تُسارع القوى
الفلسطينية في تحضير نفسها للانتخابات التشريعية و"الرئاسية" والمجلس الوطني التي من المفترض أن تنطلق في 22 أيار/ مايو، وفي 1 تموز/ يوليو، وفي 1 آب/ أغسطس على التوالي، حسب الاتفاق مع حركة "فتح" بقيادة الرئيس
محمود عباس.
بعد تجاوز النقاش بشأن أهمية تقديم صيغة التوازي على صيغة التوالي في انتخابات التشريعي و"الرئاسة" والمجلس الوطني، لضمان إعادة بناء المرجعية القيادية العليا للشعب الفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها الوطني) خشية تكرار
ما حصل في انتخابات العام 2006، فإن الحالة الفلسطينية اليوم باتت تتحدّث وتستشرف نتائج العملية الانتخابية ومخرجاتها؛ التي بلا شك ستكون انعكاساً لمستوى التوافق أو التنافس بين القوى الفلسطينية ذات البرامج السياسية المتباينة أو المتعارضة، كما أنها ستكون انعكاساً لمستوى تأثير وتدخل القوى الإقليمية والدولية بما تملكه من تأثير سياسي وأمني واقتصادي، وفي مقدمتها
الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ بالتدخل لصالح فريق "أوسلو" وضد فريق المقاومة عبر التهديد أو الاعتقال.. ناهيك عن الموقف الأمريكي ودول "الاعتدال العربي" كالسعودية ومصر والإمارات..
العملية الانتخابية ومخرجاتها؛ التي بلا شك ستكون انعكاساً لمستوى التوافق أو التنافس بين القوى الفلسطينية ذات البرامج السياسية المتباينة أو المتعارضة، كما أنها ستكون انعكاساً لمستوى تأثير وتدخل القوى الإقليمية والدولية بما تملكه من تأثير سياسي وأمني واقتصادي
في هذا السياق، ولتحصين الحالة الفلسطينية من التدخل الخارجي ومن فرضية حصول انعطافة سلبية ولو محتملة في موقف وسلوك الرئيس محمود عباس، فإننا سنتوقف في هذا المقال عند نقطة واحدة فقط جديرة بالنقاش لأهميتها على مستقبل العملية الانتخابية، وتحديداً إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية
والتمثيل الوطني.
فقد أصدر الرئيس محمود عباس "قراراً بقانون لسنة 2021، في 12 كانون الثاني/ يناير 2021، بشأن تعديل قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة"، ينص في مادته رقم (2): "تستبدل عبارتا: السلطة الوطنية، رئيس السلطة الوطنية أينما وردت في القانون الأصلي بعبارة: دولة فلسطين، رئيس دولة فلسطين".
كما ينص في مادته رقم (3): "تُعدّل المادة (2) من القانون الأصلي، لتصبح على النحو التالي: يُصدر رئيس دولة فلسطين.. مرسوماً رئاسياً.. يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أو أي منهما في فلسطين..".
كما ينص في مادته رقم (4): "تُعدّل المادة (3) من القانون الأصلي، لتصبح على النحو التالي: تجرى الانتخابات لمنصب الرئيس بالاقتراع العام المباشر الحر والسري..".
تلك المواد من قرار الرئيس بقانون؛ تفتح النقاش على الأمور التالية:
أولاً: الانتخابات الرئاسية القادمة هي انتخابات لرئيس دولة فلسطين بالاقتراع المباشر، وليس لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا يعني وفقاً لمقتضيات العدالة وشرعية التمثيل الوطني، أن يقوم الشعب الفلسطيني في عموم فلسطين والخارج (أكثر من 13 مليون فلسطيني) بانتخاب رئيسه، ولكن ما سيجري وفقاً لهذا المرسوم، فإن من سينتخب الرئيس هم الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة (خمسة ملايين فلسطيني)، ما يعدّ تعدياً ومصادرة لحق أغلبية الشعب الفلسطيني في اختيار من يمثله.
اقتصار انتخابات الرئاسة الفلسطينية على جزء من الشعب يحمل في طيّاته تخوفات على مستقبل الفلسطينيين في الخارج، وحقهم في التمثيل الوطني لأهم المواقع السيادية موقع الرئيس رئيس السلطة التنفيذية، وما قد يعكسه ذلك من تخوفات على حقهم في العودة
ثانياً: إن اقتصار انتخابات الرئاسة الفلسطينية على جزء من الشعب يحمل في طيّاته تخوفات على مستقبل الفلسطينيين في الخارج، وحقهم في التمثيل الوطني لأهم المواقع السيادية موقع الرئيس رئيس السلطة التنفيذية، وما قد يعكسه ذلك من تخوفات على حقهم في العودة التي هي أحد أهم ملفات التفاوض التي تضطلع بها السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس عباس أو الرئيس القادم. فهل يصبح الفلسطيني بحاجة لإعادة تعريف الهوية والانتماء والحقوق، فيصبح الفلسطينيون على درجتين: واحدة لمن ينتخب الرئيس بموجب المرسوم أعلاه في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأخرى لمن هم خارج حدود فلسطين التي عرّفها المرسوم بالضفة الغربية وقطاع غزة؟
ثالثاً: نصَّ المرسوم على "يُصدر رئيس دولة فلسطين.. مرسوماً رئاسياً.. يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أو أي منهما في فلسطين"، وفي هذا إشارة إلى مكان وجغرافيا عقد الانتخابات الرئاسية. فالمكان المذكور في المرسوم هو "فلسطين"، أي أن المرسوم أعلاه، علاوة على أنه يُعرّف الفلسطيني صاحب الحق في اختيار الرئيس هو الفلسطيني فقط المتواجد على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه يحدد أيضاً جغرافيا فلسطين وجغرافيا الدولة الفلسطينية المستقبلية في الضفة الغربية وقطاع غزة حصراً، ما يعني إعادة تثبيت شرعية الاحتلال في فلسطين المحتلة عام 1948 دون توافق وطني، وهذا يحمل في طيّاته خطورة بدلالته السياسية القانونية التي قد تعني الإلزام بشكل أو بآخر لكافة القوى الفلسطينية التي ستدخل أو تشارك في الانتخابات العامة وفقاً لمراسيم الرئيس، رئيس دولة فلسطين.
رابعاً: حاصل النقاط السابقة يعدّ استمراراً لطغيان وهيمنة سلطة "أوسلو" على سلطة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الذي يتمتع بحقه مجتمعاً في تحديد من يمثله، كما له كامل الحق في رفض أو قبول أية اتفاقيات سياسية معنية بتحديد مستقبل وشكل الدولة الفلسطينية ومساحة أراضيها.
استمرار لطغيان وهيمنة سلطة "أوسلو" على سلطة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني الذي يتمتع بحقه مجتمعاً في تحديد من يمثله
خامساً: هذا المرسوم وتلك المقدمات في العملية الانتخابية، تُفسح مجالاً للشك في ما يرمي إليه أو يخطط له الرئيس عباس، بمعنى؛ ماذا لو أوقف الرئيس عباس المسار الانتخابي عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، وأغلق الباب على إعادة بناء المجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار أنه قد حاز الشرعية في تمثيل "الفلسطينيين" بصفته رئيساً منتخباً لدولتهم العتيدة، وكمقدمة لاستعادة مسار التسوية السياسية؟
استناداً لما سبق، فإن القوى الفلسطينية معنية اليوم بتحصين المسار الانتخابي قبل أن يبدأ، بعيداً عن مسألة النوايا والثقة، فالسياسة واقع مليء بالمفاجآت خاصة عندما نتحدث عن فلسطين والصراع العربي الصهيوني الواقع تحت تأثير العديد من الفاعلين الكبار، والذين يسعون بأغلبيتهم لتثبيت قدم فريق "أوسلو" على ما سواه، تمهيداً لاستعادة حيوية المسار السياسي التفاوضي بموجب القرارات الدولية ذات الصلة، والمبادرة العربية للسلام، واتفاقيات "أوسلو" الموقّعة.