في بيان لوزارة المالية بشأن إصدار قانون
الصكوك السيادية، ذكر وزير المالية
المصري الدكتور محمد معيط أن هذا القانون يُسهم في تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية والتنموية، من خلال تنويع مصادر
تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وتوفير المخصصات المالية اللازمة للمشروعات الاستثمارية، ويُدخل مصر سوق
التمويل الإسلامي لأول مرة، والذي يصل حجم إصدارات الصكوك فيه إلى 2.7 تريليون دولار، بما يُساعد في جذب مستثمرين جدد مصريين وأجانب للاستثمار المتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية بالعملتين المحلية والأجنبية.
وأوضح الوزير أنه سيتم قيد الصكوك المصدرة في السوق المحلية ببورصة الأوراق المالية، وسيتم حفظها بشركة الإيداع والحفظ المركزى، وسيتم قيد الصكوك المصدرة بالأسواق الدولية الصادرة بالعملات الأجنبية في البورصات الدولية، وفقًا للقواعد المتبعة للإصدارات الحكومية الدولية.
وأضاف الوزير أن إصدار الصكوك يكون على أساس الأصول التي ستكون مملوكة للدولة ملكية خاصة، وذلك عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول دون حق الرقبة، أو عن طريق تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع عقد إصدار هذه الصكوك وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية. وأنه سيصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة "ملكية خاصة" التي تصدر على أساسها الصكوك، بحيث تكون هناك آلية لتقييم حق الانتفاع بتلك الأصول التي تصدر على أساسها الصكوك أو مقابل تأجيرها لهذا الغرض.
والحد الأقصى لمدة تقرير حق الانتفاع بالأصول التي تصدر على أساسها الصكوك أو مدة تأجيرها 30 عاما، التزاما بأحكام الدستور، وتجوز إعادة تأجير هذه الأصول للجهة المصدرة. ويحظر الحجز أو اتخاذ إجراءات تنفيذية على الأصول التي تصدر على أساسها الصكوك، مع بطلان أي إجراء أو تصرف مخالف لذلك، وتقرير عقوبة جنائية على المخالفين.
يأتي إصدار هذا القانون ليعيد الذاكرة إلى عهد الرئيس مرسي - رحمه الله - حيث مع صدور قانون الصكوك في عهده تبارت الدولة العميقة من خلال وسائل الإعلام وأجنحتها الظاهرة والمخفية؛ إلى تزوير الحقائق وتصوير الصكوك وكأنها بيع لأصول مصر، على غير الحقيقة لمن يعرف طبيعة الصكوك وآلياتها
ويأتي إصدار هذا القانون ليعيد الذاكرة إلى عهد الرئيس مرسي - رحمه الله - حيث مع
صدور قانون الصكوك في عهده تبارت الدولة العميقة من خلال وسائل الإعلام وأجنحتها الظاهرة والمخفية؛ إلى تزوير الحقائق وتصوير الصكوك وكأنها بيع لأصول مصر، على غير الحقيقة لمن يعرف طبيعة الصكوك وآلياتها.
ومما لا شك فيه أن الصكوك الإسلامية نقلة نوعية وإضافة لوسائل التمويل إذا تم حسن استخدامها اقتصاديا وشرعيا، من خلال مراعاتها المصداقية الشرعية والكفاءة
الاقتصادية والاجتماعية. ولكنها في الوقت نفسه تصبح عبء وقنبلة موقوتة إذا تحولت إلى أداة دين وسارت على نهج السندات الربوية، وفي الوقت نفسه كان الغرض منها تعميق مشكلة الديون وزيادتها وترقيعها. وهذا ما يبدو لي واضحا في التجربة المصرية من خلال الاستفادة من أي فرص للتداين الداخلي والخارجي، في ظل كون
التداين أصبح ثقافة وهدفا لدى الحكومة.
إن الصكوك في حقيقتها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في موجودات معينة ومباحة شرعا، تصدر وفق صيغ التمويل الإسلامية، وعلى أساس المشاركة في الغنم والغرم، والالتزام بالضوابط والمقاصد الشرعية. ولكن - للأسف الشديد - يكشف واقعها العالمي أن أكثر من 85 في المئة من إصداراتها مخالف للشريعة الإسلامية؛ من خلال النص في نشرات الإصدار على التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية، وهو ما يعني ضمان رأس المال وهو الأمر الذي لا يجوز شرعا، فضلا عن انتشار الصكوك القائمة على بيع العينة خاصة والعينة الإيجارية عامة، التي يتم فيها شراء أصل حكومي من قبل حملة الصكوك ثم تأجيره في نفس الوقت للحكومة تأجيرا منتهيا بالتمليك بثمن أكبر، ويمثل الفرق بين الثمنين ربحية حملة الصكوك، ويُعتمد في تحقيق ذلك على الشركة ذات الغرض الخاص بصورة شكلية محللا شرعيا بعيدا عن أحكام الشريعة ومقاصدها.
إنه من خلال تصريحات الوزير يبدو لي يقينا أن الصكوك السيادية في مصر لن تكون إلا مزيدا من عبء الديون دون مراعاة لأي اعتبارات شرعية، وسيكون جل اهتمامها موجه لسد عجز الموازنة. وهي في حقيقتها ستكون صكوكا مبنية على الأصول (Asset Backed Securities) بمعنى أنها صكوك يكون فيها الأصل حاضراً لغرض الالتزام بالشريعة، وليس بهدف أن يكون مصدراً لمدفوعات الربح ورأس المال. ففيها ليس من الضروري أن يولد الأصل عائداً لحاملي الصكوك، ويتعهد فيها المنشئ (الحكومة) بإعادة شراء الأصول من المصدر عند استحقاق الصكوك، أو عند وقوع حدث محدد مسبقاً بسعر يساوي المبلغ الأصلي لحجم التمويل. وفي ظل هذا التعهد تكون القيمة الحقيقية للأصل أو محفظة الأصول غير مؤثرة في قيمة الصكوك، باعتبار أن مبلغ إعادة الشراء معلوم مسبقا ويساوي مبلغ التمويل الأصلي.
لن تكون إلا أداة لرفع شهوة الحكومة نحو المزيد من فاتورة الديون المرقعة محليا وخارجيا، والتي سيكتوي بنارها الجيل الحالي والأجيال المستقبلية، ومصيرها الانفجار إن عاجلا أو آجلا
وفي هذه الحالة لا يتمتع حاملو هذا النوع من الصكوك بحقوق خاصة على الأصل، ولهذا عادة ما يتركز تقييم مخاطر ائتمان هذه الصكوك على الجهة التي تلتزم بإطفاء الصكوك وقدرتها على السداد؛ إما من مصادر داخلية أو عن طريق إعادة التمويل، وهذه الجهة عادة هي المصدر وهي هنا الحكومة المصرية. وفي هذه الحالة، يكون تحليل أو تقدير الجودة الائتمانية للأصل أمراً ثانوياً، حيث يكون العامل المؤثر في الحكم على الجودة الائتمانية للصك وتصنيفه هو الجدارة الائتمانية للمصدر.
وهذه الصكوك بهذه الصورة تحاكي الممارسات المتبعة في إصدار السندات الربوية، من ضمان رأس المال، كما تحرم حملة الصكوك من ملكيتهم لأصولهم لأنه تتعذر ملكيتهم للأصول الحكومية قانونياً، ومن ثم فإن إصدار هذه الصكوك بهذه الصورة لا يحمل من الصكوك إلا اسمها، ويخرجها عن مضمونها وحقيقتها الشرعية في أنها تمثل ملكية حصص شائعة في موجودات لها غنمها وعليها غرمها، ولا تعرف لضمان رأس المال أو العينة سبيلا. كما أنها لن تكون إلا أداة لرفع شهوة الحكومة نحو المزيد من فاتورة الديون المرقعة محليا وخارجيا، والتي سيكتوي بنارها الجيل الحالي والأجيال المستقبلية، ومصيرها الانفجار إن عاجلا أو آجلا.
twitter.com/drdawaba