نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا مشتركا، فريدا من نوعه، لقادة كل من الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، في إطار ما يعرف بـ"الحوار الأمني الرباعي"، تعهدوا فيه بتحقيق "الأمن والانفتاح والحرية والازدهار" بمنطقة المحيط الهندي- الهادئ.
جاء ذلك بعد قمة هي الأولى من نوعها جمعت القادة الأربعة، عبر الإنترنت، الجمعة، لبحث المضي في التحالف، الذي لا يخفي عزمه مواجهة تنامي قوة الصين ونفوذها في المنطقة، ما أثار تساؤلات حول إمكانية ظهور نسخة شرقية لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
مخاض التشكيل
وتعود نشأة التحالف الرباعي بنسخته الحالية إلى عام 2017، بدفع من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن نواته ظهرت في الواقع نهاية عام 2004، في إطار عمل مشترك لمساعدة اليابان في مواجهة تداعيات "تسونامي"، وهو ما أشار إليه القادة الأربعة في مقالهم، الذي ترجمته "عربي21".
وعام 2007، اقترح رئيس الوزراء الياباني السابق، تشينزو آبي، تطوير الرباعي إلى مبادرة أمنية، وقد احتجّت الصين الفكرة حتى قبل أن تترجم على أرض الواقع.
لكن الجهود بهذا السياق سرعان ما انهارت بانسحاب أستراليا، عام 2008، وكشفت وثائق "ويكيليكس" أن الأخيرة اتخذت الخطوة "إرضاء للصين"، وهو ما يعتقد أنه ارتبط بـ"انقلاب ناعم" على رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك، كيفن رود، إزاء المخاوف من علاقاته ببكين.
وتكلل مخاض طويل بعودة التئام الرباعي، أخيرا، لكن جهود إدارة ترامب أبطأتها سياساته التي كانت توصف بـ"الانكفائية"، ليأتي بايدن بدفعة جديدة للمبادرة، وسط تؤكد عزمه توسيعها، لتصبح مخاوف الصين من "ناتو" آسيوي يستهدفها أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.
اقرأ أيضا: مستشار الأمن القومي لبايدن يحدد ملامح العلاقة مع الصين وإيران
ورغم خلو مقال القادة الأربعة في "واشنطن بوست" من أي ذكر صريح للصين، إلا أنهم شددوا مرارا على عزمهم المضي بتعاون كبير لتأمين منطقة جنوب شرق آسيا وضمان بقاء مياهها مفتوحة، في إشارة صريحة للاتهامات الموجهة إلى بكين بمحاولة الهيمنة على المنطقة وتهديد أمنها عبر الانتشار العسكري المتزايد في مياهها، ولا سيما في الأجزاء المتنازع عليها.
وقال القادة الأربعة: "نحن نعيد التزامنا برؤية مشتركة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بأن تكون حرة ومنفتحة ومرنة وشاملة.. ويحكمها القانون الدولي والمبادئ الأساسية مثل حرية الملاحة والحل السلمي للنزاعات، وأن تكون جميع البلدان قادرة على اتخاذ خياراتها السياسية الخاصة، دون إكراه. في السنوات الأخيرة ، تم اختبار تلك الرؤية بشكل متزايد. لقد عززت تلك المحاكمات عزمنا على مواجهة التحديات العالمية الأكثر إلحاحا معا".
وأضافوا: "لقد عملت حكوماتنا عن كثب لسنوات. ويوم الجمعة، ولأول مرة في تاريخ "رباعية"، اجتمعنا كقادة لتعزيز التعاون الهادف على أعلى مستوى. لتعزيز سعينا نحو منطقة مفتوحة وحرة، اتفقنا على الشراكة لمواجهة التحديات التي تطرحها التقنيات الجديدة والتعاون لوضع القواعد والمعايير التي تحكم ابتكارات المستقبل".
وشدد القادة على عزمهم "تجديد وتعزيز شراكاتنا في جنوب شرق آسيا، بدءا برابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان)، والعمل مع جزر المحيط الهادئ، وإشراك منطقة المحيط الهندي لمواجهة هذه اللحظة".
خطوات عملية.. وحدود التعاون
وبحسب ما كشفه مسؤول أمريكي لوكالة "رويترز"، فإن أولى الخطوات العملية في إطار مواجهة الصين تتمثل في تعزيز قدرات الهند في إنتاج وتصدير لقاحات فيروس كورونا المستجد، لمحاصرة استخدام بكين لهذه الورقة في تعزيز نفوذها حول العالم.
كما ستسعى الدول الأربعة إلى تعزيز التعاون في مواجهة خلافات كل منها مع العملاق الآسيوي، فضلا عن تكثيف جهود استقطاب المزيد من الحلفاء في المنطقة، والدوريات البحرية والمناورات العسكرية، بحسب تقرير لموقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية "أن بي آر".
لكن تقرير "أن بي آر"، الذي ترجمته "عربي21"، سلط الضوء على ما قال إنها "حدود" للتعاون القديم- الجديد.
اقرأ أيضا: حقائق صادمة عن الإنفاق العسكري الأمريكي.. من يصنع الرعب؟
وعلى الرغم من فتح آفاق جديدة خلال القمة، "إلا أن هناك حدودا لما يمكن أن تحققه المجموعة الرباعية، كما يقول المحللون، وما إذا كان بإمكانها أن تنمو لتصبح مجموعة أمنية أكثر رسمية على غرار حلف الناتو".
وينقل التقرير عن "جيف كينغستون"، مدير الدراسات الآسيوية في حرم اليابان بجامعة "تمبل"، قوله إن السياسيين اليابانيين "يحبون التحدث بحزم بشأن الصين.. ولكن فيما يتعلق بإضفاء الطابع المؤسسي على الرباعية على غرار حلف الناتو ، فأنا لا أتوقع حدوث ذلك".
وأضاف: "لا أعتقد أن هناك شغفا في طوكيو للقيام بذلك. لذا أعتقد، بالنسبة للمستقبل المنظور، ستكون المجموعة الرباعية مفهوما مثيرا للاهتمام، وستشكل ورؤية واستراتيجية، لكنني لا أعتقد أنها ستترجم بسرعة إلى بعض نوع من ترتيب الناتو".
وفي بحث نشر الأربعاء، أشارت "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" إلى أن الرباعية "تعاني من نقص في الهدف وعدم وجود تعريف".
وأفاد البحث بأنه "إذا نظرت دول أخرى في آسيا إلى الرباعية على أنها أكثر من مجرد متجر لمناقشة المخاطر التي تلوح في الأفق التي يشكلها صعود الصين من خلال إجراء تدريبات عسكرية مشتركة في بعض الأحيان، فمن غير المرجح أن ترى الدول الأخرى فائدتها أو تنظر إليها على أنها نموذج لها".
وأضاف: "لتحقيق القيادة (في المنطقة)، يجب على دول المجموعة الرباعية أن تثبت بالأفعال، وليس فقط بالكلمات، أنها تقدم مساهمات كبيرة في حل التحديات الاقتصادية، والأزمات العابرة للحدود، والمخاطر البيئية الأكبر التي تشغل بال الجميع تقريبا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، وهو ما استبعد البحث تمكن الرباعي من تحقيقه قريبا، مقابل تسارع خطوات الصين في ترسيخ تحالفتها والمصالح المتبادلة مع دول في المنطقة، ما قد يقود إلى تسخين للمشهد لاحقا.
مراقبون يقرأون "الثوابت" التي أعلنها قيادي بتحرير الشام
ماذا تعني عقوبات أمريكا الجديدة على قائدين بـ"الحوثي"؟
إلى أين تسير أزمة "نووي إيران" بعد أكثر من شهر على تولي بايدن؟