قضايا وآراء

تحصين الوجود الإسرائيلي في البيت العربي

1300x600
بالمنطق الواعي والتحليل الدقيق، والدراسة الشاملة لمجمل العلاقة العربية الإسرائيلية - إن صحت تسميتها - من أبو ظبي شرقا حتى الرباط غربا، مروراً بالقاهرة والخرطوم وفرع حفتر في ليبيا، ورسائل دمشق عبر المحتل الروسي لنظيره الإسرائيلي، فنحن أمام مخطط يرتكز على مفهوم المواجهة الشاملة، الذي تخندق فيه النظام الرسمي العربي ضمن معسكر الثورة المضادة ضد الشعوب العربية.

فخطوات أبو ظبي نحو تل أبيب بكل أبعادها وتبعاتها الأمنية والعسكرية والسياسية، مع رسائل الديكتاتوريات العربية في المشرق والمغرب، لا تضيع في متاهات بعيدة ومتناثرة، بل تضع الحقائق بمنتهى الدقة المصحوبة بصلابة الحلف الإسرائيلي مع أنظمة القمع العربي المُطبّعة معه في السر والعلن.

العبر والتجارب تركت بصماتها قوية على السنوات العشر الماضية من عمر الربيع العربي والثورة المضادة، ومن قوتها أصبحت السرية في العلاقة والتحالف مع المحتل جزءا من الماضي، لتصبح عناوين التفاخر العلني والتسابق في ركل التاريخ والتهجم عليه وعلى كل ما يتصل بعنفوان وكرامة الأمة؛ هي الحاضرة في سياسات عربية ومنتديات ومؤتمرات وتصريحات، تقود معظمها لفرض واقع أكثر قسوة ومرارة وألما، وتثقل كاهل الشارع العربي والفلسطيني.

والأخير حين يتناهى لمسمعه أن الشركات العسكرية الإسرائيلية التي تزود جيش العصابات الصهيوني بذخيرتها القاتلة للمنكوبين في فلسطين؛ تفتح فرعاً لها في الإمارات العربية، وتستحوذ على سخاء عربي يُحصن البيئة الاستثمارية للمستعمرين، وينفخ من عضلاتهم أمام الزائر العربي بكثير من الاستحقار والدونية، فذلك تفصيل هامشي لمآلات التغلغل السريع للمؤسسة الصهيونية في الجسد الرسمي العربي.

وعندما تنضب الفرص والحلول لمشاكل عربية، اقتصادية وأمنية وتكنولوجية، ولا تجد حلاً لها سوى في تل أبيب، فهي كارثة حقيقية متبوعة بانحطاط أخلاقي وفكري يستبدل التلمود والأساطير الصهيونية والاحتفاء بها بكل ما يجمع العربي بالعربي من قيم دينية وفكرية وحضارية وتاريخية.

وحين تكون السوق العربية قاعدة لاستهلاك أدوات القمع الإسرائيلي لتلبيتها حاجة المستبدين والطغاة، ومروّج يلمع ذخائر المحتل في وجه أصحاب الأرض والتاريخ، فهذا أيضا تحد بكل عنف وقسوة، وحزن لفقدان حتى شكلانية المواجهة لممارسات المحتل اليومية على الأرض، والتي تثير غضب برلمانات وحكومات ومسؤولين ومثقفين خارج حوزة السياسة الرسمية العربية، في الغرب وفي الولايات المتحدة.

من قسوة هذه الوقائع أن ترى جولات المسؤولين الإسرائيليين المكوكية في عواصم ومدن عربية، بينما أصبح حضور فلسطين فيها ثقيلاً، لـ"فجاجة" العنوان الذي سحق جثث مئات الآلاف في سوريا واليمن والعراق والقاهرة وتونس ولبنان والخرطوم، وباسمها المدوي تم طرق عقول ووجود الملايين الذين يُذكرهم الاسم بهذا العار المخزي لأنظمة عربية تعتقد متوهمة أن التحافها والتحامها بالمشروع الصهيوني ينقذها من ورطتها التاريخية.

التضحيات والآلام والمعاناة للإنسان العربي؛ كانت لمواجهة المؤامرات والخطط الخبيثة التي تحاك له ولأوطانه. التضحيات اليوم مضاعفة؛ لانضمام محور أشد تماسكا وظهورا وعلنية في صف إسرائيل من داخل النظام العربي، الذي يمد بعضه المتبقي جسوره السرية، ووظيفته تجريد العربي من سلاحه ضد الطاغية والمحتل، والذي أصبح سلاحاً مؤثراً في سنوات الربيع العربي، وحقق نجاحاً ملحوظاً على الأقل في تعرية الطاغية العربي بشكلٍ تام.

ولذا، كان تركيز قوى الاستبداد العربي مع المستعمر الصهيوني على تمتين هذا التحالف؛ لسحق الثورات ومحاولة ترويضها بإفراغها من روحية الكفاح بوسمها بـ"الإرهاب"، وعرقلة النهضة العربية بمفهومها المتعلق بكرامة ومواطنة وحرية، ما يعني خضوعا لإرادة المحتل، وهو ما تبدّى في عواصم عربية تشهد تزعزعاً في كرسي الحاكم الذي وجد في مسامير المستعمر الصهيوني إنقاذا لخلخلة عرشه.

أخيراً، تكشفت أهداف النظام العربي المتحمس للعلاقة مع المستعمر الصهيوني؛ إما بالتحالف أو بطلب الرضى بوساطة روسية وأمريكية، وهي لا تختلف كثيرا عما يريده الطرفان أو الوسطاء بهذا الشأن، لتخفيف الأعباء عن كاهل المحتل بتخفيف الضغوط التي فرضتها الثورات عن كاهل الطاغية، وإقناع المتحمسين بصوابية الخطى التي لجأوا إليها لتدعيم بنية الأنظمة المستبدة، من خلال تحصين الوجود الإسرائيلي فوق الأرض العربية بخزائن عربية، وحدود وزنازين عربية، وأجواء عربية قاتلة ومحطمة ومدمرة، تنعش المؤسسة الصهيونية ومشروعها بخلق بيئة عربية خاضغة لتفوق صهيوني لا علاقة له بمؤامرة خارجية؛ بقدر ما أصبح سياسة عربية في صميمها وجوهرها إمساك وتد الخيمة الإسرائيلية وحمايتها من هبوب العاصفة ونذرها بنسف قصر الطاغية ومستعمرة المحتل.

twitter.com/nizar_sahli