الإخوان المسلمون جماعة كبرى، عددا وقدرا، لهم ثقلهم واقعا وتاريخا، وينبغي النظر إليها من هذه الوجهة، ولذا يكثر منتقدوها، ويكثر ناصحوها، ويكثر الخائفون على مصيرها، والباكون على حالها.
فحال الإخوان لا يسر صديقا، ولا يغيظ عدوا، فهو حال تغني رؤيته عن الحديث عنه، ولست هنا في مقام الحديث عن أخطائها، ولا عن انتكاساتها التي تحدث عنها الكثيرون من أبناء التنظيم، ومن خارجه، سواء من كتب بلغة المحب، أو من كتب بلغة المتشفي والناقم.
فالإخوان لم تقف خسارتهم على الانقلاب العسكري في مصر، فقد مرت الجماعة بمحن تقترب من هذه المحنة، لكنها وقتها فتحت مجالات في بلدان أخرى، ولملمت جراحها، وقامت بنشر منهجها في أوروبا وأمريكا، ودول الخليج آنذاك، لكن ما حدث بعد الانقلاب أن انتقلت الجماعة من محنة، إلى محنة أكبر، وصارت تخسر حلفاء وقفوا إلى جانبها سنوات طويلة، ولا ندري مسلسل الخسائر إلى أين؟!
وقد كان حال قيادات الإخوان العاقلة في كل مراحلها من قبل، كلما اقتربت منهم محنة، أو دخلوها، أو خرجوا منها، التحفوا بظهيرهم الشعبي والنخبوي، وطلبوا المشورة والنصح، وألقوا أسماعهم، وانتبهوا لما تمليه عليه ضمائر من يحدثونهم.
واجب الوقت الآن على الإخوان قيادة وصفا، أن يلتقوا بشرائح مختلفة من الصف الإخواني أولا، ويسمعوا ما لديهم من انتقادات، وملاحظات، وشكاوى تتعلق بكل مجال من مجالات التنظيم، بداية من التربية، وانتهاء بالسياسة، وملاحظاتهم على أداء قياداتهم على جميع المستويات، بكل أريحية، بحثا عن الخلل.
عندما شعر الدكتور عبد العزيز كامل بخلل في جهاز التربية الإخواني، طاف محافظات مصر، وزار مكاتب الإخوان، ليقف على الخلل، وكتب أربعين مقالا في مجلة الإخوان المسلمين، تكلم عن المشكلات والحلول، وسعى للعمل على ذلك، وكان ذلك سنة 1947م.
وقبل صدور قرار حل جماعة الإخوان في 8 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1948م، رصدت تحركات متعددة للإمام حسن البنا، فلم يترك فردا يمكن أن يتوسط ويتدخل لمنع الحملة التي قام بها النقراشي على الإخوان، فقد التقى بمرتضى المراغي ابن الشيخ المراغي شيخ الأزهر، فقد كان في منصب كبير في وزارة الداخلية، والتقى بصالح حرب، والتقى بعدد كبير من الوجهاء، بل التقى بكريم ثابت مستشار الملك فاروق الصحفي، وعرض عليه وساطته عند الملك، وهو رجل مسيحي فلن يشك الملك في صدق وساطته.
واجب الوقت الآن على الإخوان قيادة وصفا، أن يلتقوا بشرائح مختلفة من الصف الإخواني أولا، ويسمعوا ما لديهم من انتقادات، وملاحظات، وشكاوى تتعلق بكل مجال من مجالات التنظيم، بداية من التربية، وانتهاء بالسياسة، وملاحظاتهم على أداء قياداتهم على جميع المستويات، بكل أريحية، بحثا عن الخلل.
هكذا يفكر الناس عند اقتراب المحن، فما بالنا عندما تحل المحنة، وتزداد وتتفاقم، فالأولى الآن، وواجب الوقت على جماعة الإخوان الآن، السماع لمن بداخلهم عن المشكلات والخلل، ثم البحث خارج الجماعة عن الحل، لأن من بالداخل ـ في الغالب العام حاليا ـ ليس مهيّأ للبحث عن حلول مناسبة، فالجماعة تحتاج لأشخاص وهيئات تحبها، تنظر في البحث عن حلول لمشكلاتها، بعد أن رصدتها من الداخل رصدا أمينا، يعتمد على الشفافية.
هناك خلل في جماعة الإخوان، على مستوى الأفكار، وعلى مستوى العلاقات، وعلى مستوى المشاريع في الجماعة نفسها، تحتاج الجماعة وهو واجبها الآن، أن تعيد النظر في كل هذه الملفات، فهناك ضبابية واضحة في كثير من أفكارها، حول نظرتها للمحنة، ونظرتها للمظلومية، ونظرتها للآخر، ونظرتها للقيادة، ونظرتها للصف، ونظرتها للمؤسسية، فعلا لا قولا، ومنهجا لا شكلا بوجود شكل مؤسسة، لكنه في الحقيقة أقرب للعشوائية، إن لم يكن أسوأ مراحل العشوائية.
على مستوى العلاقات تحتاج الجماعة أن تراجع نفسها مراجعة شاملة، في ملف علاقاتها، وتبدأ بالداخل، بلم شمل صفها، بعد أن كان الجميع يحسد الإخوان على شدة تقاربهم وتفاهمهم، وكان التنظيم المصري يباهي بأن معظم دول العالم العربي تجد فيها انشقاقات، عدا مصر، فهم لحمة واحدة، الآن صار حالهم أشد، فينبغي مراجعة علاقات الداخل الإخواني.
وأما على مستوى علاقتها بالآخرين من القريبين منها، فهو ملف يستحق المراجعة، والعمل على حله، فقد نشأت كيانات التفت فيها جبهات حول الإخوان متعاونة معها، مثل: تحالف دعم الشرعية، والمجلس الثوري، وكيانات وجبهات متعددة، لكنها كلها انتهت وضعفت بسبب معروف، وهو حب فئة من الجماعة على الاستحواذ، وجعل المشاركين مجرد شكل، أو ديكور، فهذا مستوى آخر من عالم العلاقات منيت فيه الجماعة بخسائر كبرى، عليها الآن، أن تعيد النظر فيه، وتلملمه قدر الاستطاعة.
على الجماعة الآن في عالم المشاريع، أن تراجع نفسها، ليس في مشروعها، لأنه ليس واضحا أن هناك مشروعا يجمع الناس، وهنا التحدي الأكبر للجماعة، فيمكن لها أن تعيد لصف لحمته السابقة، وإجراء مصالحات جادة، مبنية على احترام المختلف معها، وليس قهره، أو إذلاله، كما حدث في صيغ وردت على ألسنة قيادات لم تكن ترغب في إنهاء هذا الملف.
يمكن للجماعة التفكير في مشروع يجتمع عليه الصف الإخواني، ولو كان مشروعا تربويا، أو فكريا، أيا كان المشروع، المهم أن يلتقي عليه الجميع، ويتوافق عليه الجميع، ويعاونها في تحديد هذه المشاريع الجهات العلمية والفكرية والتخطيطية من خارج الإخوان، والتي للإخوان في قلبها مكانة، وتحب لها الخير، وما أكثرهم في الأمة الإسلامية، وسوف يحدث هذا: إذا توفرت النية الصادقة، والعزيمة المضاءة على فعل ذلك من القيادة الإخوانية.
Essamt74@hotmail.com
الأجهزة الأمنية عار دنس فلسطين.. آن أوان كنسهم
حينما يخشى نظام القهر والاستبداد من الإعلام الحر!