قمع أمني، احتجاجات ومواجهات، وضع
اجتماعي مهدد بالانفجار، صراع بين السلطات، وعريضة لسحب الثقة من الحكومة.. هكذا هو المشهد في تونس.
منذ أشهر طويلة والتأزم السياسي بتونس
لا يتوقف، ففي كل مرة تمر حادثة أو تصريح يزيد الوضع احتقانا، ليخرج بعدها رئيس
البلاد غاضبا وفي حالة من التشنج مهددا باستخدام الدستور لوضع حد لكل ما يعتبره
تجاوزات تنذر بسقوط الدولة، ويسانده في ذلك نواب من المعارضة شرعوا في تحضير عريضة
لسحب الثقة من رئيس الحكومة ومدخلهم في ذلك أنه "فاشل".
في مقابل ذلك، دعا رئيس الحكومة إلى الكف
عن المزايدات السياسية وتسجيل النقاط، وهو يحفز حكومته على مواصلة العمل والبحث عن
حلول وإصلاحات ليجد دعما من حزامه البرلماني.
وبين الطرفين منظمات نقابية تحاول
تهدئة الوضع وتبحث عن حوار يجمع الكل لأجل حلحلة الوضع والخروج من الأزمة الخانقة.
كانت حادثة مقتل شاب تحت الإيقاف وسحل
طفل آخر بالشارع بعد خلع ملابسه من قبل عناصر أمنية (منطقة سيدي حسين)
سببا في تفجير الوضع بتونس، فمنذ خمسة ليالي لا تتوقف المواجهات بين عدد من
الشباب الغاضب والأمن، لكن أطرافا حاولت استغلالها لتعميمها وأخرى سعت لتعطيل سير عمل المؤسسات.
يقول الباحث والمحلل السياسي أحمد
الغيلوفي في قراءة تحليلية خاصة لـ"عربي21" إن " الوضع الآن طبيعي
بالنظر إلى مناخ الصراعات فالمنظومة الجديدة لم تنتصر بعد والقديمة
لم تنهزم، وما بينهما قوى خارجية تبحث عن
مكان لها في أي دولة جد بها جديد، فهناك دول إقليمية لا تساعدها الديمقراطية
لحماية العائلات الحاكمة وبالتالي تتحالف مع قوى داخلية".
واعتبر المحلل الغيلوفي أن الأزمة التي
تعرفها تونس "ليست سلبية لأن الشعوب تتقدم عندما يحدث مخاض حاد بهذا الشكل، فيقع خلق قوى سياسية جديدة وتفكير سياسي وأجيال من الشباب تفكر بعقلها دون هواجس
وأحقاد أيديلوجية".
تعفين الوضع
يعتبر المحلل أحمد الغيلوفي أن "دور
الرئيس أصبح يساهم في تعفين الوضع، هناك استراتيجية كاملة لتعفين الوضع، بما معناه
نشر التشنج وتعطيل مؤسسات الدولة ونشر الأكاذيب والتهم وإحباط الناس وتعطيل المصالح".
وعن الدافع من ذلك يرد الغيلوفي: "هناك من أصبح لديه يقين أنه بمفرده لا يمكنه النزول للشارع وقلب الموازين والذهاب
للصناديق والانتصار، ونحن نلاحظ غياب فكرة ومقترح إعادة الانتخابات خلال هذه
الأزمة، فهنا جاءت استراتيجية التعفين حتى يمل الناس ويخرجوا وحينها تقع الفوضى فيضطر
الجيش للتدخل".
وعن فرضية حدوث ذلك يجيب الباحث: "هم يفكرون هكذا وعبر التاريخ كل شيء ممكن فلو تنقطع الجرايات أو الأدوية ولو لشهر
فستخرج الناس، وهؤلاء الذين يذهبون للتعفين هم من الداخل بالتحالف مع فرنسا
والحلف الخليجي.. إذن نقول إن الرئيس بغموضه لا يقدم حلولا ولا يريد الحوار ولا
إعادة الانتخابات وإنما الحكم بطريقته فيعطل، وبالتالي الانخراط في اتجاه التعفين".
انفراج أم تأزم؟
يقول المحلل والأستاذ الجامعي سفيان
علوي في قراءة تحليلية خاصة بالوضع السياسي لـ"عربي21": "بدا الرئيس في
لقائه الأخير بالطبوبي الخميس منزعجا ميالا إلى الدفاع عن نفسه من شبهات تعطيل
الدولة والتمسك برؤيته الأحادية لواقع الأزمة وتشخيصها وتحميل باقي مكونات السلطة
المسؤولية فيها، مصرا على منطق احتكار صفة الرئاسة (رفضه لعبارة الرئاسات الثلاث)
في حين بدا الطبّوبي الأمين العام للاتحاد متفائلا مبشرا بقرب الخروج من النفق
وسلك طريق الحل.. فهل نحن أمام بوادر انفراج فعلا؟".
يتابع الجامعي علوي ليرد قائلا: "يوجد انقسام حاد في السلطة التنفيذية تعطل معه التسيير العادي لشؤون الحكم، تعطل
المحكمة الدستورية وأداء اليمين للوزراء... لكل طرف ما يراهن عليه ولكن يبدو أننا
مقبلون على تسوية ما كما يرشح من خطاب الطبوبي المتفائل ومن حديث النائب السابق
الصحبي بن فرج عن "تسوية بمشاركة الرئيس أو بعدم اعتراضه "في الأيام
القادمة".
بدوره يقول الباحث أحمد الغيلوفي: "ليست
هناك قوة على الأرض يمكنها حسم الصراع وتفرض رأيها، ليست لدينا قوة أمنية أو
عسكرية يمكن أن تنقلب، إذن فهذا الصراع لا يمكن أن ينتج إلا حوارا وكل ما يحصل هو
فقط لتحسين شروط التفاوض وسيذهب إليه الجميع بعد معرفة حصته من ذلك".
ويضيف الغيلوفي: "نحن ذاهبون إلى
حوار دون شك وسيتم تقسيم السلطة بشكل
مختلف عن نتائج الانتخابات (2019)، ولكل طرف سلاحه في ذلك".
وعن سعي عدد من النواب الإطاحة
بالحكومة عبر لائحة سحب الثقة قلل المحلل من ذلك قائلا: "لو استطاعوا لنجحوا
في الإطاحة بالغنوشي مرتين ولكنهم فشلوا، هي عملية لتعفين الوضع لن يقدروا على
فعل شيء. فقط يقومون بالتعطيل لتحسين شروط التفاوض لا أكثر ولا أقل، أكبر كارثة
حصلت لهم خروجهم من الحكم بعد الإطاحة بحكومة إلياس الفخفاخ ولهذا هم يعطلون
ويقومون بتعفين الأوضاع".
آليات دستورية
في كل مرة تشتد الأوضاع تأزما يخرج
رئيس الجمهورية غاضبا متكلما بلغة التهديد والحدة فيخاطب قائلا في الدستور ما يتيح
لي التدخل، فكان اللقاء الأخير برئيس الحكومة الأشد خاصة بعد حادثة سيدي حسين،
واقتحام نواب من قلب تونس لمكتب حاكم التحقيق في علاقة بملف نبيل القروي.
تواصلنا مع الباحث في القانون الدستوري
رابح الخرايفي لمعرفة الآليات المتاحة أمام الرئيس دستوريا لاستعمالها فأوضح
الخرايفي لـ"عربي21" قائلا: "الفصول الدستورية الممكنة التي لمح لها الرئيس هي
الفصول 80 و89 و99، ولكل فصل إجراءات،
وشروط خاصة، ونتائج غير متوقعة، الفصل 80 ينص على أنه في حالة الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن وأمن البلاد، يتم اتخاذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس
نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، لتأمين عودة السير العادي لدواليب
الدولة وهذا الفصل ثار عليه جدل كبير وهو
الذي تعلقت به الوثيقة المسربة والمنشورة والتي لا نعلم صحتها".
ويتابع مفسرا: "فمن حيث توفر شروط
هذا، فهي واقعيا موجودة وهي تصاعد نسق الجريمة ومشاركة نواب من ائتلاف الحاكم في الضغط
على قاضي التحقيق والاعتصام بمكتبه في قضية القروي، ومحاصرة أعوان بلدية الكرم لإذاعة
شمس أف أم، وتعطيل نقل الفسفات، وتعيين وزراء فاسدين وعدم تنفيذ بطاقة جلب في
نائب مطلوب للقضاء".
أما الفصل 89 الذي يمكن رئيس الجمهورية من حل مجلس نواب
الشعب؛ فإن شروط تطبيق هذا الفصل تمر عبر تقديم هشام المشيشي استقالته..
وقتها يراهن رئيس الجمهورية على أن الشخصية التي سيكلفها ستفشل في تكوين حكومة أو
أنها لن تنال الثقة بعد مرور أربعة أشهر من تاريخ التعيين، فيُحل مجلس نوّاب الشعب
ويُدعى إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
وفي ما يتعلق بالفصل 99؛ يوضح الباحث الخرايفي أنه "هو الآخر فرضية من
الفرضيات المطروحة بيد رئيس الجمهورية، وهي أن يطلب من رئيس الحكومة الذهاب إلى مجلس
نواب الشعب للتصويت على الثقة من أجل مواصلة الحكومة لنشاطها. فإن لم يجدد المجلس ثقته فيها
عُدت مستقيلة، ونعود بذلك إلى الإجراءات التي ينص عليها الفصل 89".
خطة "انقلاب الرئاسة" في تونس تثير جدلا واسعا ومخاوف
ما المعادلات الجديدة التي فرضها نصر المقاومة على الاحتلال؟
مطالب بالمصادقة على قانون تجريم التطبيع بتونس