هل خسرت الصين التي استثمرت في السودان خلال
فترة الرئيس السابق عمر البشير، والتي استفادت من توتر العلاقات بين واشنطن
والخرطوم ووضع الأخيرة على قوائم داعمي الإرهاب وفرض عقوبات عليها.
فقد تغيرت الأمور بعد الإطاحة بالنظام السابق،
ومسابقة النظام الجديد لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي وما تلاه من تطبيع
العلاقات مع واشنطن ورفع اسم السودان من قوائم داعمي الإرهاب.
ويرى المراقبون أن تغير المعادلة لا يعني بالضرورة
إشعال المنافسة لدرجة الصراع بين واشنطن والصين على هذا البلد الأفريقي الغني بالموارد
الطبيعية التي تتنوع بين بترول وغاز طبيعي ومعادن وعلى رأسها الذهب، علاوة على امتلاك
السودان أراضي زراعية شاسعة وثروة حيوانية ضخمة، تنتظر الاستغلال.
وتوالت الاتصالات بين الإدارة الأمريكية ونظيرتها
السودانية (الانتقالية)، فشهد شهر كانون الثاني/ يناير المنصرم، زيارة وزير الخزانة
الأمريكي في إدارة دونالد ترامب ستيفن مونشين للخرطوم، وتوقيع اتفاقية تمنح الأخيرة
تسهيلات تمويلية بما يزيد على المليار دولار.
ولم يقتصر الأمر على الجوانب السياسية والاقتصادية،
فيوم الثلاثاء الماضي، أكد نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا
"أفريكوم" أندرو يونغ، أن بلاده ترغب في تقوية علاقتها مع الخرطوم وتعزيز
التعاون العسكري.
في المقابل، لطالما اعتبرت الخرطوم محطة أفريقية
مهمة بالنسبة للصين، وقامت الأخيرة بتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة في السودان لا سيما
في قطاع النفط والإنشاءات.
واتجه السودان إلى الصين لاستخراج النفط عقب
الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة منذ العام 1997، وساعدت الصين السودان في دخوله
إلى قائمة الدول النفطية في العام 1999.
وفي 20 كانون الأول/ يناير الماضي، قالت وزيرة
المالية السودانية المكلفة هبة محمد علي، في تصريحات صحفية، إن "مديونية السودان
لصالح الصين بلغت 2.5 مليار دولار".
فيما تقدر استثمارات الصين في السودان بنحو
15 مليار دولار، بحسب آخر إحصائيات حكومية.
عسكرة أمريكية
الخبير السياسي والأستاذ بعدد من الجامعات
السودانية حاج حمد محمد، رأى أن التوجه الأمريكي نحو أفريقيا بشكل عام والسودان بشكل
خاص، ظل يأخذ طابعا عسكريا في ما يشبه "عسكرة صراع الأسواق"، فـ"السلاح
والتدريب" هو مدخل الولايات المتحدة لهذه الدول، بحسب وكالة أنباء
"الأناضول" التركية.
وأضاف: "تهدف واشنطن دائما لمحاولة استغلال
السودان لمزيد من الهيمنة الأمريكية وتبعية البلاد للأسواق العالمية".
واستدرك محمد: "لكن كالعادة لا تستطيع
أمريكا والدول الأوروبية الاستمرار في ذلك، بحكم أنها ليست ذات نفس طويل في التنمية
لبلد كالسودان".
وتابع: "في المقابل، الصين تتوفر لها
ميزات من الصعب إزاحتها عن المشهد في أفريقيا والسودان بصفة خاصة، فهي تملك اقتصادا
قويا ولا تتدخل في شؤون البلاد التي تتعامل معها".
وأوضح أن "الصين لها القدرة على التعامل
مع السودان لأنها تقدم شروطا عبر نظام مرن يسمح بالتسديد على فترات طويلة للديون، وليست
كأمريكا والغرب التي تستنزف الموارد أولا بأول".
علاقات الصين لن تتأثر
ويرى عدد من المحللين أن التقارب الأمريكي
مع السودان لن يكون ذا تأثير في علاقات الأخيرة بالصين، باعتبار أن بكين دائما ما قدمت
مشاريع تنموية ذات جدوى للخرطوم ولم تكن ذات يوم مهتمة بمن هو في السلطة بقدر ما تبحث
عن مصلحة الطرفين.
وعن شكل المنافسة بين بكين وواشنطن على الكعكة
السودانية، رأى السفير السابق ومدير إدارة الأمريكيتين بوزارة الخارجية السودانية الرشيد
أبو شامة، أن التقارب الأمريكي لن يؤثر على علاقة السودان بالصين.
وقال: "السودان في الفترة الانتقالية
يسير بتوازن في علاقاته الخارجية وهذا ينطبق على العلاقات مع الصين".
وأوضح أبو شامة أن تولي جو بايدن، رئاسة الولايات
المتحدة كفيل بتغيير توجهات سلفه ترامب الأكثر عدائية، وهذا التغيير سيمنح السودان
فرصة مواصلة علاقته الجيدة مع الصين ما دامت هي ماضية في استثماراتها في مجال النفط.
ودرجت الصين على تقديم مساعدات للدول الأفريقية
الفقيرة، تتمثل في إعفاءات الديون، مقابل الاستحواذ على إنشاء المشاريع التنموية وتقديم
القروض لإقامة المنشآت العامة.
احتمالات ضئيلة
متفقا مع أبو شامة، رأى مدير هيئة الخرطوم
للصحافة والنشر (حكومية) يوسف حمد عبدالله، أن احتمالات نشوب صراع أمريكي صيني حول
السودان تبدو ضئيلة، وذلك بالاستناد إلى ما حدث من إدارة ترامب التي لم تبدِ أي رد
فعل إزاء اضطلاع بكين بدور في تقديم دعم للخرطوم، رغم أن سياسته حيال أفريقيا تركزت
على مواجهة روسيا الاتحادية والصين.
وأشار عبد الله إلى أنه من الضروري انتظار
وضوح خطة الرئيس بايدن، على الأقل في الـ200 يوم الأولى من حكمه.
وعدد عبدالله مزايا العلاقة بين السودان والصين،
قائلا: "تعد الصين الشريك التجاري الأكبر للسودان، إلى جانب كونها المستثمر الأكبر
في النفط عبر شركتها (الشركة الوطنية الصينية للبترول) المملوكة للحكومة".
وتراجع إنتاج السودان النفطي بعد انفصال جنوب
السودان في 2011، من 450 ألف برميل يوميا إلى 70 ألفا.
وأوضح: "صناعة البترول محبطة للغاية في
السنوات الأخيرة جراء السياسات الحكومية في السودان، وآفاق النفط المستقبلية التي راكمت
ديونا مستحقة، وبالتالي باتت الشركات الصينية وغيرها من الشركات الماليزية والهندية
أكثر ترددا إزاء التوسع في الاستثمارات النفطية، ما يعني أنه لا شيء ذا أهمية حالية
يمكن النزاع حوله، سواء بشكل علني أو مستتر".
ومضى عبدالله قائلا: "وكذلك الصين مهتمة
بشكل أكبر بتمتين مبادرة الطريق والحزام التي تبنتها ضمن خطة أوسع للتوسع التجاري في
أفريقيا، لكن مع ذلك ليس من المحتمل أن يكون السودان هو (عظمة النزاع) مع الولايات
المتحدة المهتمة أكثر بالخرطوم ودعم الانتقال الجاري".
وبشكل عام، تبدو الخرطوم أكثر تفاؤلا بانخراطها
في المجتمع الدولي عقب إزالة اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب".
يذكر أن السفير الصيني في الخرطوم أكد في وقت سابق العام الماضي أن الصين مستعدة للوقوف مع الحكومة السودانية الجديدة عبر استراتيجيات تعزيز التعاون بين البلدين وفقا للمميزات الخاصة لكل دولة.
وأضاف أن الصين على استعداد للعب دور فاعل فى تنمية الاقتصاديات الإقليمية مثل تلك التى تقع على حدود البحر الأحمر والنيل، هذا إلى جانب توسيع دائرة التعاون في المجال الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والتعدين، والنفط، والقدرات الإنتاجية، والطيران، والموانئ ومجالات البنى التحتية الأخرى المدرجة في إطار مبادرة الحزام والطريق، أو في إطار منتدى التعاون الصينى الأفريقي أو في إطار منتدى التعاون الصيني العربي.
تعرف إلى أرخص لقاحات كورونا وأكثرها فاعلية
مشرعون بارزون يطالبون بايدن بتعديل علاقة أمريكا بالسعودية
رغم "الاختراقات".. أروقة حكم أمريكية لا تزال حكرا على البيض