ارتفعت
حدة التوتر بين إيران وأذربيجان خلال الأيام الماضية على خلفية عدد من القضايا المختلف
عليها بين الطرفين، أهمها المشاكل المتعلقة بمرور الشاحنات الإيرانية إلى العاصمة الأرمينية
يريفان.
وبدأ
التصعيد بين البلدين بفرض حكومة باكو تعريفات جمركية مرتفعة على الشاحنات التي تنقل
الوقود الإيراني إلى مدينة ستيبانكيرت عاصمة جمهورية قره باغ المعلنة من جانب واحد
والمدعومة من أرمينيا.
ووفقا
لتقرير نشره موقع الجزيرة، فإن طريق النقل "زنغه زور" الذي اتفقت باكو
وبريفان على إنشائه ويربط بين منطقة "نخجوان" وأذربيجان عبر أراضي أرمينيا
على حدود إيران، يعتبر أحد أهم أسباب الخلاف الأذري الإيراني.
وقد
يؤدي تنفيذ أذربيجان لهذا الطريق إلى قطع الاتصال الحدودي بين إيران وأرمينيا، ما يؤدي إلى قطع إحدى طرق المواصلات بين إيران وأوروبا، ومع وجود هذا الطريق فإنه لن تعود هناك
حاجة لاستخدام الأراضي الإيرانية لربط منطقة نخجوان بالدولة الرئيسية لأذربيجان.
ولمحت
إيران إلى أن أحد أهم أسباب خلافها مع أذربيجان هو علاقة الأخيرة بإسرائيل حيث شددت
على أنها لن تتسامح مع "تواجد إسرائيلي" عند حدودها.
وأعربت طهران في هذه الظروف عن قلقها إزاء نقل عناصر لتنظيم الدولة إلى منطقة نزاع قره
باغ، وأجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق عند حدود أذربيجان.
مخاوف
البلدين
في مقابل
المخاوف الإيرانية من تأثير بعض الإجراءات الأذرية على تواصلها البري والتجاري مع أرمينيا
ثم أوروبا، وأيضا من علاقة باكو بتل أبيب، فإن هناك مخاوف أذرية من سعي طهران لدعم أرمينيا
وفقا للخبير الأذري روفيز حافظ أوغلو.
وقال
رئيس مكتب المشاريع الخارجية في وكالة ترند، روفيز حافظ أوغلو، إن "الأذريين
يعلمون جيدا أن إيران تستخدم المذهب الجعفري لتوسيع الفكر الإيراني الفارسي لكي تسيطر
على المنطقة، ورأينا هذا الأمر في اليمن وسوريا والعراق وأفغانستان وكيف أثر على أوضاع
شعوب هذه الدول حتى أصبحت حالتها مؤلمة".
وتابع
روفيز في حديث لـ"عربي21": "بالتالي فإن إيران كانت تعتقد أنها تستطيع تحويل
أذربيجان إلى لبنان ثانية مع كل الاحترام للشعب اللبناني وأن تتحول إلى حديقة خلفية لها
لكنها لم تستطع ذلك".
وأشار
إلى أن مخاوف أذربيجان زادت أيضا "مع ظهور قوات تسمي نفسها ’الحسينيين أو الزينبيين‘
في أذربيجان، وذلك بعد الحرب الأخيرة بين باكو ويريفان، وصحيح أننا نقول إن هذه المجموعات
لن تسبب مشكلة كبيرة لأذربيجان، لكننا نعتبر أن إيران يمكن أن تستفيد من هذه القوات
الإيرانية في أذربيجان كجيوب لها في البلاد".
من جهته،
أوضح المحلل السياسي الإيراني عماد آبشناس أن هناك عدة أمور تثير مخاوف إيران، منها
مثلا "التعاون الأذري-الإسرائيلي والوجود الإسرائيلي في أذربيجان، كذلك وجود بعض
المقاتلين الذين ينتمون إلى داعش وجبهة النصرة ومقاتلين من منظمة مجاهدي خلق في أذربيجان".
وأشار
آبشناس خلال حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "هؤلاء المقاتلين تم إسكانهم
في مناطق قريبة من الحدود الإيرانية، وهم يشكلون تهديدا لإيران، وكانت هناك عمليات
إرهابية عديدة ضد إيران قامت بها طائرات مسيرة انطلقت من أذربيجان، كما أن عملية سرقة
الملفات النووية من إيران والتي قامت بها إسرائيل تمت عبر باكو.. بالتالي فإن هناك تعاونا
أمنيا مع إسرائيل، وهذا الأمر يثير مخاوف وانزعاج إيران لأن جارتها تتعاون اليوم مع عدوتها
عبر فتح الحدود لإسرائيل".
ولفت
إلى أن من أهم مخاوف إيران أيضا "قطع الأذريين الطريق على الشاحنات الإيرانية
منذ مدة، وهذا الأمر يعكس نية أذربيجان إيجاد نوع من الضغط على طهران ووقف الاتصال
بين إيران وأوروبا، خاصة أن هذه الطريق تمتد من إيران ثم أرمينيا وجورجيا وروسيا وصولا
إلى أوروبا".
الخلاف
إلى أين.. وخيارات الطرفين
ومع
تصاعد التوتر بين البلدين وتنامي الخلافات بينهما، يبقى السؤال: إلى أين ستصل هذه الأزمة؟
وهل يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب بينهما؟ ومن هي الدول الإقليمية المعنية بالأمر، وما
تأثيرها على الخلاف القائم بين البلدين؟
أوضح
رئيس تحرير وكالة "أوكرانيا برس" صفوان جولاق، أن "الدول المؤثرة أو
المعنية هي روسيا من جهة وتركيا من جهة أخرى، في حين أن أرمينيا لا تأثير لها، حيث تعتبر
موسكو أقرب إلى طهران من أنقرة على الرغم من أن هناك عاملا مشتركا وجامعا بين تركيا وإيران،
وهو الدين، وأنقرة معنية بوجود قوة لها ليس فقط على المستوى العسكري بل أيضا على المستوى
الاجتماعي والسياسي مع أذربيجان، وربما تسعى في هذا الإطار إلى إعادة أمجادها كي تكون بالتالي داعمة لأذربيجان".
وحول
إمكانية تحول الخلاف إلى حرب عسكرية شاملة، عبّر جولاق خلال حديثه لـ"عربي21"،
عن اعتقاده بأن "الخلاف لن يتطور إلى حد المواجهة العسكرية، فالمواجهة بين البلدين
تعني بالضرورة أن العلاقات سوف تسوء بين طهران وأنقرة ولا أعتقد أن هذا الأمر من مصلحة
الطرفين في الوقت الحالي".
وأضاف:
"كذلك فإن الطرفين غير معنيين بفتح جبهات جديدة، فأذربيجان خرجت منذ فترة قصيرة من
معركة إقليم قره باغ، وبالتالي هي ليست معنية بفتح جبهة جديدة سواء على المستوى السياسي
أو العسكري، بالمقابل فإن إيران أيضا منهمكة في صراعات عدة سواء في سوريا أو اليمن وهي
بالتالي ليست معنية بفتح جبهة مع أذربيجان، أضف إلى ذلك العنصر المذهبي الشيعي الجامع
بين إيران وأذربيجان.. وإذا كانت طهران تريد الحرب مع باكو فإن ذلك سيؤدي بشكل تلقائي إلى إساءة العلاقة مع تركيا".
وحول
إمكانية تأجيج الاختلاف القومي وعلاقة باكو مع إسرائيل، قال جولاق: "لو
أتينا على علاقة باكو مع تل أبيب وهي فتيل الأزمة الحالية، فإن هذا السؤال سيكون محط شك
كبير، فمثلا تركيا كانت على علاقة مع إسرائيل، ومع ذلك علاقتها مع إيران نوعا ما مستقرة،
كذلك فإن هناك كثيرا من الحديث يدور عن أن النظام السوري هو حامي حمى إسرائيل وفي نفس الوقت
هو مدعوم من إيران، وبالتالي فإن الموضوع يكتنفه الكثير من الشبهات، أيضا لم نسمع من قبل
عن علاقة قوية تربط باكو بتل أبيب، لذلك فإن الحديث عن أن هذا الأمر هو أساس لخلاف كبير
بين البلدين هو غير منطقي وغير معقول".
من جهته
لفت الخبير الأذري روفيز حافظ أوغلو إلى أن "الخيارات الأذرية هي أولا فتح
قناة حوار مع إيران حيث لا خيار إلا الحوار الدبلوماسي المباشر مع إيران، فمهما كانت
السياسة الإيرانية سيئة فإنه لا بد من فعل ذلك لأن بدونه لن نصل إلى أي نتيجة".
وأكد
أنه "رغم كل هذه المشاكل بين الطرفين والتي حدثت على الحدود فإنها لن تتحول الأزمة إلى عمل
عسكري في المنطقة، ولن تتدخل إيران عسكريا على الرغم من بياناتها شديدة اللهجة الموجهة
ضد أذربيجان، ولكن ما حصل في السنة الأخيرة في المنطقة هو خسارة السياسة الإيرانية الخارجية،
حيث فقدت طهران تركيا وأذربيجان".
وأضاف
مستدركا بالقول: "لكن لا سمح الله في حال حصول أي تدخل عسكري إيراني في الأراضي
الأذرية سيكون الرد شديدا جدا، وصحيح أن إيران قوة كبيرة ولكن لا يعني هذا أن
أذربيجان دولة ضعيفة وأن طهران تستطيع فعل ما تريده في الميدان، فنحن دولة مستقلة ولدينا
قوة كبيرة ولنا الحق في بناء أي علاقة مع أي دولة سواء كانت إسرائيل أو غيرها".
وحول
حديث إيران عن وجود إسرائيلي على حدودها مع أذربيجان قال روفيز: "أين هم؟ أعطونا
برهانكم إن كنتم صادقين. أين هؤلاء؟ لا يوجد أي دليل على هذا الوجود، ونحن أيضا في أذربيجان
لا نخفي علاقتنا مع إسرائيل ونقول نعم، لنا علاقة معها وهي علاقة قوية وموجودة ونطورها".
وتابع:
"إيران تتهمنا بأننا صهاينة أو دولة صهيونية في القوقاز، لكن أين كانت طهران
لما كان الأرمن يربون الخنازير في مساجد أذربيجان؟ ولماذا هذه المناورات العسكرية لم
تكن تجري حينما كان الأرمن يحتلون الأراضي الأذرية؟ ولماذا كانت الشاحنات الإيرانية
تنقل الأسلحة لأرمينيا؟ لأن إيران برأيي الشخصي ليس لها علاقة بالإسلام والدين".
ولفت
إلى أن "إيران قلقة من الوجود التركي في المنطقة، وهي حينما تتكلم عن الوجود الإسرائيلي
في أذربيجان فإنها تقصد تركيا، لأنه من المستحيل وجود جيش إسرائيلي بسبب وجود قوات حفظ السلام
الروسية-التركية في المنطقة، بالتالي فإن من المستحيل أن تدخل أي قوة صهيونية إسرائيلية
هناك".
من ناحيته،
أوضح المحلل السياسي الإيراني عماد آبشناس، أن "كل الاحتمالات اليوم مطروحة على
الطاولة، بمعنى أنه إذا ما استمرت أذربيجان بتصعيدها فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى حرب
أو تدخل عسكري من قبل إيران وقيامها بفتح طريقها إلى أوروبا بالقوة".
وتابع
مستدركا بالقول: "لكنني أتصور أن الكبار داخل البلدين ودول الجوار والذين لديهم
دراية أكثر لن يفسحوا المجال لنشوب الحرب، لربما يتم حل المشكلة عبر الخيار السياسي،
فمثلا حينما يتكلم لافروف عن تشكيل مجموعة 3+3 بحضور إيران وروسيا وتركيا، فإن هذا يعني
أن هناك إرادة إقليمية لحل هذه الأزمة وأنها لا تؤدي المشاكل بين أذربيجان وأرمينيا إلى خلق مشاكل لدول الجوار".
وعبر
آبشناس عن تصوره أن "الخيارات السياسية بدأت تظهر على الطاولة، مع أن أذربيجان ما زالت تعتقد بأن إسرائيل سوف تدعمها في أي معركة ضد إيران، ولكن الجميع يعلمون ما
هو مدى دعم إسرائيل لحلفائها في المنطقة وأيضا ما هو مدى الدعم الإيراني لحلفاء طهران
في المنطقة، بالتالي فأنا لا أتصور أن الإسرائيلي سوف يحارب من أجل الأذري".
الموقف
التركي
وحول
ما إذا طلبت طهران وساطة تركية، قال آبشناس: "للأسف أن الموقف التركي هنا غير جيد،
فإنه نوعا ما لدى تركيا مصالح في قطع الطريق على إيران، وهي تحاول تحريض باكو على طهران،
وللأسف فإن هذا الموقف موجود، بالمقابل هناك وساطة روسية في هذه الأزمة ونعلم جيدا أن
لروسيا تأثيرا على الأذريين".
وحول
الموقف التركي من الأزمة، فقد أشار الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة
أوغلو، إلى أن "تركيا تراقب عن كثب التوتر المتصاعد عند الحدود الإيرانية مع أذربيجان،
تحسبا لانزلاق المنطقة إلى منعطف خطير خصوصا مع احتمال دخول لاعبين جدد إلى الصراع الدائر
في منطقة القوقاز".
وأوضح
خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الموقف التركي (الداعم) لأذربيجان هو بمثابة
"صمام أمان" لمنع حدوث مواجهة عسكرية بين باكو وطهران، حيث تدرك الأخيرة أنها في حال قيامها بأي عمل عدائي (تجاه أذربيجان) فهي تعلم أن باكو لن تكون بمفردها".
وأكد
أن "التحركات التركية الأخيرة الداعمة لأذربيجان والرسائل المشفرة لإيران عبر
المناورات المشتركة التركية الأذرية يبدو أنها وصلت لطهران، حيث أرسلت الأخيرة
مساعد وزير خارجيتها علي باقري كني إلى أنقرة للاجتماع مع نائب وزير الخارجية التركي
سادات لبحث العلاقات الثنائية ووجهات النظر حول التطورات الإقليمية، ولعل التوتر الإيراني-الأذري سيحتل حيزا كبيرا في المباحثات بين الجانبين".
اقرأ أيضا: طهران تحذر باكو من السماح بنشاط للموساد على الحدود
خاص | تفاصيل محاولات تركية لتوحيد قوى سنية في العراق
طالبان تسلّح مقاتلين طاجيك على الحدود.. ماذا عن الإيغور؟
كيف يؤثر تراجع خلافات المنطقة على حكومة العراق المقبلة؟