التسريبات التي بثتها وكالة شهاب عن
توجيهات صدرت من قيادات أمنية لخلية الاغتيال التي نفذت عملية تصفية
نزار بنات؛ تشير إلى أن هدف العملية - إضافة للانتقام من الناشط الراحل بنات - كان إذلاله، لذلك جاء الأمر بـ"
تعريته". إلا أن الحقيقة أن ما جرى هو العكس، فقد عرى نزار تلك الأجهزة وقادتها، وعرّى سلطة أوسلو ومهامها القذرة التي تضطلع بها منذ توقيع
اتفاق أوسلو المشؤوم في 13 أيلول/ سبتمبر 1993.
فمند أن وقع
الفلسطينيون أو أُوقعوا في فخ أوسلو، بدأت عملية اختطاف القرار الفلسطيني من قبل فئة أو عصابة اختطفت أولا منظمة التحرير الفلسطينية، وعمّدت مكانها "السلطة الوطنية الفلسطينية". والحقيقة أنه حتى اتفاق أوسلو نفسه لا يسميها كذلك، وإنما اسمها فيه "سلطة الحكم الذاتي"، فلا يوجد في بنود اتفاق أوسلو نفسه ذكر لشيء اسمه "السلطة الوطنية الفلسطينية" أو "دولة فلسطين".
هي سلطة لحفظ الأمن والقيام بمهمات متفق عليها، وبالتالي فإن من يتبجح اليوم بأن السلطة هي إنجاز وطني فلسطيني نقول له: لا يمكن للمحتل أن يمنح الشعب الذي يحتله سلطة ودولة، وإنما ثبت من خلال
القمع الأمني العنيف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في رام الله أن المهمة الأساسية وربما الوحيدة لسلطة أوسلو هي المهمة الأمنية عبر التنسيق الأمني مع إسرائيل، وقمع أي حراك يمكن أن ينتقل لها. ومن جهة أخرى، فأن تحصل أجهزة أمن سلطة أوسلو على ضوء أخضر مسبق، وتنسيق إسرائيل معها بالسماح لها بالدخول لمناطق "C" (ج) لاغتيال بنات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التنسيق الأمني متبادل ويسير باتجاهين، وأن أمن السلطة من أمن إسرائيل والعكس صحيح بالضرورة.
لا يمكن فهم العملية البشعة والوحشية في تصفية الراحل بنات إلا عبر فهم العقلية "الأمنجية" التي تدير السلطة
لا يمكن فهم العملية البشعة والوحشية في تصفية الراحل بنات إلا عبر فهم العقلية "الأمنجية" التي تدير السلطة، فهي أولا: استنساخ لأبشع ما في الأنظمة الأمنية العربية، حيث تربى وتدرب الرعيل الأمني الأول فيها منذ تأسيسها على أيدي المخابرات العربية التي دربتهم على
التنكيل بالمعارضين، مشرعة أمامهم تجربة عمرها عقود من التعذيب والتنكيل والتصفيات.
ثانيا: إن من ظهروا في الفيديوهات يتسللون في الليل كاللصوص للانقضاض على بنات هم أبناء دايتون وليسوا أبناء الشعب الفلسطيني، فهؤلاء خريجو مشروع "الفلسطيني الجديد" والذي كان عرابه السيد سلام فياض الذي اليوم يتحدث كمصلح اجتماعي.
ثالثا: إن ذلك القمع العنيف لمظاهرات التنديد باغتيال بنات يعكس قلقا وخوفا وارتباكا شديدا لدى السلطة، يجعلها تبادر لاستعمال "القوة الغاشمة" خوفا من تدحرج كرة الثلج، ولا تبادر لتقديم الجناة للمحاكمة لأنه باختصار إذا ما انفرط العقد أو فرطت حبات المسبحة كما يقال و
فتح باب التحقيقات؛ فإن حجم ملفات الفساد والجرائم والتخابر مع الخارج ثقيل جدا، والكل متورط فيه من أصغر مخبر في سلطة أوسلو حتى رئيسها.
إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني لا يمر عبر المصالحة، فلا يمكن التصالح على قاعدة التنسيق الأمني والتنكيل بالشعب الفلسطيني، وإنما عبر القفز عن أوسلو، واعتبار سلطة أوسلو لاغية، والقفز عليها باتجاه إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وتكوين جبهة عريضة للحراك الثوري والاشتباك مع الاحتلال
إن المدخل الضروري اليوم لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني لا يمر عبر المصالحة، فلا يمكن التصالح على قاعدة التنسيق الأمني والتنكيل بالشعب الفلسطيني، وإنما عبر القفز عن أوسلو، واعتبار سلطة أوسلو لاغية، والقفز عليها باتجاه إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وتكوين جبهة عريضة للحراك الثوري والاشتباك مع الاحتلال بكافة أشكال المقاومة كما حصل في معركة سيف القدس.
وفي معضلة السلطة، فإنها ستسقط تلقائيا إذا صححنا البوصلة باتجاه الاحتلال، فالانتفاضة في الضفة وفي طريقها للانفجار في وجه الاحتلال ستزيل تلك العقبة التي تحول بين الشعب الفلسطيني وبين المحتل، فالسلطة باتت جدار فصل آخر يفصل الشعب المنتفض عن الاشتباك مع الاحتلال.
الحقيقة أن هذه سلطة عار لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر، "سلطة" بلا أرض ولا دولة ولا سلطة، سلطة عباس وحسين الشيخ وماجد فرج وعزام الأحمد، سلطة عصابة تمارس أبشع أنماط القمع والدموية.. إنهم أبناء دايتون، بمواجهة أبناء الشعب الفلسطيني .