يتجه التونسيون لصناديق الاقتراع الاثنين 25 تموز/ يوليو 2022 للمشاركة في الاستفتاء الشعبي حول مشروع دستور جديد طرحه وعدّله رئيس البلاد قيس سعيّد، فيما اختلفت الأصوات المعارضة بين الدعوة للتصويت بـ"لا" وبين المقاطعة.
وحسم أنصار الرئيس سعيّد ومساندو الإجراءات الاستثنائية، المعلنة منذ السنة الماضية، موقفهم بالتصويت بـ"نعم" على مشروع الدستور الجديد، مقابل دعوات كبرى الأحزاب السياسية إلى المقاطعة والتصويت بـ"لا".
والسبت، انطلقت عملية التصويت على مشروع الدستور الجديد في مكاتب الاقتراع بالنسبة لخارج تونس، وسط مشاركة ضعيفة.
وقالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، إن هذه الجولة بدأت في مدينة سيدني الأسترالية، وتمتد لـ3 أيام وهي 23 و24 و25 تموز/ يوليو.
وأوضحت الهيئة أن نهاية عملية الاقتراع في الخارج تكون في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، مؤكدة أن عملية الاستفتاء ستتم في 46 دولة، وستكون غالبية مراكز الاقتراع في السفارات والقنصليات التونسية.
مسار متعثّر
وشهد مسار صياغة مشروع الدستور الجديد تعثرات عديدة، حيث أصدر سعيّد أمرا رئاسيا يقضي بتكليف لجنة، أسماها "لجنة الجمهورية الجديدة" بصياغة مسودة دستور بمساعدات لجان استشارية.
ورغم تسليم اللجنة لمسودة الدستور في الآجال التي حددها الأمر الرئاسي (30 حزيران/ يونيو)، إلا أن الرئيس سعيّد نشر نسخة أخرى مختلفة عن عمل "لجنة الجمهورية الجديدة" ما أثار انتقادات رئيس اللجنة، الصادق بلعيد.
وأدان أستاذ القانون المكلف بالإشراف على صياغة الدستور الجديد المقترح لتونس النسخة النهائية من الدستور الذي سيطرح للاستفتاء، واصفاً إياها بالخطيرة.
وقال بلعيد إن بعض فصول الدستور المقترح قد تفسح المجال لقيام "نظام ديكتاتوري مشين"، معتبرا أن النسخة التي ستطرح للاستفتاء لا تشبه المسودة الأولى التي اقترحتها لجنته.
ولاحقا، نشرت الرئاسة التونسية نسخة معدلة من الدستور المنتظر طرحه للاستفتاء الشعبي في 25 يوليو/تموز الجاري، بعد أن أعلن سعيّد أنه سيتم نشر نسخة جديدة من الدستور بعد تعديل بعض الفصول، منها الفصل الخامس المتعلق بمدنية الدولة، إثر الجدل الكبير الذي خلفته النسخة الأولى.
"لا لمشروع سعيّد"
وقبل صدور نسخة مشروع الدستور، أعلن حزب "آفاق تونس" في بلاغ مشاركته في استفتاء 25 تموز/ يوليو 2022 تحت شعار"لا لمشروع قيس سعيّد".
وبرر الحزب موقفه بأن سياسة المقاعد الشاغرة لن تمنع الرئيس سعيّد من المواصلة في مخططه بل ستساهم في فتح الطريق أمامه، وفق نص البلاغ.
وقال الناطق الرسمي باسم "آفاق تونس"، أنس السلطاني إن تصويت حزبه سيكون بـ"لا" في الاستفتاء، رفضا للمسار وللأداء وللدستور، معتبرا أن حزبه "هو الحزب الوحيد الذي قام بحملة لا".
وعن دعوات أحزاب لمقاطعة الاستفتاء، اعتبر السلطاني في تصريح لـ"عربي21" أن "المسألة لا تتعلق بتسجيل المواقف، بل إن الأمر يتعلق بمستقبل تونس، والجلوس على الربوة والدعوة للمقاطعة هو فتح للأبواب أمام قيس سعيّد على مصاريعها، على عكس المشاركة بلا".
وأضاف: "لو توحدت كل الأطراف المعارضة من خلال التصويت بـ’لا’، فمن الممكن إسقاط مشروع الدستور ووقف حد لتوغل قيس سعيّد، مثلما وقع في إيطاليا منذ أسابيع، حيث لم يقع اعتماد الاستفتاء لعدم بلوغ العتبة الانتخابية بمشاركة 10 ملايين ناخب، من أصل 25 مليون شخص".
وتابع السلطاني: "لو أن القانون في تونس حدّد مسألة العتبة، كانت المقاطعة ستكون هي الحل، لكن اليوم تم تعديل العتبة الانتخابية وسيتم تعديل الدستور".
"رأينا في الحزب أن مصلحة تونس فوق كل اعتبار، إذ يتعلق الأمر بمستقبلنا وبمستقبل الأجيال القادمة، حيث يقود سعيّد البلاد نحو الهاوية"، بحسب أنس السلطاني.
اقرأ أيضا: ECO: دستور سعيد "مشؤوم" ولن يحل مشاكل تونس الملحة
وعن مخاوف الأطراف الداعية إلى مقاطعة الاستفتاء بخصوص إمكانية التزوير، اعتبر السلطاني أن مخاوف التزوير كانت موجودة كذلك في الانتخابات السابقة، قائلا: "صحيح أن سعيّد قام بتعيين أعضاء هيئة الانتخابات وهناك مخالفات قامت بها الأطراف الداعية للتصويت بـ’نعم’، إلا أنه يتوفر الحد الأدنى إلى حد اللحظة الذي يضمن أن يتم الاستفتاء في ظروف بعيدة عن التزوير".
في المقابل، أشار السلطاني إلى أن أفضل وسيلة لمراقبة التجاوزات خلال يوم الاقتراع تتمثل في الملاحظين وممثلي القائمات في مكاتب الاقتراع، وهذا ما قام به "آفاق تونس" بالتنسيق مع أطراف أخرى ستصوت بـ’لا’، على حد تعبيره.
واعتبر السلطاني أن "اختلاف وجهة النظر بين الأطراف المعارضة يعود إلى كثرة الحسابات السياسية المبالغ فيها، فضلا عن الخطاب الممنهج لسعيّد ضد الأحزاب بصفة عامة ونفرة التونسيين من الأحزاب والشعبوية التي يقودها رئيس البلاد".
وعن إمكانية تحالف "آفاق تونس" مع أحزاب أخرى بعد الاستفتاء، قال أنس السلطاني إن التحالفات ينبغي أن تكون الوسيلة لا الهدف، إذا اقتضت المرحلة ذلك، مشيرا إلى أن "الحزب سيواصل النضال ضد منظومة قيس سعيّد، كما سيقدم حلولا اقتصادية واجتماعية، باعتبار أن مسار 25 تموز/ يوليو أدى إلى هذا الوضع".
"مقاطعة المسار"
في المقابل، اعتبر الناشط السياسي وعضو "اللقاء الشبابي الوطني" محمد الغنودي، أن "الاستفتاء جاء بعد إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021، وفي سياق اختلافات وطنية حادة".
وقال الغنودي لـ"عربي21": "رئيس الدولة لم يستشر في ذلك أحدا بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، ولا الأحزاب السياسية، ولا فعاليات المجتمع المدني عموما، وحتى الشخصيات الوطنية التي اعتمدها سعيّد فيما يُعرف بالحوار الوطني أبرزهم الصادق بلعيد عبّروا عن رفضهم لذلك".
وتابع: "السياق الذي جاء فيه الاستفتاء هو سياق فردي، إذ لا يمكننا تبني دستور كتبه شخص بمفرده مهما كان هذا الشخص، ولو تضمن الدستور ما يريده الجميع، لكن المنهج الذي اتبعه سعيّد هو منهج تفردي تسلطي يؤسس لدولة تقوم على الفردانية والدكتاتورية".
وأضاف الغنودي: "هذا الدستور يؤسس لدولة الوظائف، حيث تكون كل المؤسسات في خدمة الفرد، نحن ناضلنا ضد هذا المنهج منذ بدايات الحركة الوطنية بعد الاستقلال وحتى الثورة التونسية، تونس منارة في القوانين وفي الفصل بين السلط، لذلك لا يستطيع أي شخص عاقل حر أن يقبل بهذه المقاربة".
وقال الناشط السياسي: "كل هذه الأسباب جعلتنا في اللقاء الشبابي الوطني، الذي يضم شبابا من مرجعيات مختلفة يمينا ويسارا، ندعو إلى مقاطعة الاستفتاء باعتباره مسارا فرديا يؤسس لديكتاتورية مطلقة".
وأردف: "سعيّد يدعي أن كل هذا المسار نابع من مطالب الشباب، لكننا نريد أن نقول إن الشباب التونسي ليس مع الرئيس، وسيتأكد من ذلك في نتائج الاستفتاء، الذي نقدر أن نسبة المشاركة فيه ستكون ضعيفة جدا".
وعن دعوات المشاركة بـ’لا’ في الاستفتاء، اعتبر عضو "اللقاء الشبابي الوطني" أن "المشاركة في مسار بُني بالأساس على منطق خاطئ هو إقرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتزكية هذا المسار، وكل خطوة في سبيل الانجرار وراء أي مسار أسس له سعيّد هي تزكية لمسار الأخطاء التي تراكمت".
نسبة المشاركة
ويتوقع أن يكون الإقبال على الاستفتاء الدستوري ضعيفا في تونس، بسبب عدة عوامل ومنها انخفاض نسب إقبال الناخبين عموما في انتخابات سابقة، وتراجع نسبة تأييد الرئيس قيس سعيّد، وفقا لاستطلاعات حديثة.
وقررت هيئة الانتخابات اعتماد مبدأ التسجيل الآلي لكل المواطنين، ما رفع العدد إلى أكثر من 9 ملايين ناخب، الأمر الذي سيفتح الباب أمام نسبة مشاركة ضئيلة.
اقرأ أيضا: وسط مخاوف من التزوير.. من سيُراقب استفتاء 25 تموز بتونس؟
ومهّد قيس سعيّد لمشروعه السياسي باستشارة وطنية لم يُشارك فيها سوى 415 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 وما فوق الستين سنة، بما يمثل حوالي 7 بالمئة من عدد الناخبين في آخر انتخابات عامة جرت بالبلاد عام 2019.
وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، 51.97 بالمئة من جملة المسجلين، فيما كانت ذروة المشاركة في الاقتراع هي التي شهدتها الانتخابات التشريعية لسنة 2014، حيث بلغت نسبة الاقتراع 68.36 بالمئة.
وتراجعت نسبة المشاركة في سنة 2019، حيث بلغت 41.7 بالمئة، فيما لم يتغير الوضع كثيرا خلال الانتخابات الرئاسيّة في دورها الأوّل، حيث شهدت إقبال 49 بالمئة من المقترعين، فيما ارتفعت نسبة التصويت لتصل إلى 55 بالمئة، في الدور الثاني الذي حسمه الرئيس الحالي قيس سعيّد ضد رجل الأعمال نبيل القروي.
وسط مخاوف من التزوير.. من سيُراقب استفتاء 25 تموز بتونس؟
هل بإمكان سعيّد تعديل مسودة الدستور المعروض للاستفتاء؟
الحوار بين القوميين والإسلاميين واليسار إلى أين؟