يختلف يوم التضامن الدولي مع فلسطين، الذي يصادف نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، في ظروفه ومعطياته الحالية عما سبقه في العقود الماضية منذ إقراره من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977 وفق القرار "32/40 ب"، وهو نفس اليوم الذي يصادف صدور قرار تقسيم فلسطين أيضا من الجمعية العامة عام 1947 والذي عرف بالقرار 181.
وفي التجليات الملموسة للتضامن مع فلسطين والمتفاوتة بين حين وآخر، يظهر الحضور القوي الرافض للاحتلال بالتعبير عن التضامن مع ضحايا المشروع الصهيوني بطرق مختلفة، ويحضر التضامن في ساحات وميادين ومنابر دولية، وترفع راية فلسطين كتذكير بالضحايا والتضامن معهم بعد كل جولة عدوان على الأرض.
في أيار/ مايو الماضي وأثناء العدوان الأخيرة على أحياء القدس وغزة ومناطق الداخل الفلسطيني، ارتفع منسوب التضامن الدولي والشعبي مع فلسطين، وارتفع معها منسوب الهجمة الصهيونية على المنظمات والهيئات والحركات الداعمة للحق الفلسطيني من اللوبي الصهيوني، ومن حكومة الاحتلال التي تسن قوانين تجريم هذه الحركات والأصوات الفاضحة لممارساتها وعنصريتها تحت ذرائع "معاداة السامية".
رغم أهمية اليوم الرمزي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تبقى الآمال محصورة ومؤجلة إلى اليوم الذي سيليه من العام القادم للتضامن مع قضية التحرر من الاحتلال ومواجهة العدوان ومشاريع إسرائيل الاستعمارية. في السنوات الأخيرة، تراجع الاستثمار السياسي الفلسطيني والعربي لقضية فلسطين في المحافل الدولية والعربية، وانعكس ذلك بشكل رئيس على فعاليات التضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة تصاعد وتيرة عدوان الاستيطان، وتشديد الحصار والتهويد، مع التبدل الملحوظ عربياً في المواقف من قضية فلسطين بانعطافة للوم الضحايا الفلسطينيين وتصنيفهم بالإرهاب وإنكار حقوقهم لصالح تبني أساطير تلمودية وصهيونية، وتعظيم شعائر هذه الأساطير في مدن عربية بحضور رسمي صهيوني، والانتقال العربي المعلن بالتحالف مع المستعمر الصهيوني، وفتح الحدود والأجواء له وإغلاقها أمام الفلسطيني اللاجئ والمطرود من أرضه، وتوفير بيئة عربية داعمة لأساطير صهيونية، من المغرب العربي إلى المشرق، يمكن وصفها بأنها إحدى جولات الهزائم الكبرى لقضية فلسطين في سياسة عربية منهزمة أمام ذاتها شعوبها.
يخرج يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني من لفظياته العربية إلى أفعاله العكسية، بالتضامن مع حركة استعمارية استيطانية. فلم يعد أمراً محرجا أو مقلقاً لمندوب المؤسسة الاستعمارية الصهيونية التفاخر بإنجازات حركته في عواصم عربية، وتحقيق مكاسب أمنية واقتصادية وسياسية على حساب الضحايا الفلسطينيين، بمشاركة عربية رسمية ظلت تصدع رؤوس الضحايا بتمنينهم بالوقوف إلى جانبهم بشعارات كشفت الأحداث والمواقف القصد من ورائها.
فكل ما ارتبط من تضامن ودعم يتحدث به حلفاء فلسطين في المحافل العربية عن "السلام" والحق الفلسطيني؛ اتضح منه في نهاية الأمر دعم عدوهم المحتل بشكل مباشر أو غير مباشر، والتحالف معه بغية الحفاظ على أنظمة "صمودها"، وبقاؤها ارتبط ببقاء المشروع الصهيوني.
فأنظمة الاستبداد العربي أعادت اللُحمة فيما بينها في مرحلة الثورات المضادة، بالهجوم المدمر على مطالب تتعلق بالحرية والكرامة والمواطنة، وشيطنة أي تضامن حقيقي مع الشعب الفلسطيني؛ بموازاة التحالف مع المشروع الصهيوني بعد سقوط وهزيمة أنظمة "الممانعة والمقاومة" في مغطس دم ضحايا الثورات العربية، وهو ما يعني يعني أيضاً رمي شعار التضامن والتمنين بوجه الضحايا ومنح المحتل سبل تطوير أدواته الاستعمارية.
يكمن التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني في اقتسامه أماني التحرر التي ينشدها شقيقه العربي من ظلم وقهر واستعباد الطاغية العربي، وتلك معان أدركها المتضامنون الأحرار مع فلسطين في القارات الخمس، للتخلص من إرهاب آخر مشروع استعماري على وجه الأرض، كما يدركها ضحايا الاستبداد والطغيان العربي؛ أن أولوية دحرهم للطاغية تعني تضامنا حقيقيا لدعم فلسطين وحمايتها، لكن خسارة الطغاة والمستبدين لقضية التحرر في فلسطين، ومكاسبهم في تبادل الحماية مع المشروع الصهيوني، تزيد من أعباء الضحايا، ولا تهزمهم..
صحيح أن مواجهة إرهاب المشروع الصهيوني تقع على أصحاب الأرض كما يقال، وهي كذلك، لكن تبهيت النضال الفلسطيني، وتنميط أساليب ثورة العربي العربي ضد الطغاة بالإرهاب، هو أقصى حدود الخطر، والمعيار الفاصل لأي تضامن مع قضية فلسطين كان بالالتحام والتضامن مع قضايا التحرر العربي كلها. وتلك كانت من خسائر حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي في زمن الربيع العربي، ولا يمكن فصل أو تجزيء الديمقراطية أو الحرية والمواطنة عندما يتعلق الأمر بشعب رازح تحت الاحتلال وآخر يئن تحت قهر وتدمير الطاغية والجلاد للبلاد والعباد.
ممارسة الحد الأدنى من التضامن مع فلسطين، دون ممارسة الحد الأقصى من التضامن مع الضحايا في ساحات وزنازين ومقابر وحدود عربية تفقد معاني التضامن مضمونها وفعلها، ويجعل من الأفعال العربية باتجاه التحالف مع العدو بالتطبيع بين الطاغية والمستعمر الصهيوني تكبر كل يوم، بينما تتضاءل وتنعدم ألفاظ وشعارات التضامن مع فلسطين حتى لو تضخمت بحجم قدرة صواريخ الحليف الوهمي لفلسطين على "مسح إسرائيل بثوانٍ" أو التفاخر بامتلاكه قوة باطشة للمتضامنين الحقيقيين مع فلسطين على الأرض، ليبقى الكلام لفلسطين، والأفعال لإسرائيل وحلفائها آثار أعمق على الضحايا.
twitter.com/nizar_sahli