نشرت مجلة "فورين بوليسي"
الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن تراجع قوة الولايات المتحدة الدفاعية رغم الميزانية
المرصودة لهذا الغرض، وهو ما يجعلها غير مستعدة لمواجهة القوة الصينية الجامحة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي
ترجمته "عربي21"، إن الأخبار الرئيسية المتعلقة بالأسلحة تصدرت عناوين الصحف
مرتين خلال الأشهر القليلة الماضية. كان أولها يتعلق بترسانة الأسلحة والطائرات الخفيفة
التي خلفها الجيش الأمريكي وراءه في أعقاب انسحابه الكامل والمتسرع من أفغانستان. أما
السبق الصحفي الثاني فقد تحدث عن اتفاقية "أوكوس" التي وقّعتها كل من الولايات
المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة لإنشاء أسطول صغير من الغواصات التي تعمل بالطاقة
النووية لصالح البحرية الأسترالية.
توضح هذه التطورات قطبي الصراع،
وهما مكافحة التمرد والمنافسة بين القوى العظمى. كما تظهر أن الصراع العالمي وشراء
الأسلحة غالبا ما يتبعان نمطا دوريا يقوم على تأرجح القوى العظمى بين هذين القطبين.
وفي ظل تركيزها على آسيا، تقف الولايات المتحدة في منتصف هذه الدورة بالضبط، وهي لم
تحقق خلال العقدين الماضيين أي منفعة من إعطاء الأولوية للتسلح في حرب مكافحة التمرد
عدا زيادة خطر الدخول في مواجهة مع الصين. وعلى أي حال، لا يعد المحيط الهادئ مكانا
لأنظمة مكافحة التمرد قصيرة المدى، كما أن هذه الأسلحة ليست سوى رادع عديم الفائدة
ضد الصين.
ذكرت المجلة أن الأسلحة التي
تركها الجيش الأمريكي في أفغانستان تعد أبرز مثال لما هو مطلوب لإنهاء الصراع. بعبارة
أخرى، تعتبر المركبات العسكرية الخفيفة، وطائرات الهليكوبتر القديمة، وأنظمة الطائرات
التكتيكية غير المؤهلة، وطائرات الهجوم الخفيف، من المعدات الرخيصة نسبيا المستخدمة
في حروب مكافحة التمرد، أو بناء الدولة، أو
الحروب الصغيرة. ولا تمتلك هذه الأسلحة أي تأثير رادع، لأنها تُستخدم ببساطة للقتال،
وبمجرد التخلي عنها تصبح عديمة الفائدة.
على النقيض من ذلك، تمثل غواصات
"أوكوس" القطب الثاني للصراع. فهي مفيدة لردع خصوم مثل الصين ومزودة بقوة
دفع ومدى صواريخ أكبر بكثير، والأهم من ذلك كله أنها تتميز بالاستمرارية. ويتطلب تتبع
الغواصات مهارات عالية، ولا تمتلك بكين خبرة كافية في هذا المجال.
اقرأ أيضا: التلغراف: تايوان تضع استراتيجية حربية وتتحضر لصد غزو الصين
وأشارت المجلة إلى أنه لا حاجة
لاستخدام الغواصات النووية أو حتى الطائرات المقاتلة المتطورة أو الصواريخ الأسرع من
الصوت أو مقاتلات الشبح في القتال ضد طالبان. أما المركبات الصغيرة وطائرات الهليكوبتر
القديمة والمحركات التوربينية التي تم التخلي عنها في أفغانستان ليس لها أي أهمية في
مواجهة القوى العظمى.
بعد الخوض في صراع كبير، مثل
الحروب النابليونية أو الحروب العالمية أو الحرب الباردة، تعتقد العديد من الدول أن
الأعداء الكبار قد هُزموا بشكل دائم وأن مصدر المشكلة قد انتهى. وهم يفترضون أنه بالنظر
إلى الاحتياجات الأمنية العالمية والقيود المفروضة على الموارد، فإن القرارات الدفاعية
يجب أن تركز على مكافحة التمرد. ثم يأتي عدو أكثر خطورة ليثبت أن كل هذه الافتراضات
خاطئة.
تطرقت المجلة إلى العشرين سنة
الماضية من الحرب الأمريكية على الإرهاب. فبعد عقد من تقليص ميزانيات الدفاع في أعقاب
الحرب الباردة، ارتفع الإنفاق الدفاعي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث بلغت الميزانية
الفيدرالية للسنة المالية 2000 حوالي 464 مليار دولار، بينما ارتفعت إلى 820 مليار
دولار بحلول السنة المالية 2011. وظلت الميزانية منذ ذلك الحين مرتفعة نسبيا، وقد زادت
قيمتها عن 700 مليار دولار في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك الميزانية الأولى
لإدارة بايدن.
وأشارت المجلة إلى أن أكبر قدر
من هذه الميزانية أنفق على الحروب في العراق وأفغانستان. ووفقا لمعهد ميتشل لدراسات
الفضاء الجوي، بلغ متوسط ميزانية القوات الجوية بين السنوات المالية 1990 و2003،
24 بالمئة من إجمالي إنفاق وزارة الدفاع الأمريكية. ولكن بعد ارتفاع ميزانية الدفاع،
تغيّرت حصص الميزانية بشكل جذري. فما بين 2004 و2013، نمت حصة الجيش من الميزانية إلى
34 بالمئة، في حين انخفضت ميزانية سلاح الجو إلى 20 بالمئة، وفقد قادة القوات الجوية
الذين حاولوا الحفاظ على تمويل أنظمة القوى العظمى وظائفهم. كما انخفضت حصة البحرية
من الميزانية إلى 26 بالمئة، وتم تخصيص نسبة قليلة جدا من الميزانية للأسلحة الثقيلة
مثل السفن والطائرات.
في ظل انسحاب القوات الأمريكية
من أفغانستان وإلى حد كبير من العراق، تزايد القلق بشأن التهديد الذي تشكله الصين باعتبارها
قوة صاعدة. وفي حين شهدت القوى العظمى سابقا صعود أعداء يضاهونها قوةً مثل بريطانيا
وفرنسا ضد ألمانيا في العقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، فإن الإجماع على الصين
يشير إلى أنها تمثل تهديدا متصاعدا أكثر من كونها سوقا ناشئة. وكما كتب الملياردير
جورج سوروس في مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في آب/ أغسطس، فإن
"العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تتدهور بسرعة وقد تؤدي إلى اندلاع حرب".
ونبّهت المجلة إلى أن الجيش
الأمريكي ليس على أتم الاستعداد لمواجهة خصم محتمل قوي وصاعد مثل الصين. فعلى امتداد
العشرين سنة الماضية، تم إنفاق جزء كبير من الميزانية على المركبات المدرعة الخفيفة
والسترات الواقية وأنظمة الاستطلاع التكتيكية قصيرة المدى وطائرات الهليكوبتر قصيرة
المدى. في المقابل، تم إنفاق جزء قليل من الميزانية على الأدوات الاستراتيجية التي
تضمن التفوق على الأعداء المحتملين.
لعلّ خير مثال على ذلك التقهقر
الذي شهدته القوات الجوية الأمريكية. ففي التسعينات، أنشأت الولايات المتحدة أفضل طائرة
مقاتلة للهيمنة الجوية في العالم من طراز إف-22. وبدلا من شراء 750 طائرة، انتهى الأمر
بإنتاج 187 طائرة فقط، وتسلّمت آخرها في سنة 2012، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى منحها
الأولوية لحروب مكافحة التمرد.
ذكرت المجلة أن متوسط عمر طائرات
القوات الجوية الأمريكية يقارب 30 سنة. وهذا يعني زيادة تكاليف الاستدامة والصيانة
للحفاظ على فعالية الطائرات ومواكبتها للتكنولوجيا الحديثة، فضلا عن تزايد المخاوف
التي تتعلق بالسلامة بسبب تقادم هياكل الطائرات والأنظمة، وبالطبع التكاليف الضخمة
التي تنتظر واشنطن عندما تصبح بحاجة إلى استبدال كل هذه الطائرات القديمة.
خلال الستينات، خصصت الولايات
المتحدة موارد هائلة لمحاربة المتمردين الشيوعيين في فيتنام، حتى عندما أصبحت القوة
السوفيتية تشكل تهديدا وجوديا خطيرا لأوروبا الغربية. وفي غضون ذلك، كانت القوات الأمريكية
في أوروبا متعثرة.
وحتى يومنا هذا، يعتقد البعض
أن السؤال الأكبر حول حرب فيتنام هو كيف كان بوسع الولايات المتحدة أن تفوز لو استخدمت
تقنيات مكافحة تمرد أفضل، وليس كيف استخدمت الولايات المتحدة موارد ضخمة في الفيتنام
عوضًا عن الدفاع عن الحلفاء الغربيين المقربين ضد خصم مباشر. ولو كان الأمريكيون قد
أولوا اهتماما أكبر للموارد المستخدمة، لكان ممكنا تعلم دروس قيمة من حرب الفيتنام
حول المخاطر الاستراتيجية التي يمكن أن تتسبب فيها حروب مكافحة التمرد.
عكست المواقف العسكرية للولايات
المتحدة والمملكة المتحدة نمطا مشابها قبل الحرب العالمية الثانية. فبعد عدة عقود من
إرسال قوات تدخل صغيرة إلى مختلف أنحاء العالم استجابة لحالات طارئة بسيطة نسبيا، كان
صعود ألمانيا واليابان باعتبارهما تهديدا استراتيجيا خطيرا، بمثابة صدمة كبيرة.
ولا يعد الوضع الراهن سوى مثال
آخر لهذه المعضلة. فقد انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان بشكل سيئ وخلفت وراءها
مأساة إنسانية. لكن لا يمكن نفي حقيقة أن قرار إدارتي ترامب وبايدن كان حكيما، وهو
سحب الجيش الأمريكي من الحروب التي لا علاقة لها بمواجهة القوى العظمى أو حتى المخاوف
الجيوسياسية الرئيسية.
في الوقت الراهن، تركز ميزانية
الدفاع على الأنظمة التي تجعل من الولايات المتحدة قوة عظمى. وآخر ميزانية لإدارة ترامب
وأول ميزانية لإدارة بايدن ركزت بشكل أساسي على تمويل البحوث التي ستخلق أسلحة جديدة
عالية التقنية وقاعدة تكنولوجية لإنشاء أنظمة جديدة.
ومن المقرر أن تحصل القوات الجوية
على مقاتلة الهيمنة الجوية من الجيل التالي وقاذفة بي-21. بالإضافة إلى ذلك، ستتم إعادة
رسملة الثالوث النووي، والصواريخ الأرضية والغواصات والطائرات. وسوف تحصل كل قاعدة
تابعة لقدامى المحاربين في الحروب الأجنبية في البلاد على مجموعة مختارة من المركبات
المدرعة الخفيفة والمثالية لمكافحة التمرد.
وفي الختام، أشارت المجلة إلى
أن ميزانية الدفاع القوية مع التأكيد المتجدد على برامج التكنولوجيا الفائقة وغيرها
من الأدوات الاستراتيجية الأخرى، يمثل جزءا من دورة تاريخية. كما أنه يمثل فرصة للولايات
المتحدة للتفكير في هذا النمط الدوري، والتعلم من أخطاء الماضي، ونأمل أن تصب تركيزها
على المصالح الوطنية الجادة طويلة الأجل.
التلغراف: تايوان تضع استراتيجية حربية وتتحضر لصد غزو الصين
بلومبيرغ: بوادر اتفاق جديد لتقاسم السلطة بالسودان
NYT: قادة انقلاب السودان كذبوا على المبعوث الأمريكي