قد تكون سنة
2020 إحدى أسوأ أزمات
النفط في السنوات العشر الأخيرة، مسجلة سابقة تاريخية في بلوغ أسعار برميل الخام الأمريكي إلى مستويات يحكى عنها في الأحلام، حينما بلغت حوالي ناقص 38 دولارا (-38) يوم 21 نيسان/ أبريل 2020، وذلك لعقود أيار/ مايو.
2020 عام المفارقات الصعبة للصناعة النفطية
وليست هذه المفارقة وحدها، إنما شهدنا صراعات جمة تبدأ في البحث عن كيفية الاتفاق بين اللاعبين الكبار وصولا إلى الانهيارات، قبل أن تجمع كورونا جميع المعنيين على قاعدة "مجبر أخاك لا بطل"، في اتفاق ضم الجميع علانية وضمنيا، حيث اللعب على حافة الهاوية في أسواق هشة واقتصادات متراجعة عالميا، وما نتائج الربعين الأولين من سنة في كبرى
اقتصاديات العالم، إلا مؤشرا واضحا لما جرى في الأسواق. وعلى ما يبدو ما مرَّ لم تنته مفاعيله حتى الساعة على دول بعينيها، كالعراق ونيجيريا والجزائر، حيث الموازنات المرهقة بفعل دخول النفط المتدنية.
إن السنة المنصرمة (2020) ضربت معظم أسواق
الطاقة الحديثة التقنية، كالنفط الصخري الأمريكي، في الصميم، حيث ضعف القبول على الاستثمارات في ظل انهيار الأسعار، بما في ذلك الطاقة الخضراء والطاقة المتجددة ومشاريعها والاستثمارات المرصودة لها، التي أعتقد أنها ما عادت في الحسبان في ظل خروج منظومة الإقبال عن مسارها، والتي تحتاج عودة التعافي للاقتصاد العالمي كي تتمكن من العودة إلى خارطة الاستثمارات في سوق الطاقة المتشعب، حيث الاقتصاد العالمي الغارق بتقديرات صندوق النقد الدولي عن ركود هائل وطويل وخسائر عالمية، تصل إلى ما يفوق 12 تريليون دولار أمريكي. لا شك أن حصة الطاقة ومشتقاتها تشكل الحصة الوازنة فيها، وذلك قبل كوفيد الجديد المتحور الذي بدأ في الانتشار ضاربا بقوة على مسارات التعافي وحاجزها النفسي المتوقع.
لذلك، وبالرغم من اللقاح الجديد ومسارات الجدل التي تلاحقه، إلا أنه من الواضح للعيان عجز الولايات المتحدة وتحالف أوبك بلاس عن التعامل مع انخفاض الطلب على النفط بسبب جائحة كورونا، ولا أبلغ من سلسلة التدخلات الدبلوماسية، ومراجعة الميزانيات، وعجز الموازنات، بالإضافة إلى خسائر الإيرادات وإفلاس الشركات وارتفاع نسب البطالة نتيجة انخفاض أسعار النفط. فكلها عوامل تجعلنا نتساءل عما إذا كانت الطاقة في العام الجديد (
2021) يمكن أن تشهد مرحلة انتقالية في ظل الحديث عن عودة الاقتصاد العالمي إلى التعافي، وهو أمر محفوف بالمخاطر للسنتين القادمتين.
توقعات جديدة
على صعيد الإنتاج والأسعار، قال مسؤولون نفطيون؛ إن تحالفا من منتجي النفط بقيادة السعودية يدفع أوبك وحلفاءها، لا سيما روسيا، لزيادة إنتاج النفط بدءا من الربع الأول للعام الجديد، وسط دلائل على عودة الطلب إلى مستوياته الطبيعية بعد عمليات الإغلاق المرتبطة بالفيروس، ووسط توقعات عبر المعنيين بأن الطلب النفطي ربما سيبلغ 99.53 مليون برميل في العام 2021، وذلك على أساس تراجع الانكماش الاقتصادي وحدوث انتعاش قوي في الاقتصادات الآسيوية، لا سيما الصين والهند، وعليه يرجح أن تكون الأسعار بين 45 و50 دولارا.
ومن المتوقع بحسب العديد من البيوت الاستشارية النفطية، أن يبلغ متوسط الأسعار خلال العام الجديد 53 دولارا للبرميل، على أن تواصل أسعار النفط دورة الانتعاش النفطي لتصل إلى 58 دولارا للبرميل في الأعوام اللاحقة حتى العام 2023، وربما نشارف على سعر 60 دولارا مع ما يحمله من مخاطر على خامات أوبك، لأنه تلقائيا سيبث روح العودة القوية للخامات الصخرية الأمريكية وينذر بعودة حفاراتها للعمل، وفي ذلك ربما عودة لحرب الأسعار والحصص على غرار الماضي القريب.
مسارات 2021 هل تبشر بالخير؟
وعليه، فإن الأيام النفطية القادمة في عام 2021 لا بد أن تعول على مجموعة من العوامل الأساسية لعودة المسارات النفطية إلى حياتها الطبيعية عبر مؤشرات بالغة الدلالة؛ أولها، توفر أكثر من لقاح (من أمريكا عبر فايزر وموديرنا، وصولا إلى اللقاح الروسي الذي بدأت موسكو بنشره وتوزيعه على مواطنيها، واللقاح الصيني حيث باشرت به دول عدة)، وعمليات التلقيح آخذة في التوسع، وبذلك سيكون اللقاح أحد الأسباب الرئيسية وراء ظهور قطاع الطاقة في أفضل أداء على مدار الأسابيع القادمة.
أما ثاني الأسباب، فقد تمظهر عبر توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الأحد الماضي (27 كانون الأول/ ديسمبر 2020) بضغط من الكونغرس؛ على خطة تحفيز جديدة للاقتصاد قيمتها 900 مليار دولار، تمنح إعانات للأسر والشركات الصغيرة المتضررة من وباء كورونا. كما صادق ترامب على قانون تمويل الوكالات الفيدرالية، وهو ما سيمنع حصول إغلاق حكومي، وتاليا بشرى بفتح الاقتصادات تدريجيا.
أما ثالثها، الذي لا بد من الوقوف عنده؛ فهي قرارات منظمة أوبك وحلفائها (أوبك+) الأخيرة، حيث سياسة اللعب على الحافة والرقص على حافة الهاوية بالمعنى الاقتصادي والإنتاجي، وتاليا سياسة المخاطر المحسوبة والمتفائلة، علما أن المخاطر الكبيرة ستكون في الالتزام بسياسة الحصص للدول ومدى حسن التطبيق، الذي في حال فشله سيكون كارثيا على المنظمة نفسها من جهة، وكل أسواق الطاقة العالمية من جهة أخرى.
ولكن، من الواضح أن أكبر منتجين للنفط، المملكة العربية السعودية والاتحاد الروسي، قد ذاقا الأمرّين في العام المنصرم، ومن ثم أصبحا مجبرين على صياغة اتفاقات محسوبة بميزان الذهب للمرحلة المقبلة. فالدروس القاسية من انهيار أسعار النفط في نيسان/ أبريل 2020 لا تزال حاضرة في الذهن، وعليه، فمن غير المرجح أن تعود أوبك+ إلى حصصها السوقية وحروب الأسعار في أي وقت قريب، وإلا أضحت كمن يطلق الرصاص على نفسه، وتاليا يقتل اقتصاده بيديه.
الصناعة النفطية: عام تفاؤل حذر
مع بروز الحالة التفاؤلية للربع الأول من 2021 في صناعة النفط ومساراتها الإنتاجية، لكنْ لا بد من سياسة الحذر من "كوفيد 19" وتقلباته المهلكة، حيث الخوف من العودة للإغلاقات الكبرى القاتلة من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من إبقاء العين مفتوحة على عدة تحديات أساسية، تبدأ من الرؤية الأمريكية للعديد من الملفات الجيو- استراتيجية في العالم والمنطقة، لا سيما مع التنين الصيني، وإمكانية إعادة بلورة صياغ اقتصادية ومالية وحتى عسكرية جديدة (ستارت الجديدة لدخول الصين فيها بالإضافة إلى أمريكا وروسيا) مع إدارة بايدن، مضافة إليها كيفية العودة وآلياتها للإدارة الأمريكية الجديدة للمشاكل البيئية العالمية، وفي مقدمتها الاحتباس الحراري وإحياء اتفاق باريس للمناخ والانخراط فيه بالقوة اللازمة ماليا ولوجيستيا، بعدما انسحب ترامب منها ومن العديد من الاتفاقات الدولية.
وبما لا يقبل الشك، سيكون للمسار الأمريكي- الإيراني بصمة أساسية في عام 2021، لا سيما في عالم الصناعة النفطية من جهة، والتسوية السياسية والاقتصادية الكبرى والشاملة لكثير من ملفات المنطقة العالقة من صنعاء إلى بغداد ودمشق وبيروت، وربما صفقة قرن جديدة بصيغة معدلة، من جهة ثانية.