دعا الأمين العام لمجلس جنيف للعلاقات الدولية والتنمية، المستشار السابق في رئاسة الجمهورية التونسية، أنور الغربي، القادة والنخب الفرنسية إلى إعادة النظر في علاقاتهم بالأقليات في الداخل وبباقي الدول سواء منها الجوار الأوروبي أو دول العالم النامي، على قاعدة الاحترام المتبادل.
جاء ذلك في
تصريحات أدلى بها الغربي لـ
"عربي21"، تعليقا على تقارير إعلامية تابعت مباراة كرة القدم التي أجريت بين
فرنسا وسويسرا أمس الاثنين، في الدور 16 من بطولة يورو 2020، ركزت على حجم الانتقادات الشعبية في
سويسرا لفرنسا.
وقال الغربي: "أدركت اليوم أن حجم الرفض والازدراء والاشمئزاز من سلوك فرنسا ونخبتها وقادتها كبير ويحتاج إلى تغييرات جوهرية ولأجيال لترميم ما دمروه. طبعا الأمر لم يعد يتعلق بنهب ثروات أفريقيا ولا بحماية الدكتاتوريات ولا باستهداف الأقليات في البلاد ولا بسلوكها المتعالي وغير الدبلوماسي في العديد من التكتلات والأطر الأوروبية والأممية فحسب، نحن الآن نتحدث عن شعوب أوروبية وغربية أصبحت ترى في الفرنسيين مثالا للتخلف وغياب النظام والانتهازية والجشع والغش".
وأشار الغربي إلى أن هذا "الفهم الأوروبي تجاه فرنسا موجود في إيطاليا والنمسا وألمانيا والسويد واليونان واليوم نقرأه ونسمعه بوضوح في سويسرا مع صعود تيار كامل مناهض لسياسات فرنسا".
وأضاف: "بالأمس كنت مدعوا للإذاعة السويسرية للحديث عن "اللجنة الدولية لإيقاف أحكام الإعدام"، وفي الانتظار كنت أستمع لتقرير من مدينة حدودية بين جنيف وفرنسا وفوجئت بتعاليق الناس حول مباراة كرة القدم التي أجريت البارحة، وما شد انتباهي هو إجماع السويسريين حول فكرة واحدة هي ضرورة تشجيع أي منافس لفرنسا".
وتابع: "قال أحدهم بالحرف "أنا من عادتي أن أشجع أي منافس لفرنسا في أي مجال كان واليوم سنسحقهم" في لغة فيها شدة وغلظة وألم يتجاوز المجال الرياضي وفي نفس اليوم استمعت لتقرير مشابه من إذاعة فرنسية معروفة".
وأكد الغربي أن هذا الفهم السويسري تجاه فرنسا ليس مبعثه رياضي عابر، وإنما أيضا له بعد سياسي، وقال: "منذ سنوات كنت شاركت في نقاشات من أجل بعث حزب في جنيف يكون محور اهتمامه المواطن وفضلت لاحقا الانسحاب في صمت لما تبين لي أن التوجه العام أصبح ينزع نحو اليمين المتشدد ورفض تواجد ودخول الفرنسيين للعمل في جنيف. هذا الحزب مشارك بقوة في البرلمان والحكومة اليوم وعقلية رفض الفرنسيين تتمدد على طول المناطق الحدودية من بازل إلى جنيف رغم اختلاف اللغة والثقافة بين المناطق السويسرية بما يعني أن سلوك الآخر هو الذي حدد رد الفعل".
وحذّر الغربي من أن هذا التنافر في العلاقة بين فرنسا وجوارها الأوروبي بما في ذلك سويسرا مرشح لمزيد من التنافر، وقال: "ما زالت الطبقة المؤثرة والفاعلة في فرنسا تدفع باتجاه التصادم والمغالبة والاستقواء على الضعفاء داخل البلاد وخارجها".
وأنهى الغربي تصريحه بدعوة الفرنسيين إلى مراجعة هذا الأمر، وقال: "هذا موضوع يحتاج للدراسة من الخبراء والمختصين لأن ما نراه ونعاينه غير عقلاني ولا منطقي، وليت عقلاء فرنسا يستفيقون لتصحيح مسار الأمور لديهم وفي علاقة بسلوكهم الجمعي ورؤيتهم للآخر المختلف"، على حد تعبيره.
وكان المنتخب السويسري قد فاز على المنتخب الفرنسي في المباراة التي جمعتهما أمس الاثنين في إطار الدور الـ16 لبطولة يورو 2020، في مباراة شهدت شد أعصاب حتى آخر لحظة.
وإذا تم استثناء
علاقات السلطات الفرنسية بمواطنيها المسلمين، والتي تعرف توترا مزمنا بسبب سياسات فرنسا تجاههم، والتي يرى فيها المسلمون فيها تحريضا عليهم وعلى دينهم، وكذلك علاقات فرنسا بدول العالم النامي في أفريقيا والشرق الأوسط، بسبب الإرث الاستعماري، فإن ما يثير الاستغراب والدهشة هو هذا التوتر الذي تعرفه العلاقات الفرنسية-الأوروبية.