تبدو دروس المقاومة الفلسطينية، في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، أو في مدن الضفة التي برزت فيها جنين كعنوان رئيس ونموذج لفضح عجز قديم تعيشه الحالة الفلسطينية وسلطتها، بعد العملية الأخيرة للمقاوم الشهيد رعد حازم في تل أبيب، وكشفت مع سابقاتها من العمليات الفدائية في الأسابيع الأخيرة، عن عجزٍ صهيوني مستمر حتى لو تسلح برواية التطبيع العربي والخضوع الفلسطيني الرسمي للإملاءات الصهيونية، بحيث لا يسمح فيهما ميزان القوى العاجز في مستوياته كلها عربيا وفلسطينيا، النظر للفلسطينيين كقضية وشعب تحت احتلال استيطاني استعماري إلا من زاوية ما تم إنجازه وتفصيله للفلسطينيين في حدود أماني لا تتحقق في شكل التراضي بين المشروع الاستعماري للحركة الصهيونية ومشروع التحرر للشعب الفلسطيني التي حاولت سياسة عربية وفلسطينية الترويج لها مهما كانت النتائج على الأرض.
المسار السياسي الفلسطيني، منذ أوسلو وإلى اليوم، يُعتصر بكلمتين، تنازلات متراكمة، ووفق التقليد الفلسطيني الرسمي المرتبط بجملة من الممهدات التي سهلت عليه التعاطي مع الأوضاع الفلسطينية المنفجرة بين حين وآخر في القدس والضفة وغزة، وداخل الخط الأخضر، إمتصاص غضب الشارع الفلسطيني و محاصرته ومطاردة واعتقال نشطاءه ومقاوميه، والتنديد بأي عملية فدائية تستهدف الاحتلال، ووفق التقليد الإسرائيلي المترجم بعمليات العدوان المستمر وخطط الاستيطان ونهب الأراضي وحصار المدن والتكيل بالأسرى، والتطهير العرقي وعمليات التهويد واقتحام القدس ومخططات تفريغ أحيائها من سكانها، يقع هذا التقليد ضمن الشروط التي قبل فيها الطرف الفلسطيني شروط المواجهة والتنسيق الأمني والعمل بكل الاتفاقات من جانب واحد، والتي حرصت إسرائيل على أن تكرس كل جهودها عليها دون الالتفات لبقية الملفات والجبهات العربية التي أصبحت ضمن دائرة "الأمان الطبيعي للاحتلال".
والتحذير الذي أطلقته حكومة الاحتلال، لغزة، ولمدينة جنين أعقبها اقتحام وعدوان على مرأى ومسمع السلطة الفلسطينية، وإعدام النشطاء فيها، بعد سلسلة العمليات الفدائية الأخيرة، واتصال أبو مازن مع وزير حرب الاحتلال، بيني غانتس، لإدانة مقاومة الفلسطينيين، يستهدف بالأساس الدفع بالسلطة لأن تأخذ دورها المتزعزع في الشارع وتشديد قبضتها الأمنية عليه، ما يؤدي إلى تعميق التناقضات والانقسام على الساحة الفلسطينية، والرسالة الإسرائيلية في يعبد شمال جنين وفي المدينة تتعهد بما يوجب على السلطة الفلسطينية القيام به، والامر الذي يتيح لقبضة الاحتلال تكثيف جهودها لاجتثاث المقاومة من المدينة.
التحذير الذي أطلقته حكومة الاحتلال، لغزة، ولمدينة جنين أعقبها اقتحام وعدوان على مرأى ومسمع السلطة الفلسطينية، وإعدام النشطاء فيها، بعد سلسلة العمليات الفدائية الأخيرة، واتصال أبو مازن مع وزير حرب الاحتلال، بيني غانتس، لإدانة مقاومة الفلسطينيين، يستهدف بالأساس الدفع بالسلطة لأن تأخذ دورها المتزعزع في الشارع وتشديد قبضتها الأمنية عليه،
وإذا كانت المعركة في جنين أو تل أبيب وبئر السبع والقدس والنقب وغزة، قد برهنت على ما لا يحتاج إلى برهان، أن معركة ونضال الشعب الفلسطيني هي ضد عدو استعماري استيطاني، لا يمكن لكل عمليات تزوير وتشويه الحقائق على الأرض أن تغيرها، ولا يمكن لأي اتفاق وتطبيع مع الحركة الصهيونية يهدف لطمس حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتاريخه يمكنه منح الاحتلال وحركته الاستعمارية مزيدا من الطمأنينة والوهم، فإنها تؤكد أيضاً مسؤولية كل القوى الوطنية المناهضة للاحتلال وللسلطة ولعمليات التطبيع، على ضرورة التقدم بكل قوة لخوض هذه المعارك حفاظاً على الأرض والهوية الوطنية، وعلى عروبة القدس وحق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير مصيره بما أنها حقوق ثابتة مؤيدة بقرارات عديدة صدرت عن مؤسسات دولية.
أخيراً، دروس المواجهة في جنين ومنها، وبأي بقعة من بقاع فلسطين التاريخية، خرجت عن النموذج الذي حاولت أن تقدمه سياسة فلسطينية رسمية وعربية تحاول أن تحمل عن الاحتلال بعض الأعباء، وفي هذا المقام يجدر بنا أن نؤكد مجدداً، أن مسؤولية فريق السلطة وسياسة عربية منبطحة نحو التصهين ودولية منافقة، لا تبرر إطلاقاً، ولا تخفف بقدر ما إنها تضاعف مسؤولية القوى والفصائل الفلسطينية بواجب البحث عن أفق جديد وتقديم بديل مقنع وفاعل لا يؤدي في نهاية المطاف إلى تكريس الوقائع الكارثية وتفاقم آثارها، خصوصاً أن الشروط الموضوعية والدولية تتيح أكثر التسلح بأكثر من سلاح، يكفي رفع الصوت في وجه المجتمع الدولي عن النفاق والمحاباة للحركة الاستعمارية الصهيونية، والتعاطي مع الضحايا الفلسطينيين بنفس القدر مع ضحايا الغزو الروسي لأوكرانيا، وإن كانت القضية تعاني من معركتها الكلامية والشعاراتية العربية، فمتى تبدأ القوى الوطنية والفصائل معركتها الفعلية؟ .