في الوقت الذي تتسع فيه ظاهرة الجريمة والقتل بين العرب في الداخل الفلسطيني المحتل؛ انتهت أخيراً عملية تقديم اللوائح الانتخابية المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية العامة المزمعة في الأول من تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل، حيث بلغ عدد القوائم التي قدمت لوائحها (40) قائمة حزبية، بينها ثلاث قوائم عربية، بعد تفكيك القائمة المشتركة بقيادة أيمن عودة، وهو ثاني انقسام تشهده الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني.
وكانت القائمة الإسلامية الموحدة بقيادة منصور عباس انشقت في انتخابات آذار/ مارس العام الماضي عن القائمة المشتركة، واتجهت للمشاركة في الائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو؛ وتلك التشظيات في الأحزاب العربية، ستؤدي إلى خسارة مزيد من المقاعد العربية في الكنيسيت المقبلة، وقد تتلاشى مع الوقت .
تلاشي الحضور العربي في الكنيست
في وقت تتسارع فيه المخططات والسياسات الإسرائيلية لأسرلة المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل لجعله هامشياً على كافة المستويات الاقتصادية والتعليمية، تشهد الساحة الحزبية العربية انقساما جديدا في القائمة المشتركة، الأمر الذي سيزيد من ضعف إقبال الفلسطينيين على المشاركة في الانتخابات. ويتوقع ألا تتجاوز نسبة المشاركة في صفوفهم (40) في المائة ممن يحق لهم التصويت، والمقدر عددهم بنحو مليون ومائة ألف ناخب عربي فلسطيني على الأقل.
وتعتبر النسبة المذكورة الأدنى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، وتبعاً لذلك ستتشتت أصوات الناخب العربي لارتفاع وتيرة التشظيات في الأحزاب والكتل العربية بسبب المصالح الضيقة للأشخاص القائمين عليها، ناهيك عن عدم تلمس فلسطينيي الداخل ثمار مشاركة الأحزاب العربية في الكنيست، وخاصة فيما يخص تخفيف وطأة الجريمة المنظمة التي تفتك بالمجتمع العربي وكذلك السطو الإسرائيلي المنظم على أراضي الفلسطينيين وبشكل خاص في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة والتي تشكل نحو (50) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومتر مربع.
جب أن تعمل الأحزاب العربية في الداخل على وحدتها وتغييب الأجندات الخاصة والضيقة؛ ويعتبر ذلك بمثابة خطوه هامة للحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني التي تأكدت وترسخت إبان انتفاضة الأقصى في أيار / مايو من العام الماضي 2021، والتي شارك فيها بشكل شاسع فلسطينيو الداخل بشكل لافت ، والوقت من دم الشعب الفلسطيني والتاريخ لا يرحم.
واللافت أنه كنتيجة مباشرة لتشظيات الاحزاب العربية في الداخل المحتل ؛فإن أصوات فلسطينيي الداخل ستمنح القائمة المشتركة (5) مقاعد، ثم القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس (4) مقاعد، بينما سيحصل حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو على مقعد ونصف من أصوات الناخبين الفلسطينيين؛ أي أن عدد مقاعد الاحزب العربية في الكنيست القادمة لن يتجاوز (9) مقاعد، بعد ان كان (10) مقاعد في الكنيست السابقة و(15) مقعدا قبل سنوات، وقد يتلاشى الحضور العربي في الكنيسيت مع استمرار الانشقاقات والتشظيات داخل القوائم والاحزاب العربية، ليعود الجمهور العربي مستقبلاً للتصويت للأحزاب الإسرائيلية بتلاوينها ونعوتها المختلفة ، ولتكون عملية الاسرلة لفلسطيني الداخل المحتل سيد الموقف .
معطيات لا بد منها
مع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية العامة والتشظيات التي تشهدها الساحة الحزبية العربية في الداخل المحتل، لابد من اظهار بعض المعطيات والحقائق حول فلسطيني الداخل ؛فمن الملاحظ أنه على الرغم من مرور أكثر من اربعة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي اليهودي بشكل مطلق، حيث يشكل العرب الفلسطينيون نحو (21) في المائة من إجمالي سكان إسرائيل، ناهيك عن أن العرب أكثرية في منطقة الجليل.
ولكن في مقابل ذلك، وتبعاً لمصادرة جيش الاحتلال الأراضي العربية بذرائع الأمن، فإن الفلسطينيين، وعلى الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليوني عربي فلسطيني خلال العام الجاري 2022، لكنهم لا يملكون سوى (2) في المائة من الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل؛ولهذا ثمة ضغوط إسرائيلية مدروسة كثيفة ومتشعبة على فلسطيني الداخل المحتل، لتحقيق الهدف الديمغرافي، بعد مصادرة المساحة الكبرى من الأرض الفلسطينية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتها، فمعدلات البطالة أكثر بين الفلسطينيين مرتفعة مقارنة بالبطالة بين قوة العمل اليهودية؛ وخيارات الصحة والتعليم بين الفلسطينيين متدنية جدا مقارنة بخيارات اليهودي الإسرائيلي، ونتيجة للتمييز في موازنات التعليم، ارتفعت معدلات الأمية بين العرب إلى أكثر من (12) في المائة في مقابل (5) في المائة بين التجمع اليهودي الاستيطاني؛ هذا جنياً إلى جنب عن محاولات دولة الاحتلال الإخلال بالوضع الديمغرافي لصالح الرؤى الإسرائيلية، وقد وضعت المؤسسة الاسرائيلية الإسرائيلية مخططاتٍ لتهويد الجليل والنقب، لكسر التركز العربي في المنطقتين، عبر مسميات مختلفة، في مقدمتها ما تسمى مشاريع التطوير.
قوانين عنصرية
لم تنحصر سياسات إسرائيل العنصرية بمجال محدد، بل تعدت ذلك لتشمل مناحي الحياة كافة لفلسطيني الداخل ، حيث أصدرت إسرائيل قوانين جائرة لتغيير مناهج التعليم العربية وحذف المواد المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني والإسلامي وإجبار فلسطينيي الداخل على الالتزام بالمناهج الإسرائيلية، فضلاً عن فرض الضرائب الباهظة على الفلسطينيين بنسبة أعلى من نظرائهم اليهود. وتمّ إصدار رزمة من القوانين العنصرية خلال السنوات الأخيرة كان أخطرها قانون القومية.
واللافت أن كافة الحملات الانتخابية رفعت شعارات وخطابات دعت بمجملها إلى تهميش الأقلية العربية في المجالات كافة، وذهبت بعض الشخصيات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك عبر دعوتها إلى طرد الأقلية العربية؛ وفي مقدمتهم الإرهابي أفيغدور ليبرمان؛ ولهذا يجب أن تعمل الأحزاب العربية في الداخل على وحدتها وتغييب الأجندات الخاصة والضيقة؛ ويعتبر ذلك بمثابة خطوه هامة للحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني التي تأكدت وترسخت إبان انتفاضة الأقصى في أيار/ مايو من العام الماضي 2021، والتي شارك فيها بشكل شاسع فلسطينيو الداخل بشكل لافت، والوقت من دم الشعب الفلسطيني والتاريخ لا يرحم.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تفعيل آلية التدمير الذاتي لسلطة رام الله
خطاب لابيد ورهانات عمّان الانتخابية
إلى متى الصمت على اقتحامات المسجد الأقصى؟!