قال الحقوقي الجزائري البارز، وأحد قادة الحراك الشعبي، عبد الغني بادي، إن "الحراك جاهز الآن تماما لإعادة السيول البشرية إلى الشوارع في كل ربوع الوطن".
وتابع بأن العودة "ستكون أكثر قوة وشجاعة، وأكثر إرادة لتغيير حقيقي هذه المرة"، مؤكدا أن "دعوات استئناف الحراك الاحتجاجي منطقية ومقبولة، وهي الطريق الوحيد الذي يملكه الشعب الجزائري للحصول على انتقال سياسي حقيقي".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الشعب الجزائري خرج في حراك لأكثر من سنة بكل سلمية وبكل حضارية، ولم تحدث أي تجاوزات أو ما يسمى أعمال شغب، لكن هناك مَن هو داخل السلطة الذي يريد إفساد الحراك، وإفساد هذه التظاهرات التي تطالب بالتغيير الحقيقي؛ فالسلطة تريد أن ترسم طريقا أحاديا حتى تبقي على نفس منظومة الحكم، وتهدف لمشهد سياسي لا يؤدي لانتقال السلطة".
وأشار بادي إلى أن "الإرادة السياسية الشعبية التي تدعو لعودة الحراك من جديد هي إرادة تنطلق من منطق أن الانتقال السياسي لم يحدث، وأن السلطة صادرت مرة أخرى الإرادة الشعبية من خلال انتخابات لم تؤسس لأي ديمقراطية، ولم تؤسس حتى لخيار الشعب".
"الوعاء الانتخابي للسلطة فارغ تماما"
وأوضح القيادي البارز بالحراك الشعبي أن "هناك مَن انخدع ببعض الخطط السلطوية من خلال مشاهد مسرحية، لكن حتى هؤلاء الذين سايروا السلطة في انتخابات 12 كانون الأول/ ديسمبر 2020، التي نُصّب من خلالها عبد المجيد تبون، الآن هم في حالة غضب، وحالة رفض لما حدث، وخاصة بعدما اتضحت الصورة على أن المشهد أسوأ مما كان عليه".
وأكمل: "حتى أولئك الذين قالوا إن تبون، والعصبة المحيطة به، سيقضون على الوصاية الفرنسية، بدأوا في السخط عليه بعدما رأوا تصريحاته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورأوا أن التدخل الفرنسي ما زال يلقي بظلاله بشكل كبير.
وبالتالي، فالوعاء الانتخابي للسلطة صار فارغا تماما، والعودة للشارع صارت قاب قوسين أو أدنى، ربما في أواخر شباط/ فبراير الجاري ستعود الحشود للشارع، وستعود السيول البشرية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي بكل سلمية وحضارية ورقي".
وبشأن مستقبل الحراك، رأى بادي أنه "لا يمكن الحكم على سيكولوجيا الجماهير، والأمر مرتبط بتجاوز السلطة الحد، فقد يؤدي ذلك لحدوث حالة غضب عارمة، لكني أؤكد أن الأخطاء والتجاوزات التي قامت بها السلطة في السنة الأخيرة (أواخر 2019 وأوائل 2020) كانت تجاوزات غير مقبولة، وكان فيها الكثير من التجاوز ضد إرادة الشعب لكي تفرض السلطة منطقها".
"الشعب لا يهتم بصحة تبون"
وحول أبعاد حالة الصحية للرئيس عبد المجيد تبون، قال: "الرأي العام لا يهتم كثيرا بحالته الصحية؛ فهذا الأمر لا يشغلهم بقدر ما يشغلهم الوضع السياسي (الصحي) في الجزائر، وقد سبق وطالب المواطن الجزائري بتطبيق النصوص الخاصة بشغور منصب رئيس الجمهورية أواخر عهد عبد العزيز بوتفليقة، وسرعان ما تفطن بأن الأمور أكبر من تلك النصوص، بقدر ما هي مرتبطة بنظام سياسي متجذر يحتاج لمعالجة جذرية وعميقة".
واستطرد الحقوقي الجزائري البارز قائلا: "إبعاد تبون أو إبقائه بسبب وضعه الصحي لن يغير من الوضع شيئا إذا ما بقيت السلطة السياسية تتبع نفس المنهج الذي تبعته بعد إزاحة بوتفليقة؛ فالمواطن الجزائري الآن يحتاج لتغيير جذري وليس تغيير الوجوه فقط".
وتابع: "الذين جاءوا بتبون، ونصّبوه كرئيس للدولة يفكرون الآن في إمكانية إيجاد مخرج لأنفسهم وللنظام السياسي، ولا يفكرون في مخرج للوطن أو للشعب الجزائري، وربما لديهم تصورات لما يسمونه النهج الدستوري أي أنهم قد يفكرون في تفعيل المواد الدستورية المتعلقة بحالة الشغور – حال تدهور صحته مستقبلا - أو حتى دفعه للاستقالة والمضي في نفس النهج الذي اُتبع لإبعاد بوتفليقة، من خلال إجباره على الاستقالة ثم تنصيب رئيس مجلس الأمة لفترة مؤقتة، والدخول في مرحلة انتقالية دستورية، وأعتقد أنهم سيسلكون هذا النهج؛ لأنه النهج الذي يخدمهم، والذي يُبقي على منظومة الحكم بخلفيتها الصلبة، ويضع واجهات يمكن تسييرها من خلف هذه الخلفية".
وشدّد على أن "التغيير من الأمور المعقدة جدا، وليس بالأمر السهل؛ فهو يحتاج إلى شجاعة وإرادة سياسية، ولنكون أكثر وضوحا: إن تغيير الأنظمة العربية بصفة عامة عملية مُعقدة ترجع لعدة اعتبارات، منها طبيعة الأنظمة، وعلاقات هذه الأنظمة، وتجذرها من خلال شبكاتها الداخلية والخارجية. لذا فالتغيير يحتاج إلى وقت طويل، لكن يمكن أن نسير وفق مراحل محددة حتى نصل بعد فترة للتغيير المنشود، أما التغيير الآني أو الذي يأتي دفعة واحدة فهو مستبعد جدا".
"العسكر يتدخلون في كل الأزمات"
وعن طبيعة دور المؤسسة العسكرية، قال: "كان للعسكر تدخل واضح في كل الأزمات التي مرت بها الجزائر منذ عام 1958 مرورا بأزمة الصراع على السلطة في 1965، والأزمة التي تلت وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، وحتى الانقلاب على الشرعية بعد فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992، وحتى الفترة التي أبعد فيها بوتفليقة رأى العالم كله كيف كان يتدخل قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح في المسائل السياسية".
وزاد بقوله: "الآن يشاهد العالم قائد الأركان سعيد شنقريحة وهو يطرح الآراء السياسية، ويُنظّر للانتخابات وللدستور. كل هذا يؤكد قوة المؤسسة العسكرية في التأثير على العملية السياسية والمستقبل السياسي، وفرض منطق الجيش على الممارسة السياسية في الجزائر".
وأردف: "قد نختلف حول الأشخاص، بمعنى هل الذين يتصدرون المشهد الحالي هم أصحاب القرار الفعلي أم لا؟، أعتقد أن هناك خلفية صلبة تمتد بعلاقاتها وجذورها إلى خارج بلادنا، لما نلاحظه من تأثير بعض الدول الغربية مثل فرنسا وروسيا على السياسة في الجزائر، من خلال تدخلات مباشرة وغير مباشرة، لكن يبقى القرار الأساس رهينة لدى المؤسسة العسكرية".
انسحاب الجيش من الحياة السياسية
ويعتقد الحقوقي الجزائري البارز أن "المؤسسة السكرية كما لها دور في العملية السياسية بشكل لا يمنح الحقوق والحريات السياسية للمواطن، يمكنها أن يكون لها دور في تفعيل عملية سياسية حقيقية إذا أرادت ذلك بصدق، وإذا أرادت تفعيل الديمقراطية، وتطوير العملية السياسية بشكل نزيه دون التأثير على الإرادة الشعبية، حينئذ يكون دورها إيجابيا جدا".
ويتابع: "لذا، فإن انسحاب المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية يمكن من خلاله أن تفرض الديمقراطية. أما بقاء المؤسسة العسكرية بهذا الشكل وظهور رموزها في وسائل الإعلام العامة، وتقديم خطابات سياسية يعطي انطباع أن الحياة السياسية مُصادرة، وأن منطق المؤسسة العسكرية هو السائد والغالب، لكني أتمنى أن تكون هناك رجاحة في العقول، ونوايا صادقة، ما يمكّن الخروج بالجزائر من العملية السياسية المعسكرة".
كما رأى أن "هناك توجها شعبيا واسعا نحو إبعاد المؤسسة العسكرية؛ فالمواطن الجزائري الآن شعاره الأساسي في كل مكان (دولة مدنية وليست عسكرية). والآن هناك وضوحا جيدا في الرؤية بالنسبة لتدخل الجيش، لذا نجد المواطن يمارس اعتزالا حقيقيا لهذه الممارسة السياسية التي يرعاها العسكر أو الجهاز الأمني، من خلال رفض أي تعامل مع هذه المؤسسات غير الدستورية التي أتت عن طريق التعيين".
وتابع: "كما نجد قطيعة واضحة لآليات المواطنة من ناحية الممارسة السياسية، وهناك قطيعة مع الإعلام، وفي ذلك تعبير منه عن غضبه وعدم رضاه. لاحظ أن الاستفتاء على الدستور لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه 20%، رغم أنهم صرّحوا بأن النسبة 23%، لكن الكل يعلم أن هذا الرقم مُبالغ فيه، وهذه القطيعة يمكن أن تساعد على انسحاب المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية، والتسليم بالأمر الواقع والمساهمة في دمقرطة الحياة السياسية خارج العسكر".
الأوضاع الحقوقية لا تختلف عن التسعينات
وانتقد بادي حالة الحقوق والحريات في الجزائر اليوم، بقوله إن "أوضاع حقوق الإنسان لم تعد تختلف كثيرا عما كانت عليه خلال فترة التسعينات، فبعد الانقلاب العسكري عام 1992 حدثت انزلاقات حقوقية كثيرة، مثل الاختطاف القسري، والإعدام خارج إطار القانون، وأمور خطيرة حدثت أدت لـ 250 ألف قتيل، و20 ألف مختطف، وأزمة حقوقية ما زالت تلقي بظلالها على واقع الشعب الجزائري".
وأضاف: "دعني أقول بأن الواقع منذ حزيران/ يونيو 2019 أن السلطات شرعت بأوامر عسكرية كانت واضحة في تصريحات الراحل أحمد قايد صالح، وكان صريحا في توجهاته نحو الاعتقالات، وحتى اليوم الاعتقالات متواصلة بشكل يومي، فهناك مَن يُعتقلون فقط بسبب كتاباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، وهناك مَن يعتقل لمشاركته في وقفة احتجاجية، والمحاكمات للنشطاء يومية تقريبا، وتشهدها كل ربوع الوطن".
وأشار بادي إلى أن هناك "محاكمات لكل الفئات (شيوخ، وطلبة، ونساء، ومفكرين، وحقوقيين، وسياسيين)، وهذا يعطي انطباعا بأن الوضع الحقوقي هش للغاية، ناهيك عن التضييق على وسائل الإعلام، وعدم ترك أي مساحة لممارسة العمل السياسي الحقيقي سواء عن طريق الأحزاب أو الجمعيات، لأن السلطة السياسية ترى أنهم يشكلون معارضة حقيقية، فالوضع الحقوقي أقل ما يوصف به أنه أسوأ مما كان عليه في عهد بوتفليقة".
ونوّه إلى أن "عدد المعتقلين بسبب كتابات على منصات التواصل الاجتماعي يبلغ حتى الآن 70 معتقلا، وذلك وفقا لإحصائيات حقوقية. وهنا يجب التأكيد على أمر مهم، وهو أن السلطة تقوم بتخفيض الأعداد بشكل خبيث، فعدد المعتقلين منذ 2019 تجاوز 500 معتقلا، إلا أنها تفرج عن مجموعة ثم تقوم باعتقال آخرين، ففي شهر كانون الثاني/ يناير 2021 أعلنت الإفراج عن 13 معتقلا بموجب أحكام قضائية، لكنها بعد ذلك مباشرة اعتقلت 10 آخرين".
واستطرد الحقوقي الجزائري قائلا: "عمليات الاعتقال المتواصلة، والتي لا تتوقف، تقوم بها الدوائر الأمنية، لكي تمارس سياسة أمنية تعتمد على كثير من التحايل على الرصد الحقوقي؛ فعدد المتابعات أمام المحاكم الآن يتجاوز الآلاف من الذين يُعبّرون عن آرائهم ومواقفهم السياسية".
وبسؤاله عن رؤيته لأحكام تبرئة بعض رموز النظام السابق، قال: "لا يمكنني الحديث عن ذلك في ظل محاكمات لم تؤسس في مرحلة انتقال سياسي حقيقي، خاصة أن المنظومة القضائية التي لا تقوم على قواعد ديمقراطية، ولا قواعد انتقال سياسي حقيقي، لا يمكنها أن تؤسس لمحاكمات قضائية عادلة؛ لذا فإشكالية الأحكام العادلة لأولئك الذين حصلوا على أحكام قاسية أو الذين حصلوا على أحكام بالبراءة تبقى محاكمات مثيرة للجدل، ولم تنعقد في ظل انتقال سياسي، لذا فالحكم عليها لا يمكن أن يكون حكما منصفا بأي حال من الأحوال".
أكاديمي جزائري: الحراك الشعبي أسقط ورقة التوت عن الجيش