دشن علماء، هيئة عالمية تدعو إلى منع المرأة من العمل وتفريغها لمهمة تربية الأبناء وحماية الأسرة من الهجمات النسوية الداعية إلى هدمها، بمسمى وظيفي أطلقوا عليه "مهندسة الأجيال" بدلا من ربة منزل، وسط جدل بين المشاركين حول تفاصيل هذه الدعوة.
وقال المشرف العام للهيئة، عبد المحسن المطيري، في ختام المؤتمر التأسيسي، الذي عقد يومي الجمعة والسبت بمدينة إسطنبول، إن الهيئة كيان مستقل يهتم بقضايا المرأة والأسرة والطفل، ويسعى إلى نشر الوعي لدور المرأة الأساسي في صناعة الحضارة عبر صناعة الإنسان والسعي إلى تفريغها لهذا الدور العظيم.
وأوصت الهيئة في بياناها الختامي بإطلاق "وثيقة الأسرة" وإرسالها إلى المؤسسات الرسمية للسعي في تطبيقها كبديل عن الوثائق الأممية "الهدامة".
"مهندسة أجيال"
وقال الأمين العام لهيئة "وقار" العالمية، حامد الإدريسي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على هامش فعاليات المؤتمر: "نحن ضد تسمية المرأة التي لا تخرج للعمل باسم ربة منزل، بل هي في وظيفة بمسمى مهندسة أجيال. ودور الرجل أن يوفر لها كل احتياجاتها، ويجعلها تعيش داخل بيتها في حياة هانئة تستطيع من خلالها أن تؤدي هذه الوظيفة".
وأوضح أن هيئة وقار تنطلق من قوله تعالى (وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ)، وتعتبر أن هذا تخفيف عن المرأة ورحمة لها، بعيدا عن تعب ركوب الحافلات، والذهاب إلى العمل بالمصانع وخلافه، وتحرم أطفالها من حنانها، بل وتحرم المجتمع من رحمتها وعاطفتها التي تغرسها المرأة في أبنائها في صورة قيم ومبادئ تنعكس بالإيجاب على سكينة المجتمع، وتساهم في قلة التوتر والجرائم والسلوكيات الخاطئة.
"وقرن" تثير جدلا
وشهدت جلسات المؤتمر التأسيسي لهيئة وقار العالمية جدلا بين المشاركين والمؤسسين حول أهداف الهيئة، وسط اعتراضات من غالبية النساء المشاركات على دعوة الهيئة لبقاء المرأة في منزلها، خاصة في الدول العربية والإسلامية التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة تجبر المرأة على النزول للعمل، مؤكدات أن هذه الدعوة منفصلة عن الواقع الذي تعيشه المرأة في غالبية الدول العربية والإسلامية الفقيرة وغير المستقرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وقالت مديرة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، هبة حسن، في حديث خاص لـ "عربي21"، إنها تلقت دعوة للمشاركة في مؤتمر تأسيسي لهيئة جديدة تهتم بالأسرة وإشكاليتها ضد الهجمة الشرسة عليها، ومناهضة الخطاب النسوي الخارج عن مقاصد الشريعة الإسلامية، أو الخارج عن الأعراف والتقاليد الإسلامية، لكن لدي بعض التحفظات على فلسفة تأسيس الهيئة سواء على مستوى المضمون، أو حتى على مستوى تنظيم المؤتمر الذي وضع حواجز بين الرجل والنساء بقاعة المؤتمر الرئيسية، رغم أن المؤتمر مسجل صوتا وصورة والمصورون من الرجال.
وانتقدت حسن، تركيز الحديث في المؤتمر عن أن مشاكل الأسرة سيتم حلها فقط بالمرأة، عبر تعديل سلوكياتها، وبقائها في البيت، متسائلة: "كيف تتحول كلمة وقار (التي تعني الدعوة للاحتشام والعفة وخلافه) إلى وقرن (التي تعني بقاء المرأة في بيتها)؟".
وأضافت: "لا يعني أن تكون المرأة وقورة أن تبقى في بيتها، ولنا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك، فالسيدة أم عمارة كانت تجاهد مع النبي صلى الله عليه. كما كانت الشفاء طبيبة، والأمثلة كثيرة"، معتبرة أن الظن بأن حل مشاكل الأسرة في بقاء المرأة ببيتها هو تسطيح لمشاكل الأسرة".
"فهم خاطئ"
من جانبه قال مستشار وزير الأوقاف السابق، سلامة عبد القوي، إن الكثير من التيارات والجماعات الإسلامية لديها أزمة كبيرة لدى عدد كبير من رجالها ونسائها على السواء في المفهوم الأسرى، لافتا إلى أن الهجمات الممنهجة لهدم الأسرة المسلمة من قبل أعداء الإسلام يدعمها الفهم الخاطئ لدى بعض الرجال وبعض النساء خاصة داخل بعض الجماعات والتيارات الإسلامية.
وأضاف سلامة، في مداخلة له خلال فعاليات المؤتمر: "هناك بعض النساء داخل بعض الجماعات والتيارات الإسلامية فهمهن أسوأ من فهم نوال السعداوي.. وأصبحت المرأة بهذه الجماعات والتيارات تطالب بما هو أكثر من الحقوق وكله باسم الدين"، موضحا أن "الأمر يتخطى مجرد مطالب فردية ويصل إلى تبني هذه الجماعات والتيارات تلك المطالب، وهو ما يساهم في تعزيز فكرة استقواء المرأة التي تدعو إليها المنظمات النسوية العالمية".
وأكد سلامة أن جهل بعض أبناء الإسلام من رجال ونساء بالمفهوم الأسرى الصحيح أخطر مما تفرضه الكيانات الخارجية لهدم الأسرة المسلمة، مشيرا إلى أن الشرع أعطى حقوقا للمرأة كما أنه أعطى حقوقا للرجل (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
"البحث عن الوسطية"
وفي تعليقه على هذا الجدل، قال عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان المصري، ومستشار وزير الأوقاف السابق، محمد الصغير، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على هامش فعاليات المؤتمر: "على مدار التاريخ سواء في الحركات الفكرية أو الفرق الإسلامية عادة ما يكون لكل فعل ردة فعل".
واعتبر الصغير، أن إنشاء مثل هذه الهيئات يأتي في إطار إحداث التوازن، مع تصاعد موجات الأصوات النسوية حتى ضد الثوابت"، واستطرد مازحا: "نحن نفكر الآن في عمل جمعية للمطالبة بحقوق الرجل".
وأضاف: "كل يوم يظهر صوت جديد يتحدث عن أن المرأة ليست مطالبة بكذا وكذا، وكأن المرأة ليست مطالبة إلا بالانفصال عن أسرتها وعن بيتها وعن زوجها. والغريب أن المرأة تستنكف أن تصنع طعاما لزوجها وأولادها ويرون أن ذلك ليس من عملها، ثم تخرج لتعمل في طائرة أو مطعم أو ناد ولا ترى غضاضة في أن تقدم الطعام مبتسمة لغير زوجها أو أبنائها".
وفي الوقت نفسه، دعا الصغير إلى ضرورة العودة إلى وسطية الإسلام في التعامل مع قضايا المرأة، لافتا إلى أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب البخاري بدأ أولا بالأمير، "الأمير راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية ومسؤوله عن رعيتها"، وهو يعني وجود رعاية ومسؤولية للأطراف الثلاثة.
وتساءل الصغير: "من قال إن المرأة بقيت في بيتها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، مستطردا: "ألم تخرج أم سلمه معه في صلح الحديبية، النبي لم يسافر في حربه بدون نسائه، النبي لم يخرج سفرا بدون نساء، حتى إذا ذهب للحرب أقرع بين نسائه، والسيدة رفيدة كانت أول طبيبة في الإسلام، والمعلمة السيدة عائشة، نصف السنة (النصف الداخلي) مر عن عائشة".
وتابع: "لا يقال إن المرأة فقط تبقى في بيتها، ولكن لا تكون المرأة في كل بيت، وسلعة مباحة في كل مكان.. فقط نبحث عن الوسطية، لا أن يكون الأمر إفراطا في أن تبقى رهينة المحبسين ولا تخرج إلا إلى القبر، لأن هذا خطأ، ولا التفريط في أن تبقى المرأة سلعة مباحة في كل وقت".