سلطت وسائل الإعلام اللبنانية الضوء على تسلّم الرئيس ميشال عون، السبت، رسالة خطية من الوسيط الأمريكي آموس هوكستين، حول المقترحات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأفاد بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية بأن عون تسلم من سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا "رسالة خطية من الوسيط الأمريكي آموس هوكستين، حول الاقتراحات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية".
ويتنازع لبنان مع دولة الاحتلال على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا؛ وتتوسط الولايات المتحدة في مفاوضات غير مباشرة بينهما لتسوية النزاع وترسيم الحدود.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب برعاية الأمم المتحدة بهدف ترسيم الحدود، وعُقدت 5 جولات كان آخرها في أيار/ مايو 2021، ثم توقفت نتيجة خلافات جوهرية.
ولم يذكر البيان الصادر عن الرئاسة تفاصيل أكثر عن محتوى الرسالة، إلا أن رئيس حكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، سبق وأعلن في 22 أيلول/ سبتمبر المنصرم، تحقيق "تقدم ملموس" في مفاوضات ترسيم الحدود، فيما كشفت وسائل إعلام لبنانية عن التفاصيل التي تضمنتها رسالة الوسيط الأمريكي.
ترسيم الحدود البحرية
وفي تعليق، قالت صحيفة "النهار" إن الإعلان عن مؤشرات التوصل إلى نهاية إيجابية جاء تباعا على ألسنة كل من السفيرة الأمريكية دوروثي شيا، والرئيس بري، ومن ثم على لسان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله نفسه، وذلك استباقاً لموقف رئيس الجمهورية، علماً بأنّ ثمة اتجاهاً لعقد اجتماع للرؤساء الثلاثة في بعبدا الأسبوع القادم لإعلان الموقف الرسمي الجامع من مسودة الاتفاق.
وبحسب مصادر "النهار"، فإن مقترح هوكشتاين، الذي يقع في عشر صفحات، يتضمن أرقاماً وإحداثيات تقنية تحتاج إلى فريق تقني ومهندسين لشرح مضمونها قبل تقديم الرد الرسمي اللبناني عليها".
وأشارت الصحيفة إلى أنه أحيلت نسخة من المقترح إلى قيادة الجيش لدراسته، وأن المقترح يتضمن فصلا تاما بين الترسيم البحري والبري وإقرارا بعدم انسحاب أي نقطة بحرية يُتّفق عليها على أي نقطة برية قد تؤثر على ترسيم الحدود البرية لاحقا.
بدوره، أفاد تلفزيون "المنار" التابع لـ"حزب الله" بأن "المقترح الأمريكي يراعي التعديلات التي طلبها لبنان، إضافة إلى تلبية مطلب لبنان بخط 23 وحقل قانا كاملا، والتزام فرنسي من شركة توتال ببدء التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية فور توقيع اتفاق الترسيم".
وأضافت أن "تصوّر هوكشتاين مخصص للترسيم البحري حصرا لا البري"، بانتظار الجواب من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، على أن يتمّ توقيع الاتفاق في الناقورة، برعاية أمريكية وأممية، فـ"لبنان لا يعترف بإسرائيل ولن يكون أمام اتفاق مباشر".
وقال تلفزيون "الميادين" المقرب من "حزب الله" إن "لبنان حصل في الاقتراح الخطي الذي استلمه من الأمريكيين على كل مطالبه"، نقلا عن مصدر معني بالمفاوضات.
وأضاف المصدر أن "لبنان لم ولن يعطي إسرائيل أي منطقة أمنية طالبت بها سابقاً".
تفاصيل الرسالة
وكشفت صحيفة "لوريون دي جور" الناطقة باللغة الفرنسية تفاصيل عن المقترح الذي قدمه الوسيط الأمريكي، حيث نقلت عن مصدر مقرب من رئيس البرلمان نبيه بري قوله إن النص المقدم للسلطات ينص على أن المنطقة الممنوحة للبنان محددة بخط 23، لكن بيروت تحصل أيضا على حقل قانا للغاز بأكمله، والذي يتجاوز جنوبا المنطقة المحاذية للخط 23.
ويؤكد النص على أن كتل المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية ستبقى على حالها، مع عدم منح أي جزء منها لإسرائيل.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه سيتم إعلان المنطقة الواقعة بين "خط الطفافات" والخط 23 منطقة آمنة، ولكن تحت السيادة اللبنانية، لأنها تابعة للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
وكانت بيروت قد أعلنت بالفعل أنها لا تعترض على أن تكون هذه المنطقة تحت إشراف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، لذلك فإن الاقتراح يستجيب إلى حد كبير لمطالب لبنان، بحسب الصحيفة.
ومع ذلك، فإنه سيتعين على بيروت أن تحسم موقفها، في ردها على اقتراح عاموس هوشستين، بشأن إشراف الأمم المتحدة على المنطقة الآمنة.
اقرأ أيضا: الاحتلال يوافق على مسودة ترسيم الحدود.. ولبنان "يدرس"
وبحسب النص المقترح، فإن المسار البحري سيبدأ من النقطة الإسرائيلية 31، وهي أبعد شمالًا من النقطة B1، التي يطالب بها اللبنانيون.
وتشير النقطة 31 أيضا إلى بداية "خط العوامات"، وبالتالي فإن مسار الحدود البحرية سيتبع هذا الخط بطول ستة كيلومترات، قبل الانضمام إلى السطر 23.
ومع ذلك، فإنه يُذكر صراحة في النص أن المسار البحري سيكون في خريطة لا يمكن ربطها بأي حال من الأحوال بالترسيم المستقبلي للحدود البرية، بحسب الصحيفة.
وعن الحدود البرية، قالت "لوبينيون دي جور" إنه لا يبدو أن السلطات اللبنانية مستعدة للتخلي عن النقطة B1، باعتبارها تتبع المسافة بين خط العوامات، التي تبدأ عند النقطة 31 قبل الانضمام إلى الخط 23، والخط 23 نفسه، والتي تبدأ من النقطة B1، والتي يجب بالتالي وضعها تحت سيطرة الأمم المتحدة، بينما تظل تحت السيادة اللبنانية، بحسب الصحيفة.
مصير الرسالة
أما صحيفة "الأنباء" فأكدت أنه يوجد آراء متعددة لدى المسؤولين اللبنانيين حيال الرسالة، فثمة رأي يقول إنه يجب اعتماد طريقة المثل اللبناني "خذ وطالب"، ورأي آخر يدعو إلى رفض الاتفاق رفضاً كلياً حتى ولو اقتضى الأمر التلويح بالانسحاب من المفاوضات لأنها تحرم لبنان الكثير من ثروته في النفط والغاز.
وبحسب المصدر ذاته، فإن أصحاب هذا الرأي يعتبرون أن الخط الأحمر الموجود على الخارطة لا يلحظ بتاتاً الخط 23 وهو الحد الفاصل في موضوع الترسيم المائي بين لبنان وإسرائيل.
أما الرأي الثالث فيقول إن توقيت كلام الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، عن الترسيم بهذه الطريقة الهادئة وتخليه عن لغة التهديد والوعيد يعني أن هذا الملف مرتبط برفع الحظر عن بيع النفط الإيراني.
في المقابل، توقعت مصادر "الأنباء" أن يوقّع الرؤساء الثلاثة على المقترح الأمريكي من دون تسجيل اعتراضات، بالنظر إلى أن خطورة الوضع الاقتصادي تفرض عليهم المضي في موضوع الترسيم لاعتقادهم بأنه قد يساعد في حل الأزمة.
اجتماعات منتظرة
إلى ذلك، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيسي حكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب نجيب ميقاتي ونبيه بري إلى اجتماع في قصر بعبدا، الاثنين، لمتابعة مستجدات ملف ترسيم الحدود.
ويرأس عون اجتماعاً تقنياً في قصر بعبدا في السياق نفسه، يضم: المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ونائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، ومستشار برّي علي حمدان، وضابطا من مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش، وممثلا عن هيئة قطاع النفط، وخبراء.
اقرأ أيضا: هل يحل ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال أزمة الطاقة بأوروبا؟
بدورها، أشارت أوساط رئاسة الحكومة لـ"النهار" إلى أنه "اتضح للرئيس ميقاتي أخذ مسودة الترسيم بالمسلمات التي طلبها لبنان؛ مع الإشارة إلى أن فريق عمله وضع ملاحظات حول مسائل تفصيلية لا تؤثر على اتفاق الترسيم".
الصحف العبرية
وقالت صحيفة "هآرتس" العبرية إنه من المفترض أن تحصل إسرائيل على تعويض من لبنان مقابل موافقتها على السماح لبيروت بالتنقيب عن الغاز في منطقة الحقل الذي سيبقى في نطاقه (حوالي ثلثه).
من ناحية أخرى، تركت الولايات المتحدة مسألة ترسيم الحدود في المنطقة القريبة من الساحل دون حل.
كما اعتبرت أن التقييمات التي أجرتها المخابرات الإسرائيلية بشأن تهديد حزب الله مؤخرًا كانت صحيحة، قائلة إنه سيتمكن من الادعاء أنه بفضل تهديداته فقط كانت إسرائيل خائفة ووافقت على تنازلات في تحديد الخط الحدودي.
يبدو أن حزب الله هدد بوقوع صراع عسكري حول حقول الغاز ليس لأنه كان يبحث عن ذريعة لبدء الحرب ولكن لأنه كان من الأهمية بمكان بالنسبة له أن يتناسب مع الإنجاز الاقتصادي المتوقع للبلاد.
ولم ترد إسرائيل رسميًا بعد على الاقتراح الأمريكي الأخير، لكن مصادر في جهاز الدفاع زعمت الليلة الماضية أنها تقترب من نهايتها، بحسب الصحيفة.
وعن تفاصيل الرسالة، قالت الصحيفة إنها "تحتوي على إنجاز استراتيجي مهم لإسرائيل. أولا، على افتراض توقيع الاتفاقية، سيكون من الممكن قريبا البدء في إنتاج الغاز من"كاريش دون انقطاع".
و"ثانيًا، بما أن حقل "قانا" مهم للاقتصاد اللبناني (على الرغم من أنه قد يستغرق عدة سنوات قبل أن تتمكن بيروت من إنتاج الغاز منه)، فإنه سيتم إنشاء توازن رادع مفيد هنا.
و"ثالثاً، على المدى الطويل، يمكن للمرء أن يأمل في أن يضعف اعتماد لبنان على إيران قليلاً، والتي أرسلت في العامين الماضيين شحنات وقود إلى لبنان بين الحين والآخر ونسبت المساعدات إلى المواطنين"، بحسب الصحيفة العبرية.
ومع ذلك، لا تزال هناك عقبة أخيرة محتملة، حيث هاجم رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو الحكومة قبل أسابيع واتهمها بتقديم تنازلات أمنية غير مسؤولة للبنانيين في مفاوضات ترسيم الحدود. بل إن أعضاء كنيست من المعارضة هددوا بتقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد توقيع الاتفاق، بحجة أن هذه تنازلات إقليمية - ولا يمكن تنفيذها دون استفتاء، خصوصا وأنه لا يمكن لحكومة انتقالية أن تتخذ هذا القرار، بحسب الصحيفة.
وقد يؤدي تقديم التماس إلى المحكمة العليا، نيابة عن الليكود أو بتحريض منه، إلى تأخير تحركات الحكومة، حيث ينتظر مكتبا رئيس الوزراء ووزير الحرب ليروا كيف سيتصرف نتنياهو.
أما بالنسبة للحكومة، فإن الوقت ينفد، حيث من المتوقع أن تتم الخميس الموافقة على الاتفاقية لأول مرة في مجلس الوزراء (من الممكن أن يتم تقديم المناقشة).
ويريد المسؤولون عن التنقيب عن الغاز في إسرائيل بدء الحفر هذا الشهر. ومن المهم أن تحقق الحكومة أمرين، ويفضل أن يكون ذلك قبل الانتخابات: إزالة خطر الاحتكاك مع حزب الله وتوقيع اتفاق مع لبنان يقدم على أنه نجاح استراتيجي، بحسب الصحيفة.
أما صحيفة "غلوبز" فقالت إن معظم الأراضي ستكون في أيدي لبنان، بحسب المسودة الأمريكية، حيث أن هذا نزاع على منطقة مثلثة تبلغ مساحتها حوالي 860 كيلومترًا مربعًا بين خطين، فيما أن المبعوث الأمريكي عاموس هوشستين الذي توسط بين الطرفين في الأشهر الأخيرة، توصل إلى حل وسط وفقاً للتفاصيل التي نعلم أنها لا ترسي خطاً جديداً مستقيماً بل خط متعرج، فمعظم الأراضي لا تزال بيد لبنان.
وأضافت أنه إذا تم اكتشاف الغاز بالفعل، فستحصل إسرائيل على جزء من الإتاوات عليه. لا يوجد حتى الآن تحديد دقيق فيما يتعلق بنطاق الإتاوات، وسيتم تسليم القرار النهائي إلى هيئة دولية مهنية.
وعلى الجانب اللبناني ، من المنتظر أن يفتح الاتفاق، إذا قبلته القيادة، باب التنقيب عن الغاز والنفط ليس فقط في مكمن كانا / صيدا، ولكن أيضًا في مكامن محتملة أخرى.
ولبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية حادة بشكل خاص، يتوق إلى مصادر مالية جديدة. إذا تم العثور على الغاز بالفعل، على خلفية الطلب المتزايد على مصادر الطاقة في أوروبا، فمن الممكن أن يساعد هذا المصدر في الخروج من الأزمة، بحسب الصحيفة.
من جانبه، قد يعارض حزب الله الاتفاق، ويرجع ذلك أساسًا إلى ضغوط إيران، كما يتعرض الحزب لضغوط حقيقية داخل لبنان، حتى لا يمنع احتمال وجود مصدر دخل جديد للبلاد، بحسب الصحيفة..