أصبح معروفا دوليا أن القضية الفلسطينية أقدم حالة احتلال واستيطان في التاريخ، وأنها نموذج صارخ لاغتصاب الأرض ومن عليها عنوة وبإرادة القوى الكبرى، التي أرادت لها أن تكون "وطنا بديلا" للشتات اليهودي، وملاذا لتنفيذ مشروع إقامة "دولة إسرائيل الكبرى"، كما تصورتها الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين. ومع توالي السنين والأعوام، وتراكم هزائم العرب ونكباتهم، شرع يتشكل وعي مفاده "نهاية القضية الفلسطينية"، وخروج النضال من أجل تحريرها من الاستيطان من التاريخ، أي طي صفحة الحديث عن ملف موسوم "القضية الفلسطينية"، وعن شعب اسمه "شعب فلسطيني"، صاحب قضية، ومالك حق، لا يسقط، ولن يسقط بالتقادم.
يستمد الحق الفلسطيني مشروعيته من أكثر من مصدر، فالأرض ظلت تاريخيا فلسطينية، أقام فوقها أهلها العمران، واستمروا متعايشين ومتسامحين متآزرين، ترمز إلى ديمومتهم في التاريخ عاداتُهم وتقاليدُهم، ونمطُ عيشهم، وأهازيجُهم وفنونهم، والحجارةُ التي تميز واجهات منازلهم، والمزاج العام الذي يطبع الإنسان الفلسطيني ويمدُّه بالتميز والخصوصية عن غيره من الشعوب والأقوام. فحتى وقت ليس بالبعيد لم يكن للوجود اليهودي حضور لافت في فلسطين، كانت أرض فلسطين التاريخية مأهولة بأصحابها، مميزة بأسماء حواضرها ومدنها وقراها وبلداتها، تتساكن فيها المساجد إلى جانب الكنائس.
مع توالي السنين والأعوام، وتراكم هزائم العرب ونكباتهم، شرع يتشكل وعي مفاده "نهاية القضية الفلسطينية"، وخروج النضال من أجل تحريرها من الاستيطان من التاريخ، أي طي صفحة الحديث عن ملف موسوم "القضية الفلسطينية"، وعن شعب اسمه "شعب فلسطيني"
يُدرك الإسرائيليون قبل غيرهم، أن إسقاط حق الفلسطينيين في أرضهم مشروع فاشل، وغير قابل للإنجاز في كل الأحوال، وأن قوتهم التي بنوها بدعم مناصريهم من الغرب لن تستطيع ثني إرادة ذوي الحق في استرداده
صحيح أن ميزان القوة بين طرفي الصراع غير متكافئ، ومختل لصالح إسرائيل، وصحيح أيضا أن هناك تأرجحا بين الصمت الدولي غير البريء، والانحياز المكشوف لإسرائيل من جهة، وتصاعد أصوات التنديد في عواصم العالم والبلاد العربية من جهة أخرى، إلا أن البربرية الإسرائيلية ما زالت مستمرة، ومحرّض عليها من قبل قادتها، وفي مقدمتهم رئيس حكومتها، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تفتر أو تتراجع حدتها، بل ما زال منسوبها عاليا ومستمرا، بل وواثقا من أن النصر حليفها، لأنها صاحبة الحق أولا وأخيرا.
تذكرت وأنا أتابع، بألم كبير، ما يجري القدس وغزة وفلسطين عموما، مقالا قرأته قبل سنوات خلت لكبير الصحفيين العرب "كامل زهيري" (1927-2008)، بعنوان: "مائة سنة من المفاوضات مع إسرائيل"، يؤكد من خلاله خطورة الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية، وصعوبة، إن لم نقل استحالة توصل العرب إلى مفاوضات سالكة، وذات نتائج إيجابية مع الإسرائيليين.. لذلك إذا كان هناك من درس مستخلص مما يجري في فلسطين، فهو أن الرهان على تحقيق تفاهمات مع إسرائيل، تحت أي مسمى، لا يعدو أن يكون ضربا من الطوباوية والمثالية ليس إلا.
في الرد على أن صواريخ المقاومة هي الملومة
رعب أكبر سوف يجيء.. حماس والمعادلة الجديدة