أثار الحشد الجماهيري الكبير الذي
استطاع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حشده في بغداد، الجمعة، تساؤلات عدة حول
الرسائل التي حاول الأخير إيصالها، وذلك بعد نحو شهر من إعلان الكتلة الصدرية (73
مقعدا) الانسحاب من البرلمان.
وشهدت مدينة الصدر في بغداد، الجمعة،
أكبر حشد جماهيري لم يحصل منذ سنوات، ووصف بـ"المليونية" بعدما شارك
فيها مئات الآلاف من أنصار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر قادمين من
مختلف المحافظات، لإقامة صلاة جمعة موحدة تلبية لدعوة الأخير.
جملة شروط
وخلال خطبة "الجمعة الموحدة"
التي ألقاها ممثل الصدر، محمود الجياشي، طرح جملة من الشروط بخصوص تشكيل الحكومة
المقبلة من قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحليفة لإيران، والتي خاطبها بالقول إلى
"من لا نحسن الظن بهم".
وقال الصدر: "إذا أرادوا تشكيل
الحكومة الجديدة فعليهم الالتزام بإخراج من تبقى من القوات المحتلة، وأن يعدوا بأن
تكون حكومتهم المقبلة ليست كسابقاتها، ومحاسبة الفاسدين تحت طائلة قضاء
نزيه".
ودعا الصدر متحدثا عن خصومه السياسيين
من القوى المحسوبة على إيران إلى "ترك التبعية المقيتة". وأكد أنه
"لا يمكن تشكيل حكومة قوية مع وجود مليشيات منفلتة لذا فعليهم التحلي بالشجاعة
وإعلان حل جميع الفصائل وإن عاد المحتل عدنا أجمع".
وشكر الصدر أهالي المناطق المحررة (من
قبضة تنظيم الدولة) ولولا تعاونهم لما حررت الأراضي المغتصبة فلا منة للحشد عليهم،
داعيا إلى إعادة تنظيم الحشد وتنقيته من العناصر غير المنضبطة وإبعاده عن التدخلات
الخارجية وعدم زجه بحروب طائفية وخارجية وإبعاده عن السياسة والتجارة.
وحذر زعيم التيار الصدري من إعادة
تشكيل الحكومة من أشخاص تمت تجربتهم سابقا "حتى لا تعاد المأساة القديمة من
مجازر وصفقات بيع للوطن"، في إشارة إلى رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري
المالكي.
رسائل الصدر
وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي
العراقي غالب الدعمي، لـ"عربي21"، إن "توقيت الصلاة الموحدة كان
طبيعيا جدا لأنها الذكرى السنوية لإقامة والد الصدر أول صلاة جمعة في 18 ذي الحجة
في تسعينيات القرن الماضي، لكنها توافقت مع هذه الأيام التي شهدت انسحاب التيار
الصدري ومحاولة الإطار تشكيل حكومة".
ورأى الدعمي أن "التجمع كان فيه
رسالة كبيرة لأن البعض توقع أن جمهور التيار الصدري تفكك وتشتت، ولأن الحضور كان
أكثر من مليون، فهي رسالة للإطار وكذلك لجمهور التيار، لأن الصدر أظهر قوة التيار
أمام نفسه، وبين لهم أن هذا حجمهم ومكانتكم الحقيقية، وأن لا يهتموا بالانسحاب".
وأضاف: "أيضا كانت فيه رسالة
للدول الإقليمية بأن هذا هو العراق وهذه الجهة التي تحكمه وتؤثر في مسارات الشارع،
لذلك فإن على الجميع التعامل مع الصدر، وألا تجعله يمارس دورا بعيدا عن الدور الحقيقي
الذي يستحقه".
اقرأ أيضا: قبيل قمة جدة.. الكاظمي: العراق ليس ضمن أي محور بالمنطقة
وأشار إلى أن "الرسالة الثالثة
كانت للشركاء، وكذلك رسالة للخصوم مفادها أنه إما أن تطبقوا شروطي أو أنا أبدأ
بحراكي الشعبي ضدكم، لذلك فلابد للإطار التنسيقي من أن يراجع خياراته بشأن رئيس
الوزراء ورئيس الجمهورية وطريقة تشكيل الحكومة وكل هذه ستكون أمامهم بعدما عرف حجم
التيار الصدري".
ورجح الدعمي أن "ما يرضي الصدر
اليوم هو تحديد موعد جديد للانتخابات والتمديد لهذه الحكومة لمدة ستة أشهر، لأن
المفوضية قالت إنها تستطيع إجراء انتخابات خلال مدة ستة أشهر، وليس التأجيل من أجل
الإبقاء على رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي".
وأعرب الخبير العراقي عن اعتقاده بأن
"بعض الشروط التي تخص الفصائل المسلحة لا أعتقد أن الإطار التنسيقي سيطبقها،
رغم أن بمقدرتهم القول إنهم سلموا السلاح للحشد. الفصائل هي ذاتها الحشد، لذلك هذه
الكلمة ليس لها حد معين".
وأكد الدعمي أن "الإطار التنسيقي
يواجه مشكلة أكبر، وهي أنه أعطى على نفسه تعهدات منها رفع قيمة الدينار العراقي
أمام الدولار ولم يفعل، وكذلك تجنب المساس بالقوات الأمريكية. أما اختيار شخصية
رئيس وزراء فيجب أن تكون غير مستفزة للصدر".
ورقة للضغط
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي
العراقي إياد العنبر لـ"عربي21" إن "الصدر أراد تأكيد قوته في
الشارع من خلال تحشيد أتباعه، وكذلك أراد التأكيد أن خروجه من العملية السياسية لا يعني أن تأثيره في الشارع وقوته على
التحشيد المنظم قد خفتت".
ووصف العنبر الحشود التي خرج بها الصدر
بأنها "الورقة التي سيبقى يضغط بها على خصومه التقليديين والفرقاء السياسيين
الآخرين وهذه هي الرسالة الأساسية التي أراد إيصالها".
وأضاف: "أيضا العشرة نقاط التي
تحدث عنها في خطبة الجمعة هي في الأساس رد على خصومه أكثر منها تحديد خارطة طريق
في قضايا كثيرة، وأراد أن يبعث برسائل لشركائه السابقين لتطمينهم بأنه يتماها
تماما مع متطلباتهم".
وأعرب العنبر عن اعتقاده بأن
"تأثير تحرك الصدر هذا من عدمه في تشكيل الحكومة، غير مطروح لدى قوى الإطار
التنسيقي في الوقت الحالي، لأن الأخير لديه خلافات داخلية بشأن عدم اتفاق قياداته
على قضية من يكون رئيسا للوزراء وهذه هي المشكلة الطاغية حاليا".
وتابع: "لدى الإطار التنسيقي فرصة
بعد رسائل الصدر، والتي لم تختلف عن الرسائل السابقة وهو أن يذهبوا باتجاه تسمية
رئيس وزراء، لكن يبدو أن الخلافات بينهم لا تزال عاصفة، وأنهم غير متفقين على
الآليات والشخصيات التي يمكن أن تحظى في الترشيح للمنصب".
ويعجز التيار الصدري والإطار التنسيقي
الشيعي منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة قبل 10 أشهر، عن الاتفاق
على صيغة تخرج البلاد من المأزق السياسي، وتشكيل حكومة، إذ يطالب الأول بحكومة
أغلبية سياسية، فيما يصر الثاني على حكومة توافقية.
وقرر الصدر سحب نوابه من البرلمان في يونيو/ حزيران
الماضي، في خطوة اعتبر أنها تهدف إلى زيادة الضغط على خصومه السياسيين. وبانسحاب
نواب الكتلة الصدرية، بات للإطار التنسيقي العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان
العراقي.
ويضم الإطار التنسيقي كتلا شيعية
أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة
"الفتح" الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران، لكن حتى الآن لم
يتمكن "الإطار" أيضا من الاتفاق على اسم مرشحهم لرئاسة الحكومة.
تسريبات للمالكي ضد الصدر تثير أزمة بالعراق.. هل من تداعيات؟
هل يوقف "التدويل" استهداف منشآت الطاقة في كردستان العراق؟
دعوات لإجراء انتخابات مبكرة بالعراق.. ما إمكانية ذلك؟