صناعة "البطل"، تلك هي المعضلة الأساسية التي يسعى الاحتلال إلى محوها من الذاكرة العربية والفلسطينية، تصادف ذلك في عدة مواجهات عسكرية بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال.
بعد انتهاء المواجهات، كانت المهمة الأصعب بالنسبة للاحتلال هي محو "صورة البطل" وعدم ترسيخها في الذاكرة الفلسطينية وعدم تسويقها إعلاميا بأي وسيلة كانت، وتشويه "صورة البطل" الفلسطيني، حدث ذلك في مواجهات مخيم جنين وفي استشهاد الطفل فارس عودة وفي استشهاد الطفل محمد الدرة وفي مواقف عديدة.
الفلسطيني سعيد عرمة (51 عاما) لم يفعل شيئا خطيرا، ولم يقم بعملية عسكرية، ولم يضبط وهو يطلق الرصاص على الاحتلال، وليس من قادة أو منتسبي المقاومة، لكنه اشتهر خلال الأيام الماضية كأيقونة في المواجهات، وأصبح ملهما، وهنا الخطورة بالنسبة للاحتلال.
وهكذا كان من الضروري وأد "البطولة" وهي لا تزال بذرة قبل أن تنمو وتصبح شجرة زيتون معمرة يصعب اقتلاعها.
اقرأ أيضا : الاحتلال يعتقل مسنا بعد شهرته كأيقونة فلسطينية بالمواجهات
فقام الاحتلال باعتقال عرمة بعد مداهمة منزله في قريته دير جرير شرقي رام الله بعد أن ظهر الأسبوع الماضي وهو يرمي الحجارة بواسطة مقلاع يدوي تجاه قوات الاحتلال.
وكان "أبو العبد"، قد قال في تصريحات تلفزيونية بعد المقطع الشهير له: "إن الحجر والمقلاع هي أدواته التي يقاوم بها الاحتلال الإسرائيلي، كونها هي المتوفرة لديه فقط."
وقال: "إن الفلسطيني ترسخ لديه شعور بعدم الخوف، وشعور بضرورة الرباط على الأرض في وجه الاحتلال".
وأثار عرمة إعجابا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن واجه قوات الاحتلال المدججة بالأسلحة كانت عن مسافة قريبة للغاية. وشوهد "أبو العيد" مرات عدة وهو يواجه قوات الاحتلال والمستوطنين ويرابط يوميا في الأراضي المستهدفة، ويدعو لمقاومة الاحتلال ومستوطنيه حيث لقب في قريته بـ"شيخ الجبل".
وداهمت قوات الاحتلال منزل عرمة واعتقلته بعد أن قامت بتكبيله وتعصيب عينيه ونقلته إلى جهة مجهولة.
الاعتقال تأخر أسبوعا ولم يقم به الاحتلال إلا بعد تحول "أبو العبد" إلى "رمز للمقاومة"، فالصورة التي ظهر فيها عرمة وهو يرتدي الحطة والعقال والثوب التقليدي، تعود إلى اليوم الأول من العام الحالي خلال مواجهات بين سكان من البلدة وجنود الاحتلال، دفاعا عن أراضيهم ومزارعهم في منطقة جبل الشرفة، التي تخطط سلطات الاحتلال لإقامة بؤرة استيطانية فيها.
سعيد عرمة يعمل سائق حفلة في إحدى مدارس البلدة وهو من جيل "الانتفاضة الأولى" عام 1987، انتفاضة الحجارة، وهو يستذكر هذه الانتفاضة مؤكدا أنها "من الذكريات الجميلة، التي تبعث الأمل بوجود نَفَس للمقاومة".
آخر تصريحات "أبو العبد" قبل اعتقاله كانت رغبته في أن "تتوحد الفصائل الفلسطينية، وأن تكون صفا واحدا، وبندقيتها واحدة تجاه عدو واحد". بحسب قوله.
رافضا التخلي عن الزي التقليدي حتى في المواجهات، يقول: "العمر واللباس لا تأثير لهما على من يريد رفض الاحتلال". مضيفا: "لا أشعر بالخوف على الإطلاق، ولو كنت خائفا لما ذهبت إلى هناك".
وقرية دير جرير، المستهدفة من قبل المستوطنين والاحتلال، تقع شمال شرق مدينة رام الله وتبعد عنها 13 كم وتقع على ربوة تشرف على الغور، وترتفع 900 متر عن سطح البحر، وتقع على طريق رئيسي وتتمتع بموقع حيوي متوسط يربط الشمال بالجنوب ووسط فلسطين.
وتبلغ مساحة أراضي القرية حوالي 33.200 دونم، وتزرع فيها أشجار الزيتون والتين والعنب وغيرها من الفواكه، وتحيط بها أراضي قرى كفر مالك، والمزرعة الشرقية، وسلواد، والطيبة، وقضاء أريحا. ويبلغ عدد سكان القرية 6 آلاف نسمة.
وأدانت جميع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، اعتقال عرمة، واعتبرته نوعا من "الإفلاس والفشل في النيل من عزيمة الشعب الفلسطيني". وبأن "صورة عرمة، أيقونة مشرقة في تاريخ شعبنا تعبر عن شدة عزيمته وقوة إرادته وحيويته وبسالته في مواجهة الاحتلال". بحسب بيانات متقاربة أصدرتها الفصائل من بينها "فتح" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي".
"عربي21" تكشف قساوة مركز "المسكوبية" الإسرائيلي للتحقيق
قضية فلسطين 2020.. التطبيع فوق الطاولة والضم تحتها
"فتيان التلال".. مستوطنون يتصدرون سرقة أراضٍ فلسطينية