قضايا وآراء

يانع ثمرات الأوراق في مسألة الإشهاد على الطلاق

1300x600
عنوان المقال هو مادة علمية جمعتها مشيخة الأزهر في أيار (مايو) 2016م عندما أثير موضوع (الإشهاد على الطلاق)، وعندما تحدث عبد الفتاح السيسي في خطاب موجها الحديث لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بأن يناقشوا الموضوع، وسارع إعلامه في النهش في المشيخة، مستخدما أدواته من إعلاميين، ومشايخ ممن كان يحب شيخنا الغزالي أن يطلق عليهم: علماء السلطة، ودعاة الشرطة.
 
ولأن الإعلام كان موجها كله في مصر ضد المشيخة: شيخا ومؤسسة وتاريخا، والقضية فقهية بحتة، لا مجال فيها للإعلام إلا من حيث نشر الآراء والنقاش العلمي النزيه، لكن ما تم هو الشرشحة والتلاسن بعيدا عن إثارة الموضوع علميا، وتم تمكين رأي واحد من فرض وجهة نظره، وليس عرض الرأي الفقهي، والآراء الأخرى، شأن كل بحث علمي نزيه محترم.

والقضية ليست وليدة اليوم، بل الأزهر نفسه وعلماؤه الثقات هم أكثر من أثاروا الموضوع كتابة ونقاشا، لكنه كان يناقش من قبل في إطار الرأي الفقهي العلمي، وكانت هناك محاولة لمشروع الأحوال الشخصية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، في عام 1967م، فقد قامت لجنة برئاسة الشيخ محمد فرج السنهوري، بوضع مشروع للقانون وتعديله، فكان نص المادة (109) منه تنص على: (لا يقع الطلاق إلا بحضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين)، ثم بينت دوافعها في ترجيح هذا الرأي، ولم تستقر على وضع المادة.

وقد أخذ بهذا الرأي (اشتراط الإشهاد في الطلاق) من الفقهاء الكبار المعاصرين من الأزهر: العلامة القاضي الشيخ أحمد شاكر، والعلامة الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ علي الخفيف، والدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور عبد الرحمن الصابوني في رسالة دكتوراة نوقشت في الأزهر، والدكتور محمد سلام مدكور، والعلامة الشيخ محمد فرج السنهوري، والعلامة الشيخ محمد الغزالي وغيرهم، وكلهم بلا استثناء من علماء الأزهر المبرزين، الذين لا تربطهم صلة بالسلطة.

وعندما أثير الموضوع في سنة 2016م، قامت مشيخة الأزهر بما يلي: دعوة هيئة كبار العلماء للبحث في الموضوع، وتم تكليف مجموعة من العلماء من كلية الشريعة، وطلب الأزهر من وزير العدل أن ينتدب له قاضيا يكون مخضرما، ولديه علم بقضايا الطلاق، وأهم ما يثار فيها، يجمع بين فقه الطلاق وفقه الواقع وأحواله، وهو ما تم بالفعل، لينقل للمشيخة ولهيئة كبار العلماء واقع قضايا الطلاق، وأهم ما يشكل فيها.

تكونت لجنة من علماء الأزهر، وكلية دار العلوم، تخوفت مشيخة الأزهر أن يرجع المشايخ للمذاهب الأربعة فقط، فقامت بجهد علمي تجميعي، دون إبداء رأي، جمعت فيه الآراء التي ترى أهمية الإشهاد، فجمعت أقوال المذاهب والفقهاء المنفردين في مجلدين كبيرين، وجعلت عنوانه: (يانع ثمرات الأوراق في مسألة الإشهاد على الطلاق)، وقد صدرت المشيخة المادة المجموعة بمقدمة مختصرة لشيخ الأزهر، من المهم قراءتها لأنها تبين نية المؤسسة وطبيعة عملها العلمي، فكتب فيها يقول:

"أعلم أن حضراتكم على علم دقيق، ومعرفة تامة بما تشتمل عليه هذه الأوراق المصورة من المصادر والمراجع والأبحاث المتعلقة بمسألة (الإشهاد على الطلاق).

ونظرا لأن جمعها في ملف واحد ربما يصعب على كثير منا لافتقاد بعض هذه المراجع، أو صعوبة الوصول إليها، فقد آثرت أن أيسر جمعها بين أيدكم، اختصارا للوقت، وإعذارا للعلم، ولحق العلماء في الاجتهاد والرأي.

وإننا لفي انتظار ما يوفقكم الله إليه، وسوف يلتزم الأزهر حرفيا بما تنتهون إليه بعد البحث والاجتهاد، مع دعائي بالتوفيق.

خادم العلم والعلماء
أحمد الطيب".

فالملاحظ هنا: أن مشيخة الأزهر لم تفرض رأيا، ولم تحشد له الإعلام السلطوي للتمهيد له، بل تركت الأمر للبحث العلمي، يقوم به أهله، وأعلنت أن الأزهر سوف يلتزم حرفيا بما ينتهي إليه العلماء، ولم يكن للأزهر من دور سوى أنه هيئ الوسائل والأدوات التي تعين على البحث، دون تدخل في النتيجة التي ستنتهي إليها هيئة كبار العلماء واللجنة التي قامت بالبحث. 

والغريب أن شيخ الأزهر كان رأيه مع الإشهاد على الطلاق، رغم خروج رأي الهيئة بغير ما ينتهي إليه، وخرجت بأن جمهور الفقهاء يرى وقوع الطلاق بدون شهود، ولكن من المهم التوثيق والإشهاد لعدم ضياع حق المرأة، لكن الطلاق دينا يقع على قول جمهور الفقهاء، أما قضاء فيحتاج إلى إثبات كشأن كل معاملة قانونية.

ورغم أن كاتب المقال له رأي مع أهمية الإشهاد على الطلاق، إلا أن قناعة الباحث برأي فقهي، لا يهدر به الآراء الأخرى، سواء قويت أم ضعفت، ولا ينصب له كل أدوات القصف والإرهاب، وكأن قضايا الطلاق ستحل بالإشهاد، وكأن الدولة والنظام قام بكل ما عليه من واجبات لإرساء دعائم الأسرة وبقي الإشهاد على الطلاق، وهو قضية فقهية كما رأينا تحتمل كل الآراء من الوجوب إلى عدمه، لا بأس في ظل الطرح الفقهي النزيه.

لم تكن معركة الطلاق الشفهي، هي الأولى ضد مشيخة الأزهر، ولن تكون الأخيرة، لكني تناولتها اليوم لأدلل بها على مدى فداحة الجريمة التي يقوم بها إعلاميون ومشايخ لا ضمير لهم، ولا أمانة علمية لديهم، هم في الحقيقة أشد إرهابا من السلطة في فرض آرائهم، لا يحركهم البحث العلمي، ولكن يحركهم جهاز السامسونج للأسف، هذا إذا ارتقوا لدرجة عليا أمنيا، أما إذا تسفلوا في الدرجة فيكفي لتحريكهم مخبر أمن وطني.

Essamt74@hotmail.com