كتاب عربي 21

"محمد صلاح" لتفريق الجماهير المحتشدة خلف "أبو تريكة"!

1300x600
لا يكفي أن تكون متآمراً لتخدم عدوك، فيكفي لذلك أن تكون عاطلاً عن العمل؛ فالشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء، وأي مفسدة، كما قال أبو العتاهية!

لا أعتقد أن عملية شغل الرأي العام بعيداً عن "محمد أبو تريكة" فعل مدبر من قبل من يرون في تعزيز قيمته خطراً عليهم، إنما هم أسعد الناس بما يحدث الآن؛ من انشغال بالهجوم على اللاعب محمد صلاح لأنه خذل الأمة فلم يعلن حكم الدين في الخمر، رغم الانشغال بعقد المقارنات بينهما من حيث الانتصار للإسلام، الأمر الذي يعتبره المتضرر من هذا الاحتشاد الجماهيري حول أبو تريكة رمية بغير رام. ربما لم يكن في نيته ذلك، لحظة اختيار من ينافس أبو تريكة على النجومية في مجاله للحديث معه، لأننا لو اعتمدنا نظرية المؤامرة فلا بد أن يكون هذا مقصوداً. وقد نجح أهل الحكم في مصر في مهمتهم، فقد انشغل الناس بالهجوم على "صلاح" نصرة للإسلام، وممن ينافسون الجنرال في ادعاء احتكار الله، والذي يكلم الله ويكلمه، ويسأل الله لكي يجيب الجنرال، بينما هم يدعون أنهم ظل الله في الأرض، تعالى الله عما يصفون علواً كبيراً.

اعتماد نظرية المؤامرة في كل شيء سيقود حتماً للجنون، لكن وكما قيل، فليس كل الأمور تجري وفق هذه النظرية، إلا أنه ليس كل شيء يحدث صدفة، فهل كانت مقابلة "عمرو أديب" مع "محمد صلاح" هي الصدفة التي هي خير من ألف ميعاد؟!
اعتماد نظرية المؤامرة في كل شيء سيقود حتماً للجنون، لكن وكما قيل، فليس كل الأمور تجري وفق هذه النظرية، إلا أنه ليس كل شيء يحدث صدفة، فهل كانت مقابلة "عمرو أديب" مع "محمد صلاح" هي الصدفة التي هي خير من ألف ميعاد؟!

لقد انتهز "عمرو أديب" فرصة وجوده في لندن ليحاور محمد صلاح، وقد شاهدته عابراً من هناك يقدم برنامجه، وإذ وجه سؤاله لـ"صلاح" عن مدى تأقلمه مع المعيشة الغربية، ومع إجباره على شرب الخمر لمجاراة طقوس القوم، وقد أجاب بأنه لا يحتسي الخمر لأنه لا رغبة له فيه، وأن أحداً لا يلح على أحد من أجل الشراب، فكانت هي الحرب، وصاح القوم عبر منصات التواصل الاجتماعي: "وا إسلاماه"، لأن "صلاح" لم يقل إنه لا يشرب الخمر لأنه محرم دينياً، ويوشكون أن يطلبوا منه أن يبين آراء الفقهاء الأربعة في ماهية الخمر، وأن يسوق آيات القرآن حولها آية آية، ثم يتولى شرحها، ولا ينسى رأي الفقيه المصري الليث بن سعد الذي ضيعه أتباعه!

وفي ليلة ليلاء، ارتفع صوت الشيخ يوسف البدري وهو يهتف: المصريون ضيعوا الليث بن سعد، المصريون هياف ضيعوا الليث، أضاعوا الليث بن سعد، ثم يكرر ما قال: لقد أضاعوا الليث.. أضاعوا فقيههم الذي قال فيه مالك: لولا الليث بن سعد لهلك مالك. ومع هذا الهتاف وهذه الحسرة التي لا تحتملها مقابلة صحفية، وجدتني أهتف فيه: وماذا في يدي أن أفعل الآن لليث بن سعد؟ هل سنقف بالحوار عند الليث بن سعد نبكيه ونرثيه في هذه الليلة السوداء؟!

وقد وجدتها الآن، فهذه فرصة تاريخية أمام محمد صلاح، وقد أصبح نجماً عالمياً، أن يرد الاعتبار لشيخه وشيخ المصريين الليث بن سعد!

حملة الإبادة:

لم أر في كلام محمد صلاح ما يستحق حملة الإبادة التي قام بها البعض حسبة لله ونصرة للإسلام، ففي جانب منه يأتي عن فطرة سليمة، فلا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به، كما جاء في الحديث الشريف، ولو خلصت النوايا، وهي ليست خالصة، لاعتبر كلامه مؤكدا لما يسعى الدعاة لتأكيده بأن الإسلام دين الفطرة، لكن لأن الغرض مرض، فقد هبت جماعة المسلمين لتندد بهذا الرأي، لأن "صلاح" لم يقل إنه لم يعاقر الخمر لحرمته، وأنه تهرب من فكرة الالتزام الديني!
لو خلصت النوايا، وهي ليست خالصة، لاعتبر كلامه مؤكدا لما يسعى الدعاة لتأكيده بأن الإسلام دين الفطرة، لكن لأن الغرض مرض، فقد هبت جماعة المسلمين لتندد بهذا الرأي، لأن "صلاح" لم يقل إنه لم يعاقر الخمر لحرمته، وأنه تهرب من فكرة الالتزام الديني!

وعلى إثر هذا حدثت المقارنة بين "أبو تريكة" الذي صدع بموقفه من قضية الشذوذ الجنسي، واستدعى حكم الله فيها، ومن منطلق ديني بحت، لكنها مقارنة كانت سطراً محشوراً وسط عبارات كثيرة، أضرت بالاحتشاد حول "أبو تريكة"، وكأنهم الدبة التي قتلت صاحبها!

وبدت المقارنة المفتعلة والمتعسفة كما لو كان النجمان الرياضيان الكبيران يتنافسان في الانتخابات الرئاسية مثلاً. وهي مفتعلة لأنها لم تضع في الاعتبار الفوارق بينهما، وهو خلاف في التوجه، فأحدهما متدين، والآخر شخص عادي مثل كثير من المصريين وإن كان في سلوكه لا يصطدم مع قيم المجتمع المصري الشرقي. وأبو تريكة انتهت علاقته بالملاعب كلاعب، والثاني في أوج نجوميته، والأول يعمل في بيئة اجتماعية محافظة وحتى نجوميته كلاعب محلي في حدود العالم العربي، أما الثاني فقد وصل للعالمية، ويلعب في فريق إنجليزي، وقد لا يحسن الكلام في أحكام الدين، وليس مؤهلا لتداعيات معركة فكرية ليس مؤهلاً لها. وإذا كان أبو تريكة على انحيازاته الدينية وفي الاستشهاد بالنص الديني قد أخطأ، بما مكن جاهلا مثل نشأت الديهي منه، فماذا يمكن أن يكون موقف شخص بسيط الثقافة مثل محمد صلاح، لم يكن في اعتباره وهو ينضم لفريق أجنبي أنه سيعمل بالدعوة، حتى يرضى عنه المتنطعون؟!

ضد الانقلاب:

عندما قرأت صباح أمس أول تعليق اعتراضاً على محمد صلاح، أيقنت أنه الموضوع الجديد الذي سيخطف الأضواء من قضية أبو تريكة، ولولا أن المعلق والمندد بتنكر صلاح لدينه، ولحكم الإسلام في الخمر، من الذين نراهم على صفحاتنا ويُحسبون ضد الانقلاب العسكري، لاستدعينا نظرية المؤامرة، ليكون الأمر كله كذلك، وأن تكون فكرة الحوار مع صلاح أصلاً جزءاً من مخطط لتوجيه الرأي العام بعيداً عن قضية المثليين وبطلها أبو تريكة! وإن كنت مع فكرة إعادة النظر في كثير من الأسماء على منصات التواصل الاجتماعي غير المعروفة لنا في الواقع، وإن ارتبطوا بقضايا الرفض للنظام الحاكم في مصر.
الذباب الإلكتروني الذي يعمل في القاهرة، ويستخدم من قبل عناصر في جماعة الإخوان المسلمين لتشويه من يختلفون معهم وإن كانوا ضد الانقلاب العسكري، تبين أنهم أيضاً عملاء للأمن؛ الذي يتركهم يجهرون بانحيازهم للجماعة وبالرئيس المنتخب

فالذباب الإلكتروني الذي يعمل في القاهرة، ويستخدم من قبل عناصر في جماعة الإخوان المسلمين لتشويه من يختلفون معهم وإن كانوا ضد الانقلاب العسكري، تبين أنهم أيضاً عملاء للأمن؛ الذي يتركهم يجهرون بانحيازهم للجماعة وبالرئيس المنتخب. وقد فوجئ المتابعون ذات صباح باعتقال المحامية الإخوانية المعروفة هدى عبد المنعم، ليتذكروا أن زعيمة هذا الذباب كتبت قبل يوم واحد أن هدى عبد المنعم تجمع التبرعات لأسر المعتقلين والشهداء، وتحذر منها باعتبارها (أي الذبابة) من تمثل الجماعة وهي المختصة بهذا اللون من النشاط، هكذا عياناً بياناً!

وإذ كان كثير من هؤلاء لا نعرفهم، فإن من دخلوا في الحلبة بصدورهم هم حسنو النوايا، وقد اندفعوا دفاعاً عن الإسلام الذي تنكر له محمد صلاح! وكثيرا من قضايا الإلهاء وقنابل الدخان التي يطلقها النظام العسكري في مصر، يساهم هؤلاء في تزكيتها وإشعالها، حتى لم أجد من سبيل في التعامل معها، إلا إعادة إلقائها في وجوه من أطلقوها، فلا يمكن في هذه الجلبة القيام بوظيفة خبراء المفرقعات، بتفكيكها وإبطال مفعولها!

فعندما أراد حكم العسكر أن يحمد بما لم يفعل، وأطلق قنبلة رئيس جامعة دمنهور، وباعتبار أن أجهزته الرقابية تواجه الفساد وتتصيد الفاسدين، كان لا بد من التذكير بأن السيسي هو من عينه في موقعه لدورتين مع وجود ملف فساد سابق له على قرار التعيين.. وهكذا!

الملف السياسي:

لا يوجد لمحمد صلاح ملف سياسي يجعل الانشغال به يصب في تكريس زعامته السياسية، ولذا فهو شخصية صالحة للاستخدام والإلهاء دون خوف، فإذا كان الانشغال به سيفرق الجمع المحتشد حول أبو تريكة، فما رميت إذ رميت!

فالنظام العسكري أخطأ تقدير موقف التعامل مع "حالة أبو تريكة"، فناصبه العداء، وربما لا يستهدف اللاعب السابق ذلك، لكن هذا التعبير عن العداء يصب في خانة الزعامة السياسية لأبو تريكة، فصار هناك من تغريهم فكرة أن يكون بديلاً محتملاً للجنرال، الأمر الذي بدأ يخشاه أهل الحكم فعلاً، لكن لأنهم عسكر يتسمون بالغُشم فلا يعرفون من وسيلة إلا تركيع الخصم. ولنذهب بالمقارنة بعيداً، فلأن نظام مبارك كان له ظل مدني، وقد احتك مبارك نفسه لسنوات طويلة بالمدنيين، فقد تصرف مع أمر مشابه بشكل مختلف!
النظام العسكري أخطأ تقدير موقف التعامل مع "حالة أبو تريكة"، فناصبه العداء، وربما لا يستهدف اللاعب السابق ذلك، لكن هذا التعبير عن العداء يصب في خانة الزعامة السياسية لأبو تريكة، فصار هناك من تغريهم فكرة أن يكون بديلاً محتملاً للجنرال، الأمر الذي بدأ يخشاه أهل الحكم فعلاً

في انتفاضة القضاة، بدا نظام مبارك يريد أن يقطع رقاباً لتكون بمثابة رسالة رأس الذئب الطائر ليرتدع الآخرون، فأحال المجلس الأعلى للقضاء اثنين من زعماء القوم للتحقيق، تمهيداً لفصلهما للخروج على مقتضى الواجب الوظيفي، هما هشام البسطويسي. ومحمود مكي. وبينما الأمر محتدم، وفي يوم جلسة من جلسات المحاكمة بدار القضاء العالي، انتصب أحد السياسيين خطيباً، وقال لو خسرناهما قاضيين فقد فزنا بهما مرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية!

وارتج على أهل الحكم، وكان الدفع في اتجاه طي قضية المحاكمة، وكان اللافت أن رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض هو من رفض، لدرجة أن النظام عندما أرسل وزير العدل وآخرين له في بيته لإقناعه بسحب ملف التحقيق، رفض أن يفتح لهم باب منزله، وبعد مفاوضات طويلة وافق على ذلك!

بيد أن الحاكم بأمره الآن عسكري صرف، فكيف له أن يدير ملفاً سياسياً وهو لا يرى انتصاره إلا في البطش والتنكيل، وهو قادر عليه ما دامت كل أجهزة البطش تأتمر بأمره؟!

والحال كذلك، فهم يدركون المخاطر التي يمكن أن تأتي من شعبية أبو تريكة، لكن الأزمة في التعامل، فالهجوم عليه هو واجب الوقت وكل وقت، دون اهتمام بأنهم يعززون موقفه ويثبتون مكانته السياسية بهذا الهجوم. وإذ صار حديث العالم عن موقفه من الشذوذ، واحتشدت الجماهير حوله، ليس في مصر فقط ولكن في كل العالم العربي، فصرف الأنظار لا يكون إلا باختلاق قضية جديدة، ولو فكروا وقدروا في خطة لذلك ما وجدوا أفضل من عملية ضرب نجم بنجم، وموقف بموقف، وقضية بقضية. والمسلمون الصالحون دائماً في الخدمة!

إن الطريق إلى جهنم الحمراء مفروش بالنوايا الحسنة.

twitter.com/selimazouz1