روى المعتقل السابق في سجن غوانتانامو، مُعظّم بيك، شهادة مروعة حول ما وصفها بـ"فظائع التعذيب البشع والمأساوي" التي حدثت خلال فترة اعتقاله، التي امتدت لنحو ثلاث سنوات، والتي أكد أنها كانت أقسى تجربة في حياته.
ونوه إلى أنه "بعد غوانتانامو ليس هناك ما يسمى حياة طبيعية؛ لأن كل شيء يتغير بالنسبة لمن سُجنوا بداخله".
ولفت "بيك"، وهو مواطن بريطاني من أصل باكستاني، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، إلى أن أصعب موقف تعرض له خلال فترة اعتقاله هو قتل الأمريكان للسجناء أمام عيناه، مضيفا: "كان هذا الأمر أكبر صدمة لي، ولم ولن أستطع نسيانه طوال حياتي".
فيما شدّد "بيك"، الذي يشغل حاليا منصب مدير منظمة "كيج" (CAGE)، المتخصصة في الدفاع عن حقوق المسلمين في بريطانيا، على أن الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في حربها على "الإرهاب"، وأنها لم تحقق أهدافها في هذا الصدد، سوى أنها منعت فقط حدوث عمليات "إرهاب كبرى" داخل أراضيها.
وأكد أن هناك مؤسسات أمريكية مثل البنتاغون والـCIA تقف عائقا أمام إغلاق غوانتانامو، خاصة أن هذا السجن يتبع الجيش الأمريكي، كاشفا أن "هناك أماكن بعينها داخل غوانتانامو لا يستطيع أي أحد دخولها، حتى من قِبل الحراس؛ لأنها تخضع لإشراف مباشر من إدارة المخابرات الأمريكية المركزية".
وتهدف منظمة كيج CAGE (مقرها لندن) إلى "تمكين المجتمعات المتأثرة بالحرب على الإرهاب "، وتقول إنها "تسعى جاهدة من أجل عالم خال من القهر والظلم". وتم تأسيسها من أجل زيادة الوعي بمحنة المعتقلين تعسفيا بسجن غوانتانامو، وفي أماكن أخرى.
وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":
لو تُحدثنا بشكل مقتضب عن تجربتك داخل معتقل غوانتانامو؟
في البداية أعرفكم بنفسي: ولدتُ في بريطانيا لأبوين باكستانيين، وسافرت إلى أفغانستان عام 2001 لتأسيس مدرسة لتعليم البنات في عهد طالبان، وعاصرت القصف والاحتلال الأمريكي، ثم انتقلت برفقة عائلتي إلى باكستان، ثم اُعتقلت بعد أشهر قليلة من باكستان، حيث اقتحمت قوة أمنية منزلي، ووضعوا مسدسا على رأسي، ثم ألقوني أرضا، وكبّلوا يداي وقدماي وراء ظهري.
كل ذلك على مرأى ومسمع من أفراد أسرتي وأمام أعين أطفالي، واقتادوني إلى سجن سري يتبع القوات الأمريكية داخل الأراضي الباكستانية، ثم إلى سجن «باغرام» في أفغانستان، وبقيت هناك قرابة العام تقريبا، وهناك رأيت أشياءً كثيرة منها مقتل شخص تحت التعذيب على يد جنود أمريكيين.
ومكثت في سجن «باغرام» في زنزانة انفرادية لمدة طويلة جدا، ثم نقلوني على متن طائرة حربية مع عدد من قادة طالبان إلى سجن غوانتانامو، وهناك احتجزوني في زنزانة انفرادية قرابة العامين، دون أي حقوق، ودون محاكمة، أو توجيه تهمة، أو حتى استجوابي بشأن أي شيء، فقط مجرد أسئلة عن علاقتي بأشخاص بعينهم، وأخبروني بعدم وجود اتهامات مباشرة، وأن سبب اعتقالي فقط هو تقارير للمخابرات البريطانية تفيد بوجود علاقات لي مع الإسلاميين، وليس بتهمة ارتكاب جرائم.
لذلك، أقول إن سجن غوانتانامو لم يكن مكان لقضاء مدة عقوبة، بل مكان لجمع المشتبه بهم من كل أنحاء العالم؛ ومن ثم يسهل الحصول منهم على معلومات بطرق غير قانونية.
هل كانت تلك الفترة هي الأسوأ في حياتك؟
لو بإمكاني مقارنة هذه التجربة بأشياء أخرى حدثت في حياتي مثل وفاة أمي –رحمها الله– حين كان عمري ست سنوات ربما يكون حدث الوفاة أشد صدمة لكوني طفلا، لكن بعد أن صرت رجلا متزوجا وعندي عائلة ولديّ أبناء، فبالتأكيد هي أصعب وأقسى تجربة في حياتي -لا شك في ذلك- وأصعب موقف تعرضتُ له هو قتل الأمريكان للسجناء أمام عيني، فهذه أكبر صدمة، والتي لم أستطع نسيانها طوال حياتي.
ما أصعب موقف تعرضت له خلال فترة اعتقالك في غوانتانامو؟
كما ذكرت أن أصعب موقف تعرضتُ له هو قتل الأمريكان لأحد السجناء أمام عيني، وقد كان يعمل سائقا لسيارة أجرة، ولم يرتكب جرما، وقد برأته المحكمة الأمريكية بعد أن قتلوه.
وقد أخذوا هذا الشخص من نفس الزنزانة التي كنت مُحتجزا بها، وربطوا يديه لأعلى، فوق أحد الأبواب، ثم غطوا رأسه بكيس أسود اللون، وتركوه على هذا الحال لمدة خمسة أيام، لا يُسمح بفك قيوده إلا عند الطعام أو ذهابه لقضاء حاجته، ثم يُعاد إلى ما كان عليه، وفي اليوم الأخير ظلوا يضربوه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ربما هذا أصعب ما رأيت.
وبعد ذلك التحقيقات التي استمرت معي قرابة الشهر، عن طريق المخابرات الأمريكية (CIA) و (FBI)، وفي إحدى المرات جاءوا بصور أولادي وزوجتي وأنا مُقيد اليدين والقدمين، ووضعوها أمامي، وفي نفس اللحظة كنت أسمع صوتا لسيدة تصرخ في زنزانة مجاورة، ووسط هذا الصراخ يسألوني: أين زوجتك الآن؟، أين أولادك الآن؟، وباعتقادك ماذا حدث لهم بعد اعتقالك؟ وما شابه ذلك، كل هذه الأسئلة وما زال صراخ المرأة يتردد في الأرجاء بقوة، حتى ظننت أنهم يعذبون زوجتي، بينما لم تكن زوجتي، لكن كانت هناك امرأة بالفعل.
قلت إن المخابرات الأمريكية هددت بترحيلك إلى مصر أو سوريا ليتم تعذيبك هناك.. لماذا هذين البلدين تحديدا؟ وهل تم ترحيل معتقلين آخرين إلى هناك بالفعل؟
من أوائل المحققين معي في سجن «باغرام» كان مصريا، ويحمل الجنسية الأمريكية، وكان يُهدد المعتقلين وخاصة العرب منهم بالتعذيب في مصر؛ فقد كان السجناء العرب يخشون تعذيب المخابرات في مصر أو سوريا، وحتى الأمريكان أنفسهم كانوا يعرفون مدى بشاعة التعذيب في مصر وسوريا، وهو أمر لا يُقارن بأي مكان آخر، حيث تُستعمل أساليب لا تُستعمل حتى في أمريكا.
وبالفعل أعرف أشخاصا أُرسلوا إلى مصر وسوريا وليبيا فقط للتعذيب، وقد سجل الأمريكان ذلك في تأريخهم لما يسمى "الحرب على الإرهاب" أن الحكومة الأمريكية كانت تتعاون مع الحكومات المصرية والسورية والليبية، وفي السياسة المعلنة كانت تنكر واشنطن تعاونها مع هذه الحكومات في هذا الصدد.
بينما الحقيقة كانت مختلفة تماما، وهناك قضية شهيرة لشخص يدعى محمد عبد العزيز الفاخري المعروف بـ «ابن الشيخ الليبي» الذي أُرسل من «باغرام» إلى مصر ليُعذب هناك، وفي مصر أدلى باعترافات كاذبة بأن «القاعدة» كانت تتعاون مع صدام حسين – الرئيس العراقي الأسبق- للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وقد ثبت كذب هذه الادعاءات فيما بعد، ثم أرسل «ابن الشيخ الليبي» من مصر إلى ليبيا، ثم عُثر عليه عام 2009 مقتولا ومعلقا في زنزانته بعد اعتقاله في سجن أبو سليم.
هل هناك أي اتهامات لا تزال تلاحقك حتى الآن؟
لا؛ فلم تكن هناك أي اتهامات من الأساس، والتحقيقات التي أجريت معي باعتبار أني كنت موجودا في أفغانستان، وربما كانت هناك علاقات مع بعض القادة هناك.
كيف هي حياة المعتقلين السابقين الذين أُطلق سراحهم من سجن غوانتانامو وفق معلوماتك؟
كان هناك معتقلين من 41 دولة في العالم، من دول إسلامية وحتى من دول أوروبية وغيرها؛ فعلى سبيل المثال كان هناك 22 معتقلا من تركستان الشرقية (الإيغور)، والحمد لله أُطلق سراحهم جميعا بعد تبرئتهم، لكن بعد سنوات طويلة جدا، البعض أرسلوا إلى السلفادور، والبعض أٌرسل إلى جزيرة بالو، ومنهم من أُرسل إلى سلوفاكيا وألبانيا، بمعنى فرقوهم على دول عدة.
وهناك معتقلون آخرون أُرسلوا إلى كازخستان، وإلى جورجيا، وإلى السنغال، وبعض السوريين والتونسيين أُرسلوهم إلى أوروغواي، ولو كان هناك مكانا على سطح القمر لأرسلونا إلى هناك، وكأن الأرض ضاقت علينا بما رحبت.
والأدهى من ذلك أن يخرج الرجل من غوانتانامو بريئا، لكن وصمة اعتقاله في غوانتانامو تظل تلاحقه أبد الدهر؛ فعلامات الاستفهام تلاحقه أينما حل وارتحل، والسؤال الدائم: إن لم يكن أدين، فلمَ ظل هذه السنوات في غوانتانامو؟ لذا تجده لا يمتلك أبسط حقوقه كحمل جواز سفر، أو الحق في التعليم، بل ربما حُرم البعض منهم من حقه في الزواج، أو حتى مجرد فتح حسابا بنكيا، بالرغم من ثبوت براءتهم التامة سواء أمام المخابرات الأمريكية أو أجهزة المخابرات في بلدانهم، فلماذا يُعذَبون من جديد بهذه الصورة؟
على المستوى الشخصي، كيف تأثرت بتجربة الاعتقال؟ وهل تعيش اليوم حياة طبيعية أم لا؟
بعد «غوانتانامو» ليس هناك ما يسمى حياة طبيعية؛ فقد تغير كل شيء، وأكثر السجناء الذين يعودون إلى بلدانهم أو إلى بلدان أخرى تراهم لا يظهرون في الإعلام، أو يكتبون، أو يشتركون في أي حملات، ربما يريدون لكن ليس لديهم القدرة أو مقهورين في بلادهم.
أما أنا - فبفضل الله - بريطاني ورجعت إلى المملكة المتحدة، ولدينا حقوق بالمقارنة بالآخرين، ولدي الحق في التعبير والحديث عما كان يحدث في «غوانتانامو»، وقد بدأت حملة من بريطانيا للحديث عن هذا السجن، أمام عدد من الرؤساء والوزراء والمسؤولين حول العالم، ولدي مداخلات في الإعلام للحديث عن «غوانتانامو» وما يتعلق به من قضايا، كقضية الحرب على الإرهاب، وقضية الاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين، وغير ذلك، وأصبحت هذه حياتي، وأنا اخترت هذا الطريق، وهذا من فضل الله عليّ أن أفعل ذلك بكل حرية.
ناشدتم مطلع العام الجاري الرئيس الأمريكي جو بايدن إغلاق معتقل غوانتانامو بوصفه "أزمة ضمير كبيرة".. فكيف تنظرون لموقف إدارة بايدن من هذا المعتقل؟
هذا سؤال مهم جدا؛ فقد قمت بالاشتراك مع 6 آخرين (معتقلين سابقين بغوانتانامو) بمناشدة جو بايدن في رسالة مفتوحة خلال العام الماضي، ورسمنا له خارطة طريق لإغلاق غوانتانامو بسهولة.
ويجب أولا أن نفهم أن «غوانتانامو» هو برنامج أمريكي - سواء كانت الإدارة الأمريكية الحاكمة جمهورية أو ديموقراطية – ببشرة بيضاء أو سوداء؛ فجميع رؤساء أمريكا بداية من بوش الابن، وأوباما، ومرورا بترامب ووصولا لبايدن كلٌ لديه تصوراته الخاصة حول «غوانتانامو»، لكن لم يستطع أحدا منهم أن يغلق هذا المعتقل، فنجد «بوش» الذي افتتحه يصرّح ذات يوم ويقول: أود إغلاق غوانتانامو، وبالفعل خرج في عهده أكثر من خمسمائة سجين، ثم جاء أوباما الذي قال إنه أصدر قرارا بإغلاق «غوانتانامو» بعد عام واحد، لكنه لم يستطع تطبيق هذا القرار، رغم كونه محاميا دستوريا، وحينما جاء ترامب بعد ذلك ليقول: (سيبقى «غوانتانامو» مفتوحا وسأملأه من جديد، وأؤيد فكرة التعذيب) على حد قوله، فكيف تصدر مثل هذه التصريحات من رئيس أمريكي؟، والسبب في ذلك أن أوباما لم يقاضي الأشخاص المتورطين في التعذيب منذ البداية، بينما ناشدنا بايدن بأن أمامك فرصة لفعل ما لم يفعله الرؤساء السابقين.
هل تعتقد أن بايدن لديه موقف مختلف عن سابقيه تجاه هذا المعتقل؟
الرئيس بايدن بدأ عهده بتصريح بأنه يريد إغلاق «غوانتانامو»، لكن ماذا فعل بعد هذا التصريح؟، لم يُخرج سوى شخص واحد يدعى عبدالناصر لطيف المغربي، وذلك بعد مرور عام كامل على توليه للحكم، فهل سيخرج الآخرين؟، فهناك 38 إنسانا ما زالوا مُعتقلين حتى الآن، وثلث هذا الرقم تقريبا برأتهم المحاكم الأمريكية، والبقية يُطلق عليهم «سجناء للأبد» بالرغم من عدم محاكمتهم؛ لعدم وجود أدلة تدينهم، ويعتبرونهم أشخاص «شديدي الخطورة» لا يستطيعون إطلاق سراحهم، وهو ما يطلق عليه «قانون غوانتانامو»، وهناك مَن وجّه لهم تهما مباشرة، لكنهم لم يمثلوا أمام أي محاكمة.
برأيك، ما الذي يمنع الرؤساء الأمريكان من عدم إغلاق هذا السجن حتى الآن؟
بعد أن صنّفت الإدارة الأمريكية معتقلي غوانتانامو خلال فترة جورج بوش بأنهم "أسوء البشر على الإطلاق، وأنهم سفاحون وقتلة"، وغير ذلك من الأوصاف الكاذبة دون أدلة لمدة 20 عاما، ثم تحاول الآن أن يخرج المعتقلين واحدا تلو الآخر، فبماذا ستُبرر ذلك للشعب، عندما يرون أن المتسببين في الهجمات على أمريكا - كما كانوا يزعمون - يطلق سراحهم؟؛ فهم كذبوا على شعبهم ومن الصعب تغيير هذه الفكرة في وقت قصير.
هل تعتقد أن هناك مؤسسات أمريكية مثل البنتاغون أو الـ CIA هي التي تقف عائقا أمام إغلاق هذا المعتقل؟
نعم بالطبع، فمعتقل «غوانتانامو» يتبع الجيش الأمريكي، وقد كان في السابق قاعدة عسكرية لقوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، وأيضا إدارة المخابرات الأمريكية (C.I.A) لها دور كبير في ذلك، ولديهم أماكن بعينها داخل «غوانتانامو» لا يستطيع أي أحد دخولها، حتى من الحراس العاديين داخل السجن، وقد كان هناك فئة من المعتقلين يطلق عليهم "سجين عال القيمة" وكانوا تحت إشراف مباشر من إدارة (C.I.A) ، فبلا شك لديهم دور كبير في ذلك الأمر.
كيف هي أوضاع السجناء الحاليين معتقل غوانتانامو؟
أوضاع السجناء في «غوانتانامو» متغيرة من وقت لآخر؛ ففي البداية كانت الأوضاع صعبة للغاية، لكن الآن وبعد مرور 20 عاما تقريبا ربما نسى العالم أن هناك معتقلين من الأساس، وإن سألت بعض خريجي الجامعات الآن ربما لن تجدهم يعرفون أو يسمعون عن مكان اسمه «غوانتانامو»، فمن المؤكد أن أحوال السجناء الآن تحسنت قليلا؛ فخلال فترة اعتقالي كان هناك معتقلين ظلوا لسنوات في زنازين انفرادية، أما الآن أصحبت جماعية، وهناك وسائل اتصال، حتى نوعية الطعام تغيرت، لكن حتى الآن لا يُسمح لأي شخص بزيارة من عائلته، ولديّ أصدقاء لم يروا أطفالهم في حياتهم أبدا، منهم بريطانيين وعرب ومن بلاد أخرى، وهو أمر مؤسف للغاية، وكأن الإنسانية غابت عن العالم، كيف تمنع إنسانا من أبسط حقوقه، وهي التواصل مع ابنه أو ابنته لأكثر من 20 عاما رغم أنه برئ بنظر القانون.
هل تتفق مع مَن يصفون هذا المعتقل سيئ السمعة بأنه "أكبر وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة"؟
منذ أقل شهرين تقريبا كانت ذكرى مرور 20 عاما على «مذبحة قلعة جنكي» وهي مذبحة لسجناء أفغان وغيرهم قتلوا على يد القوات الأمريكية، وقد بلغ عدد القتلى في تلك المذبحة نحو 5000 قتيل بعدما سلّموا أسلحتهم، ولم ينج من هذه المذبحة سوى 70 رجلا تقريبا، أُرسلوا جميعا إلى غوانتانامو؛ فهذه كانت أكبر مذبحة في تاريخ أمريكا، وهي للأسف لها تاريخ بشع جدا في فيتنام وحتى على الأراضي الأمريكية نفسها خلال الحرب الأهلية، وكذلك الحرب الكورية وغيرها، فكانت «مذبحة قلعة جنكي» أكبر مذبحة.
أنت الآن تقود حملة من أجل إنصاف المعتقلين السابقين في غوانتانامو.. فما الذي حققته هذه الحملة؟
تقوم الحملة على عدة محاور، منها على سبيل المثال توثيق تحقيقات الشرطة حول المخالفات والجرائم التي ارتكبتها عناصر المخابرات البريطانية بالتعاون مع الأمريكان، وقد جلست مع بعض المحققين في القضية، وشرحت لهم جانبا من الجرائم المرتكبة، وقد قام عدد منهم بزيارة ليبيا و«غوانتانامو» لاستكمال التحقيقات، ثم توقفت تلك التحقيقات عند نقطة ما؛ بسبب عدم تعاون السلطات في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى – حسب أقوال المحققين – وكنت أتوقع ذلك من البداية، لكنهم أرادوا فعل ذلك من أجل الإنصاف فقط، لكن الحقيقة أن هناك فئة بعينها لا يستطيع أحد أن يتهمهم بارتكاب جرائم.
ومن المحاور التي عملنا عليها أيضا: تقديم شهادات إلى محكمة العدل الدولية بخصوص الجرائم التي ارتكبتها عناصر الولايات المتحدة كالقتل، والتعذيب الذي رأيته بعيني، لكنهم قالوا نفس الشيء: "الولايات المتحدة لا تتعاون معنا" قلنا: الولايات المتحدة تصرح في وسائل الإعلام "أنها ستلقي القبض على أي شخص توجه له اتهامات من قبل محكمة العدل الدولية، أو ستجمّد أمواله لديها إن كان في دولة أخرى"، لكن رجال المحكمة الدولية قالوها بوضوح: لا نستطيع محاكمة الأمريكان.
كما شاركت في إحدى محاكمات جرائم الحرب التي أُقيمت في ماليزيا، وكنت شاهدا هناك لأحكي ما رأيته في «غوانتانامو»، وفي الأخير صدرت أحكام بحق جورج بوش وتوني بلير، لكنها كانت محاكمات "صورية" أو غير واقعية بمعنى ليس لديها القوة لتنفيذ هذه الأحكام، وبعد محاولات عديدة في بعض البلدان، تأكدت أن هناك مَن هم فوق القانون ولا أحد يمكنه محاسبتهم.
لماذا لم تصدر أحكام قضائية بحق المهتمين في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 حتى الآن؟
لسبب بسيط، لأن المتهمين بالضلوع في التخطيط والتنفيذ لتلك الهجمات عددهم أربعة أو خمسة أشخاص -في مقدمتهم خالد شيخ محمد- كلهم بلا استثناء عُذبوا قبل إرسالهم إلى «غوانتانامو» والآن يريدون محاكمتهم بعد أن اُنتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب، وهو أمر غير قانوني ومخالف للقوانين الدولية، وحتى القانون الأمريكي نفسه؛ فلو أنهم أخذوهم من البداية إلى الولايات المتحدة وحاكموهم بشكل طبيعي لكان الأمر انتهى من زمن، والآن مر على احتجازهم 20 عاما، وشُرع لهم قانون جديد يسمى «قانون الإجراءات العسكرية الخاصة بغوانتانامو»، وكل مَن درس القانون العسكري من الأمريكان يقول: "لا أعرف هذا القانون، وإذا ذهبت إلى المحكمة لا أعرف ماذا أقول أو ماذا أفعل". لذا فالأمر بات أقرب "للتمثيل" أمام الناس، ولا أعتقد أن بإمكانهم محاكمتهم بشكل حقيقي بسبب هذا التعذيب البشع والمأساوي.
إلى أي مدى نجحت الولايات المتحدة في حربها على "الإرهاب"؟
أرى أنها فشلت من الألف إلى الياء، وربما نجحت في شيء واحد هو عدم تكرار الهجمات الكبرى على أراضيها مثل أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وإذا نظرنا إلى الأسباب الحقيقية للهجمات نجدها تتمثل في رغبة قادة تنظيم القاعدة لجر الأمريكان لحرب داخل أفغانستان، ومن ثم هزيمتها كما فعلوا مع الاتحاد السوفيتي، وأكبر دليل على ذلك أن السجناء السابقين الذين رافقتهم داخل غوانتانامو من قادة طالبان وتعرضوا لمثل ما تعرضنا له من تعذيب وغيره عادوا الآن من جديد إلى سدة الحكم في أفغانستان.
ففي عام 2014 أفرجت الولايات المتحدة عن خمسة من القيادات للتفاوض مع الحكومة الأمريكية في قطر، وبدأ الحوار حول كيفية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بعد أن كان مبدأ الأمريكان هو "عدم التحاور مع إرهابيين" وغيرها من التصريحات؛ فذهب كل ذلك أدراج الرياح، وأصبح من الأمور الحتمية الخروج من أفغانستان، والذي لا يتحقق إلا بموافقة طالبان.
وبالطبع، هم لا يعترفون بحكم طالبان، لكن الواقع أن طالبان هي التي تقود أفغانستان الآن، وعادت طالبان لما كانت عليه، بل وأقوى بكثير مما كانت عليه سابقا؛ لأن كل ما تركته أمريكا أصبح في حوزة الحركة.