"لن أستقيل أنا جندي في خدمة هذه البلاد"، بهذه الكلمات رد رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الجمعة، على الدعوات المطالبة باستقالته جراء أزمة اليمين الدستورية بعد التغيير الحكومي الأخير.
وتضع أزمة تعثر التغيير الوزاري بين رأسي السلطة التنفيذية بتونس (حكومة ورئاسة)، رئيس الحكومة هشام المشيشي، أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما انسحاب الوزراء محل الجدل أو استقالة المشيشي. بحسب محللين.
ولا يتضمن الدستور في فصوله ما يفيد بدعوة رئيس الجمهورية الحكومة إلى الاستقالة، ولكن يمكنه طلب التصويت على منح الثقة للحكومة لمواصلة عملها، في حين يمكن تقديم لائحة لوم ضد الحكومة من قبل النواب شرط أن تحصل على 109 أصوات، ويشترط سحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية وتقديم مرشح بديل يصادق على ترشيحه في نفس الجلسة ويكلف بعدها من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الفصول 89/97.
أما تقديم رئيس الحكومة لاستقالته فبذلك تعتبر الحكومة بأكملها مستقيلة وتقدم الاستقالة لرئيس الجمهورية الذي يعلم بها رئيس مجلس النواب.
انفراج أم ورطة
ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في حديث لـ"عربي21" بخصوص الأزمة السياسية بتونس: "الآن نحن في أزمة سياسية متواصلة مع تصعيد من الرئاسة والحكومة، ولكنه تصعيد يسبق عادة التوصل إلى حل وسط، أصبح واضحا أنه لا وجود لحل دستوري جدي وشامل وبالتالي لا بد من البحث عن منفذ سياسي من جميع الأطراف".
اقرأ أيضا: قانونيون للمشيشي: حل الأزمة مع رئيس الجمهورية "سياسي"
وعن طبيعة الحل يرد الجورشي مفسرا: "عندما ننتقل إلى حل سياسي نكون عند مسألة هل هناك حد أدنى من التنازل عند الجميع، واللجوء إلى الأحزاب السياسية المتحكمة في المعادلة البرلمانية أو الحكومية، وهنا الحزب المساند للحكومة (النهضة) اختار الشارع بشكل رمزي بمعنى تحريك الشارع لأجل هدف أساسي وهو أن رئيس الحكومة ليس معزولا والأحزاب المساندة لن تسمح بأن ينفرد رئيس الجمهورية وأنصاره بالمشيشي بالتزامن مع دعوته ودفعه للاستقالة".
حديث الجورشي عن صراع ولكنه ينتهي إلى الحل، يتلاقى وتصريح رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي حين قال: "تونس ستتجاوز أزمتها الحالية كما تجاوزت كل أزماتها السابقة، فالتونسيون كثيرا ما يتصارعون على حافة الهاوية لكنهم لا يسقطون".
من جهته يؤيد الكاتب والمحلل السياسي نور الدين علوي التوقعات بوجود بوادر انفراج للأزمة السياسية بتونس على الرغم من تصاعدها خلال الساعات الأخيرة وتعطل لغة التواصل بين سعيد والمشيشي.
وتوقع علوي في قراءة لـ"عربي21" أن "رئيس الجمهورية محشور في الزاوية وهو في ضعف، مقابل قوة في الطرف المقابل وتغليب لغة الحوار والوساطة وخاصة الخارجية وهنا نتحدث عن فرنسا كقوة نافذة في تونس، وهذا معلوم للعيان فالمصالح الفرنسية لا ترضيها الفوضى وخاصة بعد خسارة نفوذها في ليبيا".
ويستشرف علوي حل الأزمة قائلا: "الفوضى لا تخدم أحدا نبحث عن وساطة وترضية الجميع بالتراجع خطوة للوراء".
والأمل في الانفراج يقابله تشكيك لأن كل المؤشرات تحيل على الانسداد والتأزم حيث يعتبر الناشط والمحلل السياسي عدنان منصر في قراءة تحليلية لـ"عربي21" أن "ثمة ورطة كبيرة جدا، والدستور لم يقدم حلولا لها"، مضيفا: "نحن في وضعية مظلمة حقيقية ومأزق بلا حلول قانونية ودستورية، الصراع السياسي الحقيقي هو بين قيس سعيد وراشد الغنوشي أما المشيشي فهو ثانوي، وعليه لا حل إلا سياسيا ولا بد لأحد الأطراف من الانسحاب وشخصيا لا أرى حلا إلا باستقالة رئيس الحكومة".
استقالة المشيشي
ودعت أطراف سياسية مختلفة رئيس الحكومة إلى الاستقالة كخطوة لحلحة الأزمة السياسية وعودة المبادرة لرئيس الجمهورية، فيما وصفت جهات الدعوة "بالعبث" وبالأمر المستبعد، فهل يجبر المشيشي على الاستقالة ويكون الحسم خلال أيام قليلة؟
اقرأ أيضا: تونس.. المشيشي يستشير المحكمة الإدارية بأزمة التعديل الوزاري
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي نور الدين علوي أن "استقالة المشيشي هي أمانٍ لأنصار سعيد لإخراج المشيشي مهزوما وإعادة العهدة للرئيس، وهم يخططون لحل البرلمان والدخول في انتخابات مبكرة".
بدوره استبعد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن تكون استقالة المشيشي أمرا محسوما، قائلا إن "المشيشي لن يقبل والأكثر حزامه البرلماني لأن الكرة ستعود لرئيس الدولة الذي يمكن أن يبحث عن تشكيلة لن ترضي الائتلاف الحالي وبالتالي حل البرلمان".
وخلص الجورشي إلى أن "الحل الممكن والأقرب للواقع هو تخلي المشيشي عن عدد من الوزراء والكل يذهب إلى عمله".
غير أن الناشط السياسي عدنان منصر يعتبر أنه "لا بد من استقالة المشيشي حتى تشكل حكومة قادرة على العمل"، مشددا على أن "الاستقالة بداية الحل، والبلاد تحتاج إلى الانفراج".
وعن مدى قدرة الحكومة الجديدة على نيل الثقة يجيب منصر في حديث لـ"عربي21"، أن "رئيس الجمهورية لا يزعجه ألا تنال الحكومة الثقة فهو يريد حل البرلمان، ولا يمكن للبلاد أن تستمر بهذه الطريقة، فالأمثل الذهاب إلى انتخابات مبكرة تكون خطوتها الأولى بالاستقالة".
المحكمة الإدارية بتونس للحكومة: لسنا جهة اختصاص بالتعديل
ما مصير التعديل الوزاري بتونس بعد تعثر المصادقة عليه؟
مصدر رسمي ينفي لـ"عربي21" إيقاف التعديل الوزاري بتونس