قضايا وآراء

من سردية مكافحة الفساد إلى سردية محاربة الإرهاب والتطرف

1300x600
بعد زيارته الأخيرة إلى مصر، يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد يتجه نحو حسم تموقعه النهائي على الخارطة السياسية داخليا وخارجيا، ويبدو أننا نخرج نهائيا من زمن المجازات والإيحاءات لندخل زمن الخطاب المباشر أو الدرجة الصفر من قابلية التأويل.

فمنذ وصوله إلى قصر قرطاج، حرص السيد قيس سعيد على استهداف حركة النهضة انطلاقا من "دورها" السياسي السلبي - أي باعتبارها جزءا من الحزام الحزبي لمنظومة الفساد منذ المرحلة التأسيسية - وليس انطلاقا من "هويتها الأيديولوجية". لقد تجنب الرئيس قبل "الرحلة المصرية" إدارة الصراع ضد حركة النهضة بمنطق المنظومة القديمة وحلفائها في اليسار الثقافي، أي تجنب مواجهتها باعتبارها جزءا من حركات "الإسلام السياسي" المهددة للنمط المجتمعي التونسي. ولكن يبدو أن هناك قرارا داخليا – قد يكون مربوطا بإملاءات خارجية فرضتها المتغيرات الجيواستراتيجية في المنطقة - بالتصعيد ضد حركة النهضة، باعتماد مفردات الصراع الهوياتي وروحها الاستئصالية الصريحة أو الضمنية.

لقد جاءت تصريحات الرئيس التونسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس المصرى المشير عبد الفتاح السيسي - وما تلاها من تصعيد خطابي ضد "الإسلاميين" خلال كلمته للشعب التونسي بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم - لتعكس تغيرا مؤكدا في استراتيجية الصراع ضد حركة النهضة.

فالنهضة لم تعد في خطاب الرئيس مجرد مكوّن من مكوّنات منظومة الفساد (ولذلك يدار الصراع معها سياسيا مثلها مثل بقية العائلات الإيديولوجية الأخرى المتورطة في الفساد "المُمأسس")، بل أصبحت جزءا من حركات الإسلام السياسي التي ينبغي أن يدار الصراع معها على أساس "وجودي"، بحكم ارتباطها علنا أو سرا بـ"الإرهاب" و"التكفير". فحركات الإسلام السياسي - حسب هذه المقاربة التي تتبناها أغلب "القوى الديمقراطية" ومن يتحالف معها إقليميا ودوليا - هي خطر وجودي على الدولة وآليات تنظيمها للاختلاف وإدارتها له، بل هي خطر على "الإسلام" ذاته لأنها تحرّفه وتنحرف به عن جوهره وعن مقاصده الأصلية.

رغم حرص الرئيس منذ بدايات ظهوره الإعلامي على تمييز "محافظته" أو "تدينه" عن أطروحات "الإسلام السياسي"، ورغم وجود دلائل سابقة على ميل الرئيس التونسي للمحور الفرنسي- الإماراتي- السعودي (راعي الثورات المضادة في المنطقة والعدو الأول لحركات الإسلام السياسي)، لم يسبق للسيد قيس سعيد أن أظهر "تماهيا" مع مواقف هذا المحور مثلما أظهر خلال زيارته لمصر وبعدها. وبصرف النظر عن التقييمات المختلفة لدوافع هذه الزيارة وغاياتها، حرص الرئيس التونسي على أن تكون زيارته لمصر مناسبة ليبعث برسالتين أساسيتين؛ أما الرسالة الأولي فهي شرعية "الانقلاب" المصري الذي جاء ليقاوم الحركات المتطرفة الساعية إلى تقسيم المجتمع، وأما الرسالة الثانية فهي إمكانية "التعاون" مع مصر، والاستفادة من تجربتها الناجحة في مقاومة حركات "الإسلام السياسي" و/أو "الإرهاب".

يبدو أن زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى مصر لم تكن إلا مناسبة لإحياء بعض "فانتازمات" و/أو مخاوف تَونسة الانقلاب العسكري المصري. ونحن على يقين من أن ما قام به الرئيس سعيّد من "تبييض" للنظام العسكري المطّبع مع الكيان الصهيوني، وما أضفاه من "شرعية" على انقلابه وعلى ممارساته القمعية، لم يكن موجّها في الحقيقة لدعم النظام المصري وحلفائه الإقليميين (فالرئيس يعلم جيدا أن الموقف التونسي لا وزن له واقعيا)، بقدر ما كان موجّها إلى الداخل التونسي قصد تحسين شروط التفاوض في الأزمة السياسية الحالية.

ونحن نرجّح أن الرئيس وحلفاءه الإقليميين قد انتبهوا إلى أنّ سردية مقاومة الفساد ورفض التطبيع قد فقدت قوتها التفاوضية، وهو ما يستدعي الالتجاء لسردية أثبتت فعاليتها في إضعاف حركة النهضة وابتزازها: سردية محاربة التطرف والإرهاب، أو سردية الدفاع عن النمط المجتمعي التونسي.

بعد أن أثبتت الكثير من الوقائع زيف الادعاءات "الطهورية" والثورية للرئيس، وبعد أن تأكد للرأي العام التونسي أن رئيسه ليس إلا "ظاهرة صوتية". يبدو أن السيد قيس سعيد وفريقه يتوجهون إلى "إحياء" الصراع الهوياتي ضد حركة النهضة والتصدر لقيادته - أو اقتسام تلك القيادة مع عبير موسي - بحثا عن اكتساب نقاط مهمة في تحديد طبيعة موازين القوة داخل النظام السياسي الحالي. ومهما كانت الأسباب العميقة لهذا الارتكاس في مقاربة الصراع السياسي، لا شك عندنا في لا صوابية التوجه المؤذن بإعادة البلاد إلى أجواء الصراع الهوياتي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الوضع التونسي في مختلف الأصعدة.

twitter.com/adel_arabi21