها من فترة "بن علي" نتيجة توظيفها في القمع، وقد بدأت تتعافى منذ العام 2011، حيث بدأت تتحوّل شيئا فشيئا لأمن جمهوري، وتحصلت على العديد من الحقوق، من بينها حقها في التنظيم في نقابات، وبالرغم من العديد من النواقص، فقد تحوّل الأمن قبل انقلاب قيس سعيّد إلى أمن أقرب ما يكون للحيادية.
لكن بعد الانقلاب، لم يتوقف قيس سعيّد في محاولة إرجاع الجهاز الأمني لمربّع ما قبل الثورة، ورغم صمود أطراف داخل هذه المؤسسة الأمنية؛ فقد فرض تسميات حسب الولاء، وتمكّن من إرجاع ممارسات اعتقدنا أنها اختفت مع الثورة، إلا أن جزءا كبيرا من المجتمع المدني والقضاء، ومن الأمنيين أنفسهم، ما زال صامدا ضد هذه الممارسات.
هل هناك دعم إقليمي ودولي يتلقاه سعيّد سواء كان دعما ماليا أو سياسيا أو غيره؟
لقد لقي سعيّد في بداية الأمر دعما إقليميا من أطراف معلومة المعادية للتجربة الديمقراطية التونسية لمشروعه الانقلابي، وكان هناك تغاض دولي، خصوصا أوروبي، بعد إيهامهم بأن الموضوع لا يتعدّى تصحيحا للمسار الديمقراطي باتخاذ تدابير استثنائية وقتية. أما بعد توضح مشروعه، فبقيت الأطراف الإقليمية العربية داعمة له سياسيا، دون دعم مالي، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالموقف الأمريكي، خصوصا غموض مشروعه، وارتباطاته الحقيقية بأطراف إقليمية أخرى غير عربية.
أما الموقف الدولي، وخصوصا الأمريكي، فإنه بقي مترقبا دون إسناد أي دعم حقيقي لانقلابه.
غير أن التطورات الداخلية المتسارعة ستجعل الموقف الأوروبي والدولي بوجه عام يتغير لصالح العودة للديمقراطية، وفرض حوار جامع دون إقصاء، لإيجاد حل للأزمات المركبة التي تعيشها تونس.
هل يمكن أن تصل تونس إلى سيناريو سريلانكا على سبيل المثال؟
يمكن لتونس أن تصل إلى سيناريو سريلانكا؛ فالوضع متشابه، إلاّ أن الوضع في تونس مختلف إلى حد ما، على اعتبار أن تونس كلما مرّت بأزمة من هذا القبيل، ونظرا لموقعها الاستراتيجي، تتسارع الأحداث، وتنتقل السلطة بطريقة سلميّة على أساس توافق وطني، وهو ما حصل في أعوام 1987 و2011 و2013، وأعتقد أن هذا ما سيحصل في الوقت المناسب، وهو توافق بين مختلف الأطراف الفاعلة داخليا وخارجيا في الدولة وخارجها لإيجاد حل للأزمة التي تعيشها البلاد.
وزير تونسي سابق لعربي21: قرض صندوق النقد لن ينهي الأزمة
الشابي لـ"عربي21": سنعلن تحركات معارضة بتونس قريبا
وزير تونسي سابق لـ "عربي21": إنقاذ بلادنا من أزمتها ممكن