نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفي ستيفن إرلانغر، قال فيه إن فوز زعيمة
اليمين المتطرف والمتشككة في أوروبا، جورجيا ميلوني، في الانتخابات الإيطالية أدى
إلى هزة يوم الاثنين داخل مؤسسة أوروبية قلقة من تحول يميني جديد في أوروبا.
يراقب
قادة الاتحاد الأوروبي الآن الانتصار المريح لائتلافها في إيطاليا، وهي عضو مؤسس في
الاتحاد، بحذر وبعض الخوف، على الرغم من تطمينات ميلوني، التي ستكون أول قومية يمينية
متطرفة تحكم إيطاليا منذ موسوليني، بأنها اعتدلت في وجهات نظرها.
لكن
من الصعب عليهم الهروب من درجة من الرهبة. حتى مع الأخذ في الاعتبار نجاحات الكتلة
في السنوات الأخيرة للاتفاق على صندوق رائد للتعافي من الأوبئة، ولمواجهة العدوان الروسي
في أوكرانيا، فإن جاذبية القوميين والشعبويين لا تزال قوية، وهي آخذة في الانتشار، ما يمثل تهديدا محتملا للمثل الأوروبية وتماسك الاتحاد.
في وقت
سابق من هذا الشهر، أصبح الحزب الديمقراطي السويدي اليميني المتطرف ثاني أكبر حزب في
البلاد والأكبر في ما يُتوقع أن يكون ائتلافا يمينيا.
لقد
أضر التأثير الاقتصادي لفيروس كوفيد والآن الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع الديون الوطنية
والتضخم الصاروخي، بأحزاب الوسط في جميع أنحاء أوروبا. يقول تشارلز كوبتشان، الخبير
الأوروبي في مجلس العلاقات الخارجية، إن أحزاب اليمين المتطرف لم تدفع فقط أحزاب الوسط
إلى اليمين، لكنها أصبحت أيضا "طبيعية"، ولم تعد منبوذة.
وقال: "اتجاه الزخم السياسي يتغير؛ كانت لدينا موجة من الوسطية قبل وأثناء الوباء، لكن
الآن يبدو أن الطاولة السياسية تميل إلى الوراء في اتجاه الشعبويين على اليمين. وهذه
مشكلة كبيرة".
تحت
قيادة رئيس الوزراء التكنوقراطي المنتهية ولايته ماريو دراغي، لعبت إيطاليا دورا مهما
في أوروبا ذات القيادة الضعيفة، سواء في القضايا الاقتصادية الحيوية أو الرد على الغزو
الروسي لأوكرانيا. لكن إيطاليا ابتعدت الآن عن الاتجاه السائد في أوروبا.
من المحتمل
أن تكون إيطاليا بقيادة ميلوني مقيدة بالسيطرة الأوروبية على مليارات اليورو في التمويل
الحاسم. ويقول دبلوماسيون ومحللون إنه في أفضل الأحوال، لن يؤدي ذلك إلى تحطيم الإجماع
الأوروبي، لكنه قد يؤدي إلى تعقيد عملية صنع القرارات السياسة بشكل كبير.
وقال
كوبتشان إنه إذا اختارت ميلوني وشركاؤها في التحالف الوقوف إلى جانب القادة الشعبويين
الآخرين المتشككين في أوروبا داخل الاتحاد الأوروبي، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور
أوربان ورئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيكي، فبإمكانها بالتأكيد أن "تتسبب
بتشويش العمل".
وقال
ستيفانو ستيفانيني، المحلل والدبلوماسي الإيطالي السابق، إن تعاون إيطاليا مع
"أوربان وأمثاله هو كابوس بروكسل. فلأكثر من 10 سنوات، عاش الاتحاد الأوروبي مع
الخوف من أن تغرقه موجة من الشعبوية المشككة في أوروبا. المجر هي ألم، لكن انضمام إيطاليا
إلى المجر وبولندا سيكون تحديا خطيرا لتيار الاتحاد الأوروبي السائد. وستعمل على حشد
أقصى اليمين في البلدان الأخرى".
اقرأ أيضا: زعيمة اليمين المتطرف في إيطاليا تبدأ محادثات لتشكيل الحكومة
وجاءت
أول التهاني الأوروبية لها ليلة الأحد من المجر. قال المدير السياسي لأوربان، بالاز
أوربان، في رسالة على "تويتر": "في هذه الأوقات الصعبة، نحتاج أكثر
من أي وقت مضى إلى أصدقاء يتشاركون في رؤية ونهج مشتركين لمواجهة تحديات أوروبا".
لا تتعلق
مخاوف أوروبا بالسياسة تجاه أوكرانيا. قالت ميلوني إنها تدعم حلف الناتو وأوكرانيا، وليس لديها تعاطف كبير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما أشار إليه شريكاها
الأصغر في التحالف، ماتيو سالفيني وسيلفيو برلسكوني.
ومع
ذلك، قال برلسكوني، الأسبوع الماضي، إن بوتين "دفعه الشعب الروسي وحزبه ووزراؤه
لاختراع هذه العملية الخاصة". وقال إن الخطة كانت أن تدخل القوات الروسية
"في غضون أسبوع لتستبدل بحكومة زيلينسكي حكومة من الناس المحترمين".
يتعاطف
الرأي العام الإيطالي بشكل تقليدي مع موسكو، حيث يذهب حوالي ثلث المقاعد في البرلمان
الجديد إلى الأحزاب ذات الموقف الغامض من روسيا والعقوبات والمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
مع استمرار الحرب، مع كل تكاليفها الاقتصادية المحلية، قد تتخذ ميلوني وجهة نظر أقل
حزما من وجهة نظر دراغي.
يتوقع
كوبتشان أن "يميل ميزان القوى في أوروبا أكثر نحو الدبلوماسية، وأقل قليلا نحو
مواصلة القتال". هذه وجهة نظر أكثر شيوعا لدى اليمين الشعبوي مقارنة بالأحزاب
في التيار الرئيسي، لكن لها أنصار بارزون في ألمانيا وفرنسا أيضا.
قال
مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "هذه الانتخابات هي علامة
أخرى على أن وضع الأحزاب الرئيسية ليس على ما يرام"، وهي فترة معقدة بالنسبة للاتحاد
الأوروبي.
حتى
انتصار أولاف شولتز في ألمانيا قبل عام، وهو رجل يسار الوسط، تم ضمانه بانهيار الديمقراطيين
المسيحيين من يمين الوسط، الذين حققوا أسوأ أداء في تاريخهم، بينما في نيسان/ أبريل،
حصل الجمهوريون في فرنسا (يمين الوسط) الذين هيمنوا لفترة طويلة، على أقل من 5% من
الأصوات.
وقال
ليونارد: "يشعر الناس في بروكسل بقلق بالغ من أن تصبح ميلوني رئيسة وزراء لدولة
في الاتحاد الأوروبي. لقد رأوا كيف يمكن أن يكون أوربان مزعجا من بلد صغير ليس له دور
منهجي في الاتحاد الأوروبي. تقول ميلوني إنها لن تقلب على الفور الإجماع بشأن أوكرانيا،
لكنها يمكن أن تكون قوة لشكل أكثر ضراوة من التشكك الأوروبي في اجتماعات المجلس".
وقال
إنه يمكن لواحد أو اثنين من مثيري الشغب أن يلحقوا ضررا كبيرا بعملية صنع القرار بالاتحاد
الأوروبي، "لكن إذا كان هناك خمسة أو ستة"، فسوف يصبح من الصعب للغاية الحصول
على التماسك أو الإجماع.
عندما
قادت حركة النجوم الخمسة الشعبوية إيطاليا من عام 2018 إلى أوائل عام 2021، قبل دراغي،
قامت بمعارك كبيرة داخل بروكسل حول قضايا الهجرة واللجوء. من المتوقع أن تركز ميلوني
على موضوعات مثل الهجرة، وقضايا الهوية (وهي تحتقر ما تسميه "إيديولوجيا اليقظة
(المعارضة للعنصرية)")، ومستقبل لوائح الاتحاد الأوروبي التي تحكم الديون والانضباط
المالي، لتحل محل ميثاق النمو والاستقرار الذي عفا عليه الزمن.
لكن
المحللين يعتقدون أنها ستختار معاركها بعناية، بالنظر إلى جبل ديون إيطاليا، أكثر
من 150% من الناتج المحلي الإجمالي، والمبالغ الكبيرة التي وعدت بها بروكسل روما كجزء
من صندوق التعافي من كوفيد.
وقال
مجتبى الرحمن، مدير أوروبا لمجموعة أوراسيا، إن المبلغ لهذا العام هو 19 مليار يورو،
أو حوالي 18.4 مليار دولار، أي ما يقرب من 1% من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا،
وهو ما سيصل مجموعه على مدى السنوات القليلة المقبلة إلى حوالي 10.5% من الناتج المحلي
الإجمالي لإيطاليا.
وقال
مجتبى الرحمن: "لقد نفذ دراغي بالفعل إصلاحات صارمة لإرضاء بروكسل، لذلك لا يوجد
سبب لتقوم ميلوني بإفسادها وتحريك السوق". ولكن بالنسبة للمستقبل، هناك مخاوف
من أنها ستضغط من أجل ميزانية توسعية، وقواعد مالية أكثر مرونة، وبالتالي تجعل البلدان
الأكثر اقتصادا في شمال أوروبا أقل استعدادا لتقديم تنازلات.
بالنسبة
لمجتبى الرحمن، فإن الخطر الأكبر بالنسبة لأوروبا هو فقدان النفوذ الذي مارسته إيطاليا
في عهد دراغي، حيث "بدأ هو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إنشاء محور بديل
للتنافس مع فراغ القيادة الآن في ألمانيا، وسيضيع كل ذلك". وقال إن إيطاليا ستنتقل
من بلد يقود إلى بلد تنظر إليه أوروبا بقلق.
كانت
هناك علامة على هذا القلق قبل الانتخابات مباشرة، عندما حذرت أورسولا فون دير لاين،
رئيسة المفوضية الأوروبية، من أن بروكسل لديها "الأدوات" للتعامل مع إيطاليا
إذا سارت الأمور في "اتجاه صعب". وفُسّر ذلك على أنه تلميح إلى أن المفوضية
الأوروبية يمكن أن تقطع الأموال عن إيطاليا إذا اعتبرت أنها تنتهك المعايير الديمقراطية
للكتلة.
وعندما
رأى سالفيني فرصة، أجاب على الفور: "ما هذا، تهديد؟ هذه غطرسة مخزية"، وطلب
من فون دير لاين "احترام التصويت الحر والديمقراطي والسيادي للشعب الإيطالي"،
ومقاومة "التنمر المؤسسي".
وبدلا
من ذلك، حث ستيفانيني، الدبلوماسي السابق، بروكسل على التحلي بالصبر والتعامل مع ميلوني.
وقال: "يجب الحكم على الحكومة الجديدة على أساس الحقائق، وعلى ما تفعله عندما
تكون في السلطة. الخطر الحقيقي هو أنه من خلال المبالغة في رد فعل الاتحاد الأوروبي.
يجعل المخاوف المشروعة نبوءات تحقق ذاتها".
وتابع:
"إذا شعرت بالرفض، فسوف يتم دفعها إلى الزاوية، حيث ستجد أوربان ورفاق الروح الآخرون
في انتظارها، وستتعاون معهم. ولكن إذا تم الترحيب بها كقائدة شرعية ومنتخبة ديمقراطيا،
فسيكون ذلك ممكنا بالنسبة للاتحاد الأوروبي للتعامل معها".
كما
يحث مؤرخ الكتلة، لوك فان ميدلار، على توخي الحذر. وقال إن الزعماء الأوروبيين يعرفون
شيئين عن رؤساء الوزراء الإيطاليين. أولا، "إنهم ليسوا أقوياء جدا في الوطن، والثاني،
أنهم يميلون إلى عدم الاستمرار لفترة طويلة جدا"، منذ الحرب العالمية الثانية،
بمعدل 18 شهرا تقريبا.
قال
فان ميدلار: "لذا سينتظرون ويرون ولن ينجرفوا". ومع ذلك، إذا استمرت لفترة
أطول، يمكنها تنشيط مشككي أوروبا اليمينيين المتطرفين الآخرين في دول كبيرة أخرى مثل
فرنسا، "وهذا من شأنه أن يحدث فرقا حقيقيا".
بوليتيكو: أوروبا تخطط لعقوبات جديدة بعد تهديد بوتين بالنووي
هكذا تناولت الصحف الأوروبية تهديدات بوتين باستخدام النووي
من المستفيد من تفاقم الأوضاع بين أذربيجان وأرمينيا؟