التزمت
مصر الحياد في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا حتى الآن، خاصة أن طرفي الأزمة الأساسيين
روسيا وأمريكا ومعها الغرب أحد الداعمين الأساسيين لرئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح
السيسي سياسيا وماديا وعسكريا، ويمثلان شريان البقاء والشرعية الدولية للنظام العسكري
في مصر.
واكتفت
مصر بالإعراب عن قلقها البالغ، في بيان مقتضب قبل يومين، من التطورات المُتلاحقة اتصالًا
بالأوضاع في أوكرانيا، وبذلك تفادى البيان ذكر كلمة "حرب"، حتى لا تغضب الجانب
الروسي الذي تعتمد عليه مصر في شراء القمح والسلاح، وبناء أول مفاعل نووي مصري في شمال
غرب البلاد بقيمة 25 مليار دولار.
وأكد
البيان على "أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها
سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم
تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على
المنطقة والصعيد العالمي".
تراجع
الهيمنة الأمريكية
وحول
دلالة الموقف المصري، يقول السياسي والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، إن "حال
مصر حيال الأزمة الأوكرانية هو نفس حال باقي الأنظمة العربية، حيث التزم الجميع الصمت،
وهي بذلك آثرت الإبقاء على "مسافة أمان" تفصلها عن الفرقاء المتورطين في لعبة
كسر العظام، وعرض العضلات، تاركةً للإعلام وحده مهمة الذهاب في كل الاتجاهات، بالمواقف
والتحليلات".
وأوضح
صابر، في حديثه لـ"عربي21"، وهو عضو سابق في لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان
المصري، أن "الأزمة الأوكرانية عكست حجم التراجع في المكانة الشرق أوسطية للولايات
المتحدة، حتى في أوساط حلفائها التقليديين، وأظهرت في المقابل، حجم "الاختراق"
الذى سجلته علاقات موسكو بدول المنطقة، خلال السنوات العشر الفائتة".
ويرى
البرلماني المصري أن "أمريكا والغرب لم يظهروا الصلابة والقدرة الرادعة الكافية
حيال الغزو الروسي لأوكرانيا، واكتفوا جميعا بفرض عقوبات اقتصادية. ونظام السيسي يضع
في حسبانه ملفات وساحات العمل المشترك مع روسيا، ليست ليبيا، أقلها شأناً".
ويرى
صابر أن "الهدوء" الذى ميز مواقف مصر وباقي عواصم المنطقة وردود فعلها
حيال الأزمة الأوكرانية يكشف عن متغيرين؛ الأول هو نجاح روسيا في نسج علاقات وشبكات
مصالح مع الإقليم، حتى مع أقرب حلفاء واشنطن، حيث لتجارة الأسلحة الروسية دون شك دور
في حسم مواقف الدول العربية، والثاني؛ تراجع ثقل واشنطن ومكانتها في المنطقة، في حين
ملأت روسيا جزئيا الفراغ الأمريكي، وربما ينتظر الجميع بفارغ الصبر ولادة نظام عالمي
جديد، قائم على التعددية القطبية في المرحلة المقبلة".
اقرأ أيضا: دول عربية تخشى نقص القمح بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا
"موقف
من لا حيلة له"
من
جهته، وصف الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي بيان الخارجية
المصرية بأنه "متواضع للغاية، ودون الحدث الجلل، لا سيما أن هناك ما لا يقل عن
6 آلاف طالب يدرسون في الجامعات هناك، ويستغيثون بالخارجية المصرية لإجلائهم، دون جدوى،
وسط موجة نزوح جماعية من العاصمة كييف ومناشدات الطلاب المصريين بإجلائهم قبل قطع الاتصالات
في المدينة".
وأعرب
عن تقديره في تصريحات لـ"عربي21": "أن مصر أخرجت ذلك البيان المتواضع
بسبب مصالحها الممتدة مع روسيا، لا سيما فيما يتعلق باعتمادها الكبير على موسكو في واردات
القمح إلى جانب السلاح، وغيرها من الملفات الإقليمية".
واعتبر
المحلل السياسي أن "الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل حقبة جديدة في العلاقات الدولية
سيكون لها ما بعدها من تداعيات على الصراع بين روسيا والغرب وبنية النظام الدولي بأكمله،
ومن ثم كان يجب على الخارجية المصرية أن تكون أكثر حسمًا في تلك اللحظة الهامة من التاريخ".
"معلقة
من كاحلها"
ويعتقد
الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "النظام المصري يعكس بقوة ضعف الدولة
التي لا تستطيع أخذ زمام المبادرة؛ لأنها كما يقول المثل الشعبي معلقة من كاحلها من كلا
الطرفين، سواء روسيا أو الغرب، فمن ناحية هي أكبر مستورد للقمح والمنتجات الغذائية والسلاح
من الجانبين، كما أن مصر ليس لديها ناقة ولا جمل في الصراع الدائر بين أقطاب القوة في
العالم، لكنها تتأثر بشكل سلبي بسبب ارتفاع أسعار القمح والحبوب والزيوت لمستوى قياسي".
مضيفا
لـ"عربي21": "مصر سوف تخسر من هذه الجولة اقتصاديا حتى الآن، وسوف ترتفع
فاتورة الاستيراد بشكل كبير يؤثر على موازنة الدولة، ما يترتب عليه زيادة الديون الخارجية،
من جهة أخرى بسبب ارتفاع أسعار البترول والقمح والسلع الغذائية، ما سينعكس على أسعار
السلع والطاقة بشكل يمس حياة المصريين".
ورأى
يوسف أنه "بالنظر إلى وضع مصر كدولة من دول العالم الثالث وتعتمد بشكل أساسي على
الطرفين في إمدادها بسلاحها وغذائها ووقودها، فلا تملك إلا مسك العصى من المنتصف؛ انتظارا
لما سوف تسفر عنه الجولة الأولى من الأزمة التي ربما تمتد إلى دول أخرى، وحينها سيكون
الوضع السياسي والاقتصادي أكثر تعقيدا".
هذه المناطق التي طالها الهجوم الروسي في أوكرانيا (خريطة)
خبراء: توليد إثيوبيا للكهرباء من سد النهضة مأزق جديد لمصر
ما تأثير تعليق مشروع "نورد ستريم 2" على روسيا وأوروبا؟