كتاب عربي 21

خروج الأموال الساخنة وارتفاع قروض مصر بالربع الثاني من العام

1300x600
أشارت بيانات البنك المركزي المصري التي صدرت قبل أيام، لاستمرار خروج الأموال الساخنة في الربع الثاني من العام الميلادي الحالي بنحو 3.7 مليار دولار، وبلوغ المستخدم من القروض والودائع الأجنبية 5.4 مليار دولار، مقابل سداد أقساط ديون خارجية بقيمة 2.1 مليار دولار، ووصول مدفوعات الفوائد المدفوعة للاستثمار الأجنبي 4.9 مليار دولار رغم الخروج الكبير للأموال الساخنة. وارتفعت مدفوعات السياحة الخارجة من مصر إلى 1.5 مليار دولار خلال ربع العام.

وعلى الجانب الآخر تسببت الإجراءات التي قامت بها السلطات المصرية، شاملة البنك المركزي ووزارة المالية ووزارة التجارة، في تراجع قيمة واردات السلع غير البترولية بنسبة 19 في المائة، لتنخفض بقيمة 3.8 مليار دولار بالمقارنة بنفس الربع من العام الماضي.

وأسفر الميزان الكلي للمدفوعات بين مصر والعالم خلال ربع العام، عن تحقيق عجز بلغ 3.3 مليار دولار، رغم استخدام قروض وودائع أجنبية بقيمة 5.4 مليار دولار في تلك الفترة، وهو ما انعكس على الاحتياطيات من العملات الأجنبية داخل البنك المركزي التي انخفضت خلال تلك الفترة .

وكان البنك المركزي المصري قد أعلن قبل أيام بيانات ميزان المدفوعات الخاصة بالعام المالي 021/2022، الذي يمتد من بداية تموز/ يوليو من العام الميلادي الماضي وحتى نهاية حزيران/ يونيو من العام الحالي، والذي أسفر عن تحقيق إيرادات من النقد الأجنبي بلغت 149.3 مليار دولار، في حين بلغت المدفوعات لدول العالم 159.7 مليار دولار، ليسفر الميزان الكلي عن عجز بلغ 10.5 مليار دولار.
يشير ارتفاع قيمة الفجوة التمويلية إلى أن القرض المرتقب من صندوق النقد الدولي مهما كانت قيمته، سواء كانت ثلاثة مليارات دولار حسب غالب التوقعات، أو حتى 15 مليارا دولار كما تردد مسبقا، لا يفي بسد الفجوة التمويلية، مما يعني حاجة مصر لقروض أخرى مساندة من دول ومؤسسات وبنوك إقليمية

47 مليار دولار قيمة العجز الحقيقي

إلا أن تضمن الموارد نحو 36.8 مليار دولار كاستخدامات للقروض والودائع الأجنبية؛ يعني بإضافتها إلى العجز الكلي بلوغ العجز الحقيقي بميزان المدفوعات 47.38 مليار دولار، وهو ما يعبر عن الفجوة الدولارية التي يعاني منها الاقتصاد المصري مؤخرا، وأدت لنقص حاد للعملات الأجنبية في الجهاز المصرفي الذي يضم البنك المركزي والبنوك العاملة بمصر معا، الأمر الذي تسبب بعودة السوق السوداء للتعامل بالدولار.

ويشير ارتفاع قيمة الفجوة التمويلية إلى أن القرض المرتقب من صندوق النقد الدولي مهما كانت قيمته، سواء كانت ثلاثة مليارات دولار حسب غالب التوقعات، أو حتى 15 مليارا دولار كما تردد مسبقا، لا يفي بسد الفجوة التمويلية، مما يعني حاجة مصر لقروض أخرى مساندة من دول ومؤسسات وبنوك إقليمية، بالإضافة إلى فترة من الوقت حتى تستعيد بعض الموارد المصرية عافيتها، مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر لتساهم في سد الفجوة الدولارية.

ويشير التوزيع النسبي لموارد النقد الأجنبي في العام المالي الأخير، إلى استحواذ الاقتراض الخارجي على المركز الأول بنسبة 25 في المائة، تليه التحويلات الخاصة من المصريين العاملين في الخارج بنسبة 21 في المائة، والصادرات السلعية غير البترولية 17 في المائة، وصادرات النفط والغاز الطبيعي بنسبة 12 في المائة، والسياحة 7 في المائة، وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر 6 في المائة، وعائدات قناة السويس أقل من 5 في المائة، والمتحصلات الخدمية بخلاف السياحة والنقل 2.5 في المائة، وخدمات النقل الجوي والبحري والبرى أقل من 2 في المائة، ونفس النسبة للمتحصلات الحكومية من الرسوم التي تتقاضاها القنصليات المصرية في الخارج، نظير ما تقدمه من خدمات للمصريين في الخارج، وأقل من واحد في المائة للفوائد من الاستثمارات الخارجية المصرية شاملة المباشرة أو غير المباشرة.

ولقد استفادت الموارد المصرية من التضخم العالمي لتحقق الصادرات السلعية غير البترولية رقما غير مسبوق، ونفس الأمر لصادرات النفط والغاز بسبب طفرة أسعار النفط والغاز، وتقليل استهلاك محطات إنتاج الكهرباء المحلية من الغاز الطبيعي لتوفيره للتصدير. كذلك حققت قناة السويس رقما قياسيا مستفيدة من رفع رسوم المرور بها، وزيادة سفن النفط والغاز المتجهة عبر القناة إلى أوروبا لتعويض جانبا من الطاقة الروسية لأوروبا.

إلا أن متحصلات باقي الموارد ما زالت أقل مما حققته بسنوات سابقة، مثل السياحة، فرغم تحسن إيراداتها فما زالت أقل مما كانت عليه قبل ظهور فيروس كورونا.
إذا كانت قيمة الصادرات السلعية قد زادت بنحو 15.2 مليار دولار، فقد زادت قيمة الواردات السلعية بقيمة 16.6 مليار دولار، مما أدى لزيادة العجز التجارى السلعى بنحو 1.3 مليار دولار ليصل إلى 43.4 مليار دولار

ارتفاع العجز التجاري رغم زيادة الصادرات

وكما تسبب التضخم العالمي في ارتفاع قيمة الصادرات السلعية لتصل إلى 43.9 مليار دولار، فقد تسبب أيضا في ارتفاع قيمة الواردات لتصل إلى 87.3 مليار دولار، لتحقق الواردات السلعية سواء البترولية أو غير البترولية أرقاما غير مسبوقة تاريخيا، إلا أنه إذا كانت قيمة الصادرات السلعية قد زادت بنحو 15.2 مليار دولار، فقد زادت قيمة الواردات السلعية بقيمة 16.6 مليار دولار، مما أدى لزيادة العجز التجارى السلعى بنحو 1.3 مليار دولار ليصل إلى 43.4 مليار دولار.

كذلك حققت نوعيات أخرى من المدفوعات أرقاما غير مسبوقة تاريخيا، أبرزها استثمارات الحافظة بمصر أو ما يسمى بالأموال الساخنة الخارجة من مصر، والمتمثلة بمشتريات الأجانب بأدوات الدين الحكومي المصري، والتي بلغت 21 مليار دولار، ومدفوعات فوائد الاستثمارات الأجنبية التي بلغت 16.8 مليار دولار رغم الخروج الكبير للأموال الساخنة، لأنها تشمل إلى جانب استثمارات الحافظة للأجانب؛ الاستثمار الأجنبي المباشر وفوائد الودائع المصرفية للأجانب وفوائد الدين الخارجي، وهو ما يعنى توقع ارتفاعها خلال الفترة المقبلة في ضوء استمرار ارتفاع الدين الخارجي.

كذلك حققت مدفوعات السياحة الخارجة من مصر، وخدمات النقل المدفوعة للدول الخارجية، والمصروفات الحكومية للبعثات والتدريب أرقاما غير مسبوقة تاريخيا، وهو نفس ما حدث مع بند السهو والخطأ الذي بلغ 5.8 مليار دولار، والذي يتضمن ضمن مكوناته الأموال غير المشروعة الخارجة من مصر.

ويظل السؤال الحائر عن أسباب عدم وفاء موارد النقد الأجنبي باحتياجات النقد الأجنبي رغم حدوث ارتفاع بغالبية أنواع الموارد وبمعدلات نمو وصلت إلى 53 في المائة بالصادرات السلعية. وتتضمن الإجابة أن غالب الموارد لا تتجه للحكومة أو حتى للجهاز المصرفي، حيث تحصل الحكومة على إيرادات القروض وقناة السويس ومتحصلات خدمات القنصليات المصرية في الخارج.
ظل السؤال الحائر عن أسباب عدم وفاء موارد النقد الأجنبي باحتياجات النقد الأجنبي رغم حدوث ارتفاع بغالبية أنواع الموارد وبمعدلات نمو وصلت إلى 53 في المائة بالصادرات السلعية. وتتضمن الإجابة أن غالب الموارد لا تتجه للحكومة أو حتى للجهاز المصرفي

توقع تراجع تحويلات المصريين بالخارج

وتحظى شركات القطاع الخاص بنصيب كبير بباقي الموارد مثل الصادرات السلعية والسياحة، وهي تتصرف بها حسب مصلحتها وربما تحتجز جانبا منها في الخارج، وحتى صادرات النفط والغاز، فإذا كانت حصيلتها قد بلغت حوالي 18 مليار دولار، فقد تضمن ذلك نصيب الشركات الأجنبية من اتفاقيات الإنتاج والذي تحوله للخارج، وهو ما بلغ في العام المالي الأخير 7.3 مليار دولار.

يضاف لذلك قيمة واردات النفط حيث لا يكفي الإنتاج سوى ثلث الاستهلاك، أيضا قيمة واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل والتي يتم تصديرها لأوروبا، ومن هنا فإن إعلان الجهات المصرية بلوغ الفائض بميزان النفط والغاز 4.4 مليار دولار كفرق بين قيمة صادراتها ووارداتها أمر غير حقيقي، في ظل إخراج الشركات الأجنبية ما قيمته 7.3 مليار دولار قيمة مستحقاتها كشريك أجنبي.

وحتى المعونات الأجنبية التي كانت تساهم بنصيب كبير في العامين الماليين التاليين لتولي الجيش السلطة منتصف عام 2013، قد تحولت في العامين الماليين الأخيرين إلى تحقيق تدفق سالب إلى الخارج، بلغ 271 مليون دولار في العام المالي الأخير، مقابل 277 مليون دولار في العام المالي السابق، حيث تزيد قيمة المعونات التي تقدمها السلطات المصرية للخارج بأكثر مما تتلقاه من معونات!
غالب الموازين الفرعية داخل الميزان الكلي للمدفوعات قد حققت عجزا، وأبرزها العجز بالميزان التجارى بين الصادرات والواردات والذي بلغ 43.4 مليار دولار، وعجز الحساب الجاري الذي يتضمن موازين التجارة والخدمات والتحويلات ودخل الاستثمار، والذي بلغ 16.6 مليار دولار بالإضافة للعجز الكلي

ولهذا نجد غالب الموازين الفرعية داخل الميزان الكلي للمدفوعات قد حققت عجزا، وأبرزها العجز بالميزان التجارى بين الصادرات والواردات والذي بلغ 43.4 مليار دولار، وعجز الحساب الجاري الذي يتضمن موازين التجارة والخدمات والتحويلات ودخل الاستثمار، والذي بلغ 16.6 مليار دولار بالإضافة للعجز الكلي.

ويصبح السؤال الأهم حول التوقعات للفترة المقبلة، حيث أثرت الأزمة الاقتصادية الحالية بمصر على تراجع بعض الموارد، ومنها تحويلات المصريين في الخارج التي انخفضت خلال شهور أيار/ مايو وحزيران/ يونيو وتموز/ يوليو من العام الحالي عن نفس الشهور من العام الماضي، بسبب توجهها للسوق السوداء الأعلى سعرا، كذلك تأثر الصادرات المصرية بسبب نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج نتيجة قيود الاستيراد، والذي ظهر بالفعل بالربع الربع الثاني من العام الحالي.

كما يتوقع استمرار ارتفاع قيمة مدفوعات الواردات البترولية بعد الخفض الكبير للإنتاج بتحالف أوبك بلس مؤخرا، وارتفاع قيمة أقساط الدين الخارجي الكبير، في ضوء محدودية مشتريات الصناديق السيادية الخليجية لحصص في الشركات المصرية حتى الآن، بالمقارنة بارتفاع قيمة ديونها لمصر.