خلال الشهر المنصرم، برز تحولان لافتان فيما يتعلق بالشأن الأفغاني، أوّلهما السيطرة السريعة لحركة طالبان على ولاية مزار شريف ودخول الحركة العاصمة كابل بعد رحيل الرئيس أشرف غاني الى الامارات العربية المتّحدة، والثاني هو خطاب طالبان السياسي والإجتماعي والديني والذي يعكس من الناحية النظريّة على الأقل ـ حتى الآن ـ تغيّراً في سلوك وذهنية الحرّكة قد يترك أثره على وضع أفغانستان الداخلي ومحيطها الجيوبوليتيكي.
وإن كان الحكم على سلوك طالبان سيحتاج إلى مراقبة آدائها العملي على أرض الواقع خلال المرحلة المقبلة، إلاّ انّه بإمكان المراقب أن يُلاحظ اهتمام المجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين والدولييين بالمتغيّرات التي طرأت مؤخراً على المعادلة الأفغانية وأتاحت لطالبان السيطرة مبدئياً على أفغانستان بانتظار التفاعلات التي تلي مرحة السيطرة وتمهّد لعملية الاعتراف أو ربما الامتناع عن الاعتراف بطالبان كممثل شرعي لأفغانستان.
على قائمة الخاسرين من هذه التحولات تحتل الهند المرتبة الأولى كأكبر خاسر من صعود طالبان. فعلى الرغم من انّ الأضرار التي لحقت بالولايات المتّحدة ضخمة، إلاّ أنّ موقع واشنطن الدولي وإمتلاكها أدوات ضغط على طالبان مستقبلاً، وحاجة طالبان الى اعتراف دولي لتسهيل حكم البلاد وإطلاق عملية إعادة الإعمار يخفّف من هذه الاضرار لاحقاً. بالنسبة الى الهند، فهي لا تمتلك مثل هذه الأدوات، وبالتالي فإنّ رحيل حكومة أشرف غني يُعدّ ضربة إستراتيجية لسياسة الهند بعد أن كانت قد نجحت الى حد كبير في زيادة نفوذها على حساب النفوذ الباكستاني خلال المرحلة الماضية.
أمّا بالنسبة الى قائمة الرابحين، فتتزعّم الصين وروسيا مبدئياً هذه القائمة في هذه المرحلة. بالنسبة إلى الصين، فإنّ هزيمة الولايات المتّحدة هناك يعدّ أمراً إيجابياً ويسمح لبكين بأن تعزّز نفوذها الاقتصادي وتالياً السياسي في أفغانستان وآسيا الوسطى عموماً. يأتي مشروع الحزام والطريق على رأس إهتمامات الصين بأفغانستان، إذ تعدّ الأخيرة ممرّاً رئيسياً لهذا المشرع باتجاه آسيا الوسطى وتركيا وأوروبا. عدم وجود واشنطن سيعطي أفضلية للصين وسيتيح لها التعجيل في المضي قدماً بالمشروع من خلال بوابة إعادة إعمار أفغانستان، على أن تضمن طالبان الامن والاستقرار وتتفادى موضوع الإيغور الحسّاس بالنسبة إلى الصين وهو ما فعلته الحركة حتى هذه اللحظة.
في المقابل، تعتبر منطقة آسيا الوسطى تقليدياً منطقة نفوذ روسي. لكنّ تواجد الولايات المتّحدة في أفغانستان خلال الـ ٢٠ سنة الماضية علاوةً على ضعف روسيا الاقتصادي وتمدد الصين في آسيا الوسطى ودول أخرى كتركيا على سبيل المثال في محيطها الإقليمي قوّض من النفوذ التقليدي لروسيا في تلك المنطقة. الآن، مع إنسحاب الولايات المتّحدة والإطاحة بالحكومة الموالية لها في كابل، تنظر روسيا إلى الوضع الحالي على أنّه فرصة لعودة نفوذها في آسيا الوسطى. بعض دول آسيا الوسطى تخشى من تداعيات عودة طالبان في مسائل تتعلق بالأمن أو اللاجئين أو التطرف ولذلك، فانّ هذه الدول تعتمد من الناحية العسكرية على دعم روسي مأمول لتأمين حدودها مع أفغانستان كطاجكستان على سبيل المثال.
في المقابل، تعتبر منطقة آسيا الوسطى تقليدياً منطقة نفوذ روسي. لكنّ تواجد الولايات المتّحدة في أفغانستان خلال الـ ٢٠ سنة الماضية علاوةً على ضعف روسيا الاقتصادي وتمدد الصين في آسيا الوسطى ودول أخرى كتركيا على سبيل المثال في محيطها الإقليمي قوّض من النفوذ التقليدي لروسيا في تلك المنطقة.
دول مثل إيران وتركيا تسعى إلى إغتنام التحولات الجارية في أفغانستان وتوظيفها بما يخدم مصلتحها. إيران ربما كانت واحدة من الدول القلائل التي استطاعت رصد هذه التحولات مبكّراً وبناء علاقة استثنائية بكل المقاييس مع الحركة. لم تكتف إيران ببناء علاقات تعاون ومصلحة مع طالبان وإنما دعتها أيضاً الى طهران وعقدت إجتماعاً للحوار الافغاني-الافغاني قبيل سقوط حكومة أشرف غاني، وهي تصبو الى أن يكون لها دور أكبر في مستقبل أفغانستان.
أمّا تركيا، فعلى الرغم من أنّها تأمل أن تلعب دوراً أمنياً في أفغانستان من خلال تشغيل وتأمين مطار كابول، إلاّ أنّ علاقاتها المباشرة مع طالبان تكاد تكون معدومة، ولذلك عملت أنقرة خلال الأشهر القليلة الماضية على إعداد قنوات للتواصل من خلال دول مثل باكستان وربما قطر. وفيما يتعلق بالمقترح التركي، كانت هناك رسائل مختلطة من قبل الحركة قبيل دخول كابول. لكن في آخر تصريح للناطق باسم طالبان أمس، أبدى سهيل شاهين إنفتاحاً على تركيا قائلاً إنّ الحركة تحتاج إلى تركيا أكثر من أي طرف آخر. على المقلب الآخر، كانت هناك تصريحات من قبل رئيس الجمهورية التركية تشير الى إمكانية إستقبال زعيم طالبان، لكنّ وزير الخارجية أشار إلى أنه لا يزال من المبكر الاعتراف بحكومة لطالبان مع التأكيد أنّ مقترح تشغيل وتأمين مطار كابول لا يزال قائماً. على مستوى إعادة الاعمار، تطمح أنقرة من دون شك أن يكون لها دور أكبر في هذا الجانب، خاصّة أنّها إنخرطت فيه بالفعل خلال السنوات القليلة الماضية وإن بشكل محدود.
أّمّا بالنسبة إلى باكستان، فهذه تتمتع بوضع خاص لناحية الجغرافيا والتركيبة الإثنية والعلاقة مع طالبان. وإن كانت إسلام أباد من بين الرابحين بالتأكيد أقلّه لرحيل حكومة قريبة من الهند ومعادية لباكستان، إلاّ أنّ هناك من يبدي بعض التحفّظات إزاء إمكانية انعكاس سيطرة حركة طالبان بشكل سلبي على باكستان من الناحية السياسية والإقتصادية والأمنية خاصة إذا فشلت الحركة في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد ولم تعترف الولايات المتّحدة والأمم المتّحدة بالحركة ممثلا شرعياً لأفغانستان.
Twitter: @alibakeer