ملفات وتقارير

رسوم الجامعات الخاصة تثير الغضب بمصر.. صراع على الكعكة

خبراء: التعليم الجامعي في مصر يعاني من ازدواجية طبقية- جيتي

تداول نشطاء عى مواقع التواصل الاجتماعي قوائم مصروفات الجامعات الخاصة والأجنبية في مصر للعام الجديد، وسط تساؤلات واسعة عن سبب الأرقام الفلكية والباهظة للرسوم الجامعية، ولماذا يقبل عليها بعض المصريين؟ وما انعكاساتها على وضع التعليم في مصر؟ وهل تؤثر على تكافؤ الفرص بين الطلاب أم لا؟


في آب/ أغسطس من كل عام، يتوجه غالبية طلاب مصر إلى مكاتب تنسيق القبول نحو الجامعات والمعاهد الحكومية، للحصول على شهادة جامعية لا تؤهلهم إلى سوق العمل. لكن حفنة من أبناء القادرين والأثرياء والعسكريين والقضاة والمقربين من السلطة يتوجهون إلى الجامعات الخاصة والأهلية والأجنبية، التي تؤهلهم لسوق العمل في الشركات المحلية والأجنبية، مقابل دفع مبالغ مالية طائلة، لا يتحملها أغلب المصريين.


"لن أكرر خطئي مع أبنائي الكبار مرة أخرى، وسأنقذ مستقبل ابني الأصغر مهما كان المقابل المادي"، كانت تلك كلمات المحاسب المصري السابق في شركة "الراجحي" السعودية محمد فاروق.

 

وقال فاروق لـ"عربي21": "حصل ابني على مجموع نحو 80 بالمئة (علمي) في الثانوية العامة 2021، وقررت ألا أكرر خطأ تعليم إخوته في الجامعات الحكومية وأذهب به إلى الجامعات الخاصة".

وأضاف: "رغم تفوقهم الدراسي والجامعي فإن فرصهم في الحصول على عمل جيد ومستقر وبمقابل معقول تلاشت لسنوات كحال خريجي الجامعات الحكومية، ولذا لم يكن أمامي بد من دفع أية مبالغ تطلبها الجامعات الخاصة".

وذهب المحاسب الميسور الحال إلى أبعد من ذلك، مؤكدا أنه "يحاول إلحاق نجله بالأكاديمية البحرية رغم أن تكلفتها السنوية ربما تصل إلى 8 آلاف دولار سنويا"، مضيفا أن "علي الاستثمار في ابني حتى يجد مستقبلا غير زملائه في التعليم الحكومي".

كعكة دسمة

مؤسسات التعليم الجامعي في مصر 72 جامعة و217 معهدا تستقبل نحو 650 ألف خريج للمدارس الحكومية والخاصة، و114 ألفا بالتعليم الأزهري، ونحو 200 ألف للدبلومات الفنية، وحوالي 15 ألف وافد سنويا.

ووصلت نسب المقبولين في الجامعات والمعاهد الحكومية إلى 800 ألف طالب 2020، فيما تذهب النسب الباقية للجامعات الأهلية مثل (الملك سلمان، الجلالة، العلمين، المنصورة الجديدة)، والخاصة والتي تبلغ نحو 37 كيانا ومئات الكليات والمعاهد.

وينخفض الحد الأدني لتنسيق الجامعات الخاصة عن الحكومية بنحو 5 بالمئة، فيما يقل تنسيق الجامعات الأهلية عن الحكومية بحوالي 10 بالمئة.

وإلى جانب عشرت الجامعات الأجنبية؛ فقد منحت السلطات رخصا لـ5 جامعات أجنبية عام 2018، هي: "جزيرة الأمير إدوارد" الكندية، و"كوفنتري" و"هارتفوردشير" و"لندن" و"وسط لانكشاير" البريطانية.

وأهم الجامعات الخاصة والأجنبية: "مصر الدولية"، و"أكتوبر للعلوم الحديثة"، و"الأهرام الكندية"، و"مصر للعلوم والتكنولوجيا"، و"المستقبل"، و"المصرية الروسية"، و"6 أكتوبر"، و"النهضة"..

أضف إليها: "الأمريكية"، و"الفرنسية"، و"البريطانية"، و"سيناء العريش"، و"سيناء القنطرة"، و"النيل"، و"فاروس"، و"المصرية للتعلم الإلكتروني"، و"هليوبوليس"، و"بدر"، و"دراية"، و"الجيزة الجديدة"..

إلى جانب: "الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات"، و"الدلتا للعلوم والتكنولوجيا"، و"حورس"، و"المصرية الصينية"، و"سفنكس"، و"ميريت"، و"السلام".

فوضى المصروفات

ولأن قانون تنظيم الجامعات، لم يحدد قيمة ونسب المصروفات السنوية؛ فإنها تتفاوت المبالغ بين الجامعات وبين كليات نفس الجامعة، إذ تصل الدراسة ببعض كليات الطب إلى 200 ألف جنيه سنويا، لتبلغ في جامعات أخرى نصف هذا الرقم.

وتتضاعف رسوم الدراسة بالجامعات الأجنبية عنها في الخاصة، لتبلغ دراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة كوفنتري البريطانية بالعاصمة الإدارية الجديدة قرابة الـ170 ألف جنيه سنويا (10 آلاف دولار) أمريكي، وفق موقع "بي بي سي".

فيما تتراوح الرسوم السنوية بالجامعات الأجنبية في مصر للتخصصات العملية بين 9 آلاف و14 ألف دولار أمريكي، وللتخصصات الإنسانية بين 11 و13 ألف دولار أمريكي، فيما يحظى خريجو تلك الجامعات بالفرص الأكبر في التوظيف في الشركات الأجنبية والمحلية.

وفي أحدث أرقام أعلنتها الجامعات الخاصة والأجنبية للعام الدراسي (2021- 2022)، يدفع طالب الطب البشري 120 ألف جنيه في "جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا"، وطالب الهندسة 55 ألف جنيه سنويا.

وبلغت مصروفات كلية الأسنان بـ"الجامعة البريطانية" 185 ألف جنيه، والصيدلة "إكلينك" 120 ألفا، والهندسة 137 ألف جنيه.

وبلغت مصاريف جامعة "هارتفوردشير" البريطانية في العاصمة الإدارية، لبرنامج فارما 210 آلاف جنيه، والصيدلة 190 ألفا، والهندسة 195 ألفا، وبرنامج الإعلام 180 ألف جنيه.

وتصل مصروفات "المصرية الروسية" لكلية الأسنان 114 ألف جنيه والهندسة 60 ألفا، فيما بلغت أسعار "جامعة 6 أكتوبر" للطب 125 ألف جنيه والأسنان 100 ألف والهندسة 60 ألف جنيه.

أغلى من أوروبا

وفي هذه النقطة، يقول المدرس المصري في الإمارات ياسر متولي: "حصلت ابنتاي على درجات مرتفعة في الثانوية العامة بالإمارات، ونظرا لارتفاع تكلفة التعليم الجامعي في الإمارة العربية، قررت تعليم إحداهن في الجامعة البريطانية في القاهرة".

ويُوضح لـ"عربي21"، أن "التكلفة العالية والمبالغ فيها من فرع الجامعة في (الشروق) بالقاهرة صدمتني كثيرا، ولكن لم أفكر لحظة واحدة في أن أنقل ابنتي إلى جامعة خاصة أو حكومية، وتحملت الكثير من العناء المادي".

ويُلفت إلى أنه قرر أن "يعلم ابنته الثانية في دولة أوكرانيا بدلا من مصر"، مؤكدا أن "ما تتكلفه ابنته بالقاهرة أعلى مما تحتاجه الأخرى في كييف"، ومبينا أنه "ضحى بالمال لأجل أن تجد ابنتاه فرصا أفضل في العمل بأي شركات أجنبية".

ويُعرب عن شديد حزنه من "تدهور مستوى التعليم الجامعي في مصر عن سنوات تعلمه قبل نحو 30 عاما"، مشيرا إلى أن "فرص أي جامعي حكومي ضئيلة جدا في الخليج بمقابل فرص أي خريج من أية جامعة عربية أو خاصة وأجنبية مصرية".

صراع رجال الأعمال

طالب في جامعة "سيناء" الخاصة التي يمتلكها رجل الأعمال المحبوس على ذمة قضايا "تنقيب عن الآثار" في تموز/ يوليو 2021، حسن راتب، يقول إن "هناك سباقا شديدا بين رجال الأعمال الكبار والمقربين من النظام للمشاركة في استثمار التعليم الجامعي".

ويضيف لـ"عربي21"، أن "حسن راتب قبل أيام من القبض عليه قال لجمع من الطلاب والأساتذة والإداريين بفرع الجامعة في العريش (شمال سيناء) إنه يتعرض لضغوط شديدة كي يتنازل عن الجامعة لأحد رجال الأعمال المقربين من النظام".

ويلفت إلى أن "راتب أكد لهم أن البيزنيس في هذا المجال مربح واستقطب عددا كبيرا من رجال الأعمال، وفتح شهية النظام على إسناده لأقرب المقربين منه".

غضب وانتقادات

وانتقد "حزب المحافظين" المعارض تغول التعليم الخاص والأجنبي على الحكومي، وقال في بيان ‏22 آب/ أغسطس 2021: "تتوجه الدولة للتوسع بشكل كبير في الجامعات الخاصة، مقابل تدني مستوى الجامعات الحكومية".

وأشار، إلى أن ذلك دفع مواطنين إلى تحمل "تكاليف التعليم الخاص"، ما "يراه خبراء وسياسيون ونواب خطوة تقضي على مجانية التعليم، ومخالفة لدستور كفل حق التعليم للجميع دون تمييز".



وفي مطالبة برلمانية بتخفيض رسوم الجامعات الخاصة والأهلية؛ دعت النائبة أمل سلامة تلك الجامعات إلى "عدم المتاجرة بأولياء الأمور، والإعلان عن مبادرة لتخفيض الرسوم بكلياتها".

وطالبت الجهات المسؤولة بوضع "لائحة مالية" للجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية، منتقدة ترك تقدير الرسوم وفقا للأهواء، أو العرض والطلب.




ازدواجية طبقية

في رؤيته لأسباب تفاقم رسوم ومصروفات الجامعات الخاصة والأجنبية في مصر، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز، إن "التعليم الجامعي بالسنوات الماضية يعاني ازدواجية طبقية".

ويضيف لـ"عربي21"، أن تلك الازدواجية "نتيجة فتح المجال دون رقيب للتعليم الخاص لمجتمع النصف بالمئة، لأعداد تتجاوز الـ200 ألف طالب بسوق تقديري سنويا، يتجاوز الملياري دولار بعدد 37 جامعة خاصة".

الأستاذ المساعد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، يشير إلى أنه "في الوقت نفسه هناك إهمال شديد للتعليم الجامعي في 28 جامعة حكومية فيها 513 كلية أغلب مخصصاتها المالية موجهة للأجور والمكافآت".

ويجزم بأن ذلك يحدث "بصورة أثرت بشدة علي مستويات الطلاب المعرفية والمهنية، وبالتالي فإن هناك معضلة جديدة صنعت في مصر وهي الطبقية المعرفية".

وضم تقرير "ويبوميتركس" لتصنيف الجامعات 2021، نحو 72 جامعة مصرية، لكن لم تصل أي منها لقائمة أفضل 500 جامعة، إذ جاءت "القاهرة" الأولى مصريا والرابعة عربيا وفي المركز الـ 551 عالميا.

وعن بيزنس التعليم في مصر، وتوجه الرأسمال الخاص والأجنبي للاستثمار بالقطاع يعتقد الأكاديمي المصري، أن "التوسع في التعليم الجامعي الخاص مربح للمستثمرين".

ويرى أنه "أيضا فرصة لفلترة المجتمع والمساعدة على تقسيمه إلى فئات اجتماعية عليا ودنيا ربما تتمايز ليس فقط في الدخل، وإنما أيضا في التحصيل المعرفي والمهاري.. وبالتالي فرص عمل أفضل ومستقبل أفضل لمجتمع النصف بالمئة من أبناء العسكريين والأجهزة الأمنية والقضاة ورجال الأعمال".

"أما باقي المجتمع؛ فليذهب إلى الجحيم بمستويات تعليمية سيئة للغاية، وتأهيل غير مناسب للسوق، وبالتالي إلى مزيد من الفقر لهم ومزيد من الغنى للأغنياء".