NYT: تنمر الصين يشكل خطرا على العالم وعلى نفسها

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفي توماس فريدمان قال فيه إنه عندما فتح دنغ شياو بينغ الصين على العالم في أواخر السبعينيات، أراد الكثيرون في الغرب رؤية البلاد تنجح، لأننا اعتقدنا أن الصين - على الرغم من هيكلها السياسي الاستبدادي الوحشي - كانت في طريقها إلى اقتصاد ومجتمع أكثر انفتاحا. للأسف، عكس الرئيس شي جين بينغ الخطوات في هذا الاتجاه بطرق يمكن أن تشكل خطرا حقيقيا على التنمية المستقبلية للصين وخطرا حقيقيا على بقية العالم.

وكل ما يفعله شي اليوم يؤدي إلى تآكل الثقة بين رواد الأعمال الصينيين والأجانب بشأن قواعد العمل الحالية داخل الصين، بينما يقوض في الوقت نفسه الثقة في الخارج بأن الصين - بعد أن ابتلعت هونغ كونغ - لن تتحرك قريبا في تايوان، الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة صراع مباشر مع أمريكا.

وتابع فريدمان: "في حين أنني لا أريد أن تنجح استراتيجية شي المتشددة - فهذا من شأنه أن يشكل خطرا على كل دولة واقتصاد حر في المحيط الهادئ - لا أريد أيضا أن تفشل الصين أو تتشظى. ونحن نتحدث عن بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، ستؤثر زعزعة الاستقرار فيه على كل شيء من الهواء الذي تتنفسه إلى تكلفة حذائك إلى سعر الفائدة على الرهن العقاري على منزلك. إنها معضلة حقيقية. للأسف، لا أعتقد أن شي يدرك مدى عدم اليقين الذي أحدثه سلوكه الأخير - داخل الصين وخارجها".

بالنسبة لأولئك الذين لا يتابعون الأحداث، اسمحوا لي أن أوضح من خلال البدء بسؤال: ماذا كنت ستفكر إذا نظرت إلى هذه الصحيفة في عام 2008، بعد عام من إطلاق شركة آبل لجهاز هاتف آيفون، وقرأت عنوانا على الصفحة الأمامية يقول إن ستيف جوبز قد اختفى؟ سيكون هناك الملايين من عمليات البحث على موقع غوغل: "أين ستيف جوبز؟".

حسنا، إذا كان لدى الصين من يعادل ستيف جوبز، فهو جاك ما، المؤسس المشارك لعملاق البيع بالتجزئة على الإنترنت "علي بابا". هل رأى أحد جاك ما في الآونة الأخيرة؟ أضمن لك أن أكثر من عدد قليل من الأشخاص سألوا غوغل هذا العام، "أين جاك ما؟".

اقرأ أيضا: "الرقائق" التايوانية التي تتصارع عليها أمريكا والصين (إنفوغراف)

على الرغم من أن التقارير الإخبارية ذكرت أن جاك ما ظهر على السطح لفترة وجيزة في هونغ كونغ، فقد كان هناك أيضا حديث عن أنه ربما كان تحت نوع من الحبس المنزلي خلال العام الماضي. منذ أن ألقى جاك ما خطابا في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 انتقد المنظمين الماليين في الصين، اتخذ شي إجراءات صارمة ضد إمبراطورية علي بابا العالمية وحظر ما كان يمكن أن يكون طرحا عاما أوليا قياسيا لشركة تابعة كان من المقرر أن يتم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

كان الأمر كما لو أن شي قال: "حسنا.. إذا كان علي أن أختار بين أن تكون شركات علي بابا، وتينسنت، وبايدو، وجميع عمالقة التكنولوجيا الصينية الأخرى، أن تكون شركات عالمية رائدة – بمواردها المالية والمعلوماتية الضخمة، ولكنها تنمو لتخرج عن سيطرة الحزب الشيوعي الصيني –  أو جعلها شركات من الدرجة الثانية تحت سيطرتي، سيقع اختياري على الثاني".

لقد شاهد شي بوضوح كيف أدت شركات التكنولوجيا الغربية إلى تفاقم التوترات الاجتماعية في مجتمعاتها، وتوسيع فجوات الدخل وإنشاء احتكارات يمكن أن تهيمن على الحكومات - ولا يريد أيا من تلك الرأسمالية غير المقيدة للصين. وأنا أفهم ذلك. لكن جعل مؤسسيها يختفون؟ يجب أن يسأل أكثر من عدد قليل من المبتكرين الصينيين الشباب: "ما هو مستقبلي هنا؟ ما هي القواعد الجديدة؟".
القصة الثانية: بعد أن أعربت وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، عن دعمها في نيسان/ أبريل الماضي لإجراء تحقيق مستقل في أصول وباء فيروس كورونا، ردت الصين بخفض وارداتها من الشعير ولحم البقر والنبيذ والفحم الأسترالي. حقا؟ لقد كان رد فعل تنمريا مبالغا فيه كما لاحظ كل جيران الصين في المحيط الهادئ.

بعد ذلك، قبل أسبوعين، أرسلت الصين 150 طائرة تابعة لجيش التحرير الشعبي لاستكشاف المجال الجوي بالقرب من تايوان، وهو مجرد تذكير أخير بأن الصين تعمل بجدية على تمهيد الطريق للاستيلاء على تايوان بالقوة، يجب أن تخافوا.

ولكن يجب على بكين أن تخاف أيضا. لأن سلوك التنمر هذا يمكن أن يكون خطأ كبيرا في التقدير لأسباب عديدة، لكن ليس أي منها أكثر من هذا: أشباه الموصلات.

نعم، هذه الرقائق الصغيرة التي تشكل اللبنات الأساسية للاقتصاد الرقمي للقرن الحادي والعشرين هي الجانب الخفي لهذه الدراما.

تايوان صخرة صلبة في بحر مليء بالأعاصير ويقطنها 24 مليون نسمة. لكن هذه الجزيرة الصغيرة لديها - بإشادة عالمية - الشركة المصنعة للرقائق الدقيقة الأكثر تطورا في العالم، شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، أوTSMC.

على بعد حوالي 100 ميل، عبر المضيق، يقع البر الرئيسي للصين، ويبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة. هم من نفس العرق، ويتحدثون نفس اللغة ويأكلون نفس الطعام مثل شعب تايوان. لكنهم لم يتمكنوا أبدا من إتقان تصنيع أكثر الرقائق المنطقية تقدما التي تصنعها TSMC.

TSMC هي أكبر شركة لتصنيع الرقائق الدقيقة في العالم، وتمتلك حوالي 50% من السوق، على الرغم من أن دان وانج، محلل التكنولوجيا في شركة الأبحاث Gavekal، قال في آذار/ مارس عن حصة TSMC في السوق، "أعتقد أن هذا يقلل من أهمية الشركة، لأن تلك الرقائق هي بعض أكثر الرقائق تقدما".

في الواقع، لدى TSMC ومنافستها الكورية الجنوبية Samsung المسابك الوحيدة في العالم القادرة على صنع رقائق 5 نانومتر الأكثر تقدما، ومن المتوقع أن تبدأ TSMC من الجيل التالي من رقائق 3 نانومتر في عام 2022. أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، ليست قريبة من ذلك. إنها تتنافس بشكل أساسي عند 28 نانومتر وبدأت للتو في إنتاج بعض الرقائق التي يبلغ قطرها 14 نانومتر.

لقد أمضيت مؤخرا وقتا في وادي السيليكون أسأل مصممي الرقائق الأمريكيين عن سر شركة TSMC الذي لا تستطيع الصين تقليده. وكانت إجابتهم القصيرة: الثقة.

TSMC هو مسبك لأشباه الموصلات، مما يعني أنه يبني الرقائق التي تصممها العديد من الشركات المختلفة - لا سيما Apple  وQualcomm وNvidia وAMD وحتى Intel. على مر السنين، أنشأت TSMC نظاما بيئيا رائعا من الشركاء الموثوق بهم الذين يشاركون ملكيتهم الفكرية مع TSMC لبناء رقائق الملكية الخاصة بهم. في الوقت نفسه، تسعد شركات الأدوات الرائدة - مثل Applied Materials  الأمريكية وASML الهولندية - ببيع أفضل أدواتها لصنع الرقائق إلى TSMC. هذا يضمن أن الشركة دائما في طليعة علم المواد والطباعة الحجرية التي تدخل في بناء وحفر قاعدة كل أشباه الموصلات.

ونظرا لكونها المورد الرئيسي للرقائق لمنتجات Apple، يتم دفع TSMC باستمرار لتجاوز حدود الابتكار لاستيعاب دورات منتجات Apple المستمرة والقصيرة للهواتف الجديدة وأجهزة iPad. إنه يفرض على نظام  TSMC  البيئي بأكمله أن يصبح أفضل وأفضل بشكل أسرع. لذلك تستمر تكاليف TSMC في الانخفاض، وتستمر قيمة نظامها البيئي في الارتفاع، ويتزايد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الانضمام إليها والاستفادة منها على نطاق أوسع.

أوضح ستيف بلانك، مبتكر في مجال أشباه الموصلات، الذي يدير دورة في جامعة ستانفورد حول الجغرافيا السياسية للتقنيات المتقدمة: "لقد تصرفت TSMC دائما كشركة ناشئة - كانت مدفوعة - وكانت دائما تصنع أفضل ما لدى الجميع". أضاف بلانك، أن شركة إنتل، الشركة الرائدة في صناعة الرقائق في أمريكا، ضلت طريقها نوعا ما، حيث صنعت كل شيء بمفردها ولاستخدامها. "لذلك لم يكن لديها عملاء يدفعونها، لأن إنتل كانت زبونها الخاص، ونتيجة لذلك أصبحت راضية". بدأ بات غيلسنجر، المدير التنفيذي الجديد لشركة إنتل، في عكس ذلك.

كنت أقلق من أن فكرة شي الكبيرة - "صنع في الصين 2025"، خطته للسيطرة على جميع تقنيات القرن الحادي والعشرين الجديدة - ستترك الغرب في آخر الركب. لكني أقلق قليلا الآن. لدي احترام كبير لبراعة الصين في التصنيع. لا تزال صناعة الرقائق المحلية لديها جيدة بما يكفي للقيام بالكثير من الابتكارات الجادة والحوسبة الفائقة والتعلم الآلي.

لكن أهم شيء تتعلمه من دراسة صناعة الرقائق هو أن جميع تقنياتها الأكثر تقدما اليوم معقدة للغاية - تتطلب الكثير من المدخلات والمعدات فائقة التطور - بحيث لا يمتلك أي شخص الأفضل من كل فئة، لذا فأنت بحاجة إلى الكثير من الشركاء الموثوقين.

وإذا اعتقدت الصين أنها تستطيع الالتفاف على ذلك من خلال الاستيلاء على تايوان لمجرد الحصول على TSMC، فسيكون هذا تحركا أحمق. العديد من الآلات والمواد الكيميائية الرئيسية التي تستخدمها TSMC لصنع الرقائق هي من أمريكا والاتحاد الأوروبي، وسيتم إغلاق هذا التدفق على الفور.

كلا، لا يمكنك صنع أفضل الرقائق في العالم اليوم بدون السيليكون أو الشركاء الموثوق بهم. وكل ما يفعله شي - من أستراليا إلى تايوان إلى جاك ما - يدفعهم بعيدا. كما قال لي أحد المسؤولين التنفيذيين في الرقائق الأمريكية عن شي، "الصينيون قاموا بالتكرار والتقليد،" لكنهم لم يخلقوا أبدا نوع البيئة التي حققتها شركة  TSMC، "لأنه لا توجد ثقة".