قضايا وآراء

سنة على ظهور وباء "كورونا المستجدّ"

1300x600

حلّت الذكرى السنوية الأولى لظهور وباء "كورونا" المستجد في مدينة "ووهان" الصينية، التي تُعد عاصمة مقاطعة "هوبي"، الأكثر اكتظاظا من حيث السكان (11 مليون نسمة)، كما أنها المركز الصناعي والاقتصادي الرئيسي لوسط الصين، حيث تحتوي على العديد من مصانع إنتاج الحديد والفولاذ، كما توجد فيها واحدة من أكبر الجامعات الصينية، أي جامعة ووهان، وجامعة ووهان للتكنولوجيا. ولأن أول إصابة لهذا الوباء ظهرت أول مرة في هذه المدينة، فقد امتدّ صيتها إلى كل بقاع العالم، وأصبح اسمها الأكثر تداولا على صعيد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وعلى مستوى منصّات التواصل الاجتماعي.

يُذكر أن منظمة الصحة العالمية صنفت وباء كورونا بـ"الجائحة" في 11 آذار/ مارس 2020، في أعقاب انتشاره في الكثير من المقاطعات إبان أعياد السنة الصينية الجديدة، قبل أن يشرع في الانتشار في العديد من دول العالم بسبب حركات السفر والاختلاط ابتداء من شهر كانون الثاني/ يناير 2020 (تايلاند، اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، الولايات المتحدة الأمريكية، هونغ كونغ، سنغافورة، ماليزيا، كمبوديا، ألمانيا، إيران، والإمارات العربية المتحدة، ثم عموم الأقطار الأوروبية). وقد تسارعت وتيرة انتشاره ليغزو القارات الخمس، ويصبح ثلثا سكان العالم معنيين به، وخاضعين لإجراءات الاحتراز منه والتصدّي له.

إن جدلا واسعا عمّ العالم بخصوص فعالية اللقاحات على المدى المتوسط والبعيد، وقدرتها على الحد من انتشار الوباء والقضاء عليه نهائيا

يُسارع العالم برمته من أجل الخروج من الزقاق الذي وجد نفسه سجينا له جرّاء هذه الجائحة. فعلى الرغم من كل الجهود الكبيرة التي بذلها علماء الأوبئة والمراكز المتخصصة، والتي أثمرت عن توفير لقاحات شُرع في تطعيم الناس بها في الكثير من بلدان المعمورة، ما زال القلق مستمرا، والخزف من المستقبل ضاغطا على نفوس الكثيرين، بل إن جدلا واسعا عمّ العالم بخصوص فعالية اللقاحات على المدى المتوسط والبعيد، وقدرتها على الحد من انتشار الوباء والقضاء عليه نهائيا.

فمن اللافت في تصريحات المجامع العلمية والمؤسسات البحثية الدولية ذات العلاقة أن اللقاحات آمنة وفعالة بنسبة عالية، وأنها ستساعد البشرية على الخروج التدريجي من زقاق الوباء، لكن ثمة نقاطا وأسئلة لا يمتلك العلماء إجابات قطعية ونهائية عنها، وتحتاج إلى اختبارات وتجارب إضافية، من قبيل مدى فعالية اللقاحات على المدى الطويل، كما هو حال بعضها التي قضت تماما على الفيروسات الفتاكة، وأصبحت في مجملها إجبارية لدى العديد من الدول، ثم مدى نجاعة نتائج الفحوصات السريرية التي تمّ إجراؤها على آلاف المواطنين.

لا شك أن البشرية ستحتفظ في ذاكرتها بسنة 2020، وستسعى بانتظام إلى استحضار فصول المعاناة التي عاشها مواطنوها مع الجائحة، ووثقوا آثارها المدمرة والعميقة لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ففي زمن قياس لم يتجاوز بضعة شهور اختلَّت كل الموازين، وتغيرت أحوال الناس رأسا على عقب، ووصلت الفتك خلالها إلى قرابة المليونين (1.774.170) نسمة، بينما أصاب الوباء ما يفوق 81 مليون شخص (81.247.315) مصاب، ناهيك عن الأمراض النفسية التي تعرضت لها فئات واسعة من المواطنين، لا سيما الموجودة في أوضاع العَوز والفقر والهشاشة المستدامة. لذلك، تعكف عديد من المراكز البحثية على دراسة الآثار النفسية لجائحة كورونا، والاختلالات التي ترتبت عنها داخل الأسر، وفي أماكن العمل، والتي تضافرت معها حالات الانكماش الاقتصادي والتجاري التي مسّت كل دول المعمورة، فعرّضت قطاعات واسعة إلى شبه الإفلاس، كما هو حال قطاعي السياحة والطيران، وما يرتبط بهما.
البشرية ستحتفظ في ذاكرتها بسنة 2020، وستسعى بانتظام إلى استحضار فصول المعاناة التي عاشها مواطنوها مع الجائحة، ووثقوا آثارها المدمرة والعميقة لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية

تتوقع العديد من الدراسات أن خروج العالم من زقاق الجائحة لن يتحقق قبل سنتين أو ثلاث سنوات قادمة (2022-2023( ، وهناك من يرى أن العودة إلى الحالة الطبيعية، إن سارت الأمور بشكل طبيعي وفعال، لن تكون قبل العام 2024. وهو ما يعني أن أمام البشرية تحديات توجب تضافر الجهود من أجل التغلب عليها بشكل مشترك وجماعي. فمواجهة الوباء من خلال اللقاح وتطعيم المواطنين جميعهم يحتاج إلى إمكانيات، وهو ما ليس ميسرا لكل الدول، فدول كثيرة تعاني من عُسر الإمكانيات المالية واللوجستية للحصول على اللقاحات اللازمة لتطعيم مواطنيها. لذلك، هناك حاجة ماسة لخلق شروط التضامن لتعميم الاستفادة من اللقاحات المتاحة، والانخراط الجماعي في تجاوز هذه المرحلة، على الرغم من الجدل القائم، والتخوفات المثارة بخصوص فعالية اللقاحات، وكفاءتها على حفظ الأمن الصحي العالمي.

يُتوقّع أيضا أن تحتاج عملية إعادة تنشيط الاقتصاد، وإرجاع معدلات نموه إلى حالتها الطبيعية إلى الكثير من المتطلبات، أبرزها استعادة حرية التبادل الدولي، والتنقل دون تعقيدات أو قيود، وزرع الثقة في نفوس أصحاب الاستثمارات بشقيها الداخلي والخارجي، لا سيما وأن الجائحة فرضت ظروفا جديدة لم يعرفها الاقتصاد الدولي من قبل.

كما أن العالم مطالب أولا بترميم ما دمرته الجائحة، أو كانت مسؤولة عن جموده وتوقفه. وقد أبانت العديد من الدراسات والتقارير المنجزة من قبل المراكز البحثية المتخصصة، والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، كم كانت كلفة الجائحة، وكم فقدت الاقتصاديات الدولية من أرصدتها جرّاء هذا الوباء. لذلك، يحتاج الاقتصاد، هو الآخر، إلى سنوات لاستعادة عافيته، إن سارت الأمور كما يجب أن تسير.. ففي المحصلة سيكون لوباء "كورونا المستجد"، بعد مرور سنة على ظهوره، ما بعده، بعد ما كان له من معاناة، وأحزان، وفقدان للأحبة والأصدقاء، وانسداد الآفاق، وحيرة الناس وارتباكهم أمام مصيرهم الجماعي المشترك.