أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء حملات التوقيف والاعتقال التعسفي التي تنفّذها قوات الأمن بحق مواطنين وطلبة في الجزائر، مشددًا على ضرورة التزام السلطات بسياسة ضبط النفس في تعاملها مع الاحتجاجات المتجددة في البلاد.
وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيانٍ صحفيٍ له اليوم، أرسل نسخة منه لـ "عربي21": "إنّ السلطات الأمنية استدعت يوم الأربعاء الماضي 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، الطالب الجامعي قيس ولد عمار من ولاية تيبازة، وعندما وصل إلى جهة الاستدعاء تم التحقيق معه، وأُحيل بعد ذلك إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة شرشال الواقعة في إقليم اختصاص غرب تيبازة، والذي بدوره أحاله إلى قاضي التحقيق الذي قرر إيداعه في الحبس المؤقت بتهمتي التحريض على التجمهر والمساس بأمن الدولة لحين محاكمته.
وبيّن الأورومتوسطي أنّه حصل على إفادات تثبت استمرار السلطات التنفيذية في الجزائر لا سيما الأمنية منها، باستخدام القوة والترهيب والاعتقال في التعامل مع التظاهرات التي تجدد انطلاقها في الخامس من أكتوبر الماضي بعد توقف التظاهرات الشعبية التي عمت البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا، مشيراً إلى أن تجدد التظاهرات في الشهر الماضي جاء بالتزامن مع إحياء مسيرات أكتوبر من عام 1988 والتي كانت أهم نتائجها إلغاء نظام الحزب الواحد وفتح باب الحريات وتأسيس النقابات والصحف المستقلة عن سيطرة الدولة.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ الأجهزة الأمنية الجزائرية اعتقلت في أحدث حملة شنتها 42 ناشطًا، تم عرضهم على "وكيل الجمهورية" لدى محكمة "سيدي محمد" بالعاصمة الجزائرية، لينضم هؤلاء المعتقلون لمجموعة من الشباب الذين اعتُقلوا تعسفيًا منذ عدة أسابيع؛ وهم "محمد أمين بلمختار"، و"محمد حمالي"، و"العيد العزاوي" و"وليد حمزاوي".
ووفق الأورومتوسطي، يقبع في السجون الجزائرية منذ بدء الحراك الشعبي في شباط (فبراير) من العام الماضي، 81 على الأقل من معتقلي الرأي، (11) منهم في العاصمة الجزائر، و(10) في ولاية "أدرار"، و(9) في ولاية "برج بوعريرج"، والبقية متوزعون على باقي الولايات.
وقال الأورومتوسطي: "إنّ إحدى المحاكم المحلية في العاصمة الجزائرية وتحديدًا في تاريخ 21 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أصدرت أحكاما بالسحن غير النافذ بحق تسعة من الناشطين الذين تم توقيفهم في التظاهرات التي أقيمت في العاصمة الجزائرية في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر)، بمناسبة ذكرى انتفاضة أكتوبر 1988، كما أدانت محكمة "سيدي محمد"، وسط العاصمة الجزائرية، ستة من الناشطين بعقوبة السجن غير النافذ لمدة ستة أشهر بعد توقيفهم وإيداعهم في السجن لمدة أسبوعين قبل النطق بالحكم.
وقال المستشار القانوني في المرصد الأورومتوسطي محمد عماد إنه "على الحكومة الجزائرية التحلي بسياسة ضبط النفس في تعاملها مع المتظاهرين ومطالبهم المشروعة، باعتبار أن حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي مصونة ومحمية بموجب العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة".
وشدد عماد على أنّ "التعامل الأمني وسياسة الاعتقال التعسفي والتوقيف أمر خطير وغير مقبول كونها تشكل انتهاكًا غير مبرر لقواعد القانون الدولي، فضلاً عن ضرورة قيام الحكومة الجزائرية بالإفراج الفوري عن كافة معتقلي الرأي، والالتفات لحل المشكلات التي انطلقت من أجلها التظاهرات بدلًا من استخدام القوة في مواجهة المتظاهرين".
وأكّد الأورومتوسطي أنّ أي سلوك يمس الحقوق الأساسية للمواطنين أمر غير مقبول ويشكل انتهاكًا يوجب المساءلة القانونية، مطالبًا السلطات الجزائرية باحترام قواعد القانونين الدولي والجزائري على حد سواء، واللذين كفلا حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي في العديد من النصوص القانونية ومنها المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على أن "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
وشدّد على أنّ الدستور الجزائري نصّ في المادة (38) منه على أنّ "الحريّات الأساسيّة وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة. وتكوّن تراثا مشتركًا بين جميع الجزائريّين والجزائريّات، واجبُهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته، وعدم انتهاك حُرمته"، كما أكّدت المادة (41) على أنه "يعاقب القانون على المخالفات المرتكَبة ضدّ الحقوق والحرّيّات، وعلى كلّ ما يمسّ سلامة الإنسان البدنيّة والمعنويّة".
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات الجزائرية إلى وقف حملات الاعتقال والتوقيف على خلفية حرية ممارسة الرأي والتعبير، والإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي بمن فيهم الطلبة، والعمل بشكلٍ عاجل على تشكيل لجان تحقيق حيادية للوقوف على الانتهاكات والاعتداءات الواقعة على الحقوق الأساسية للجزائريين، سواءً كان ذلك في الساحات العامة أو في مراكز التوقيف، وتقديم المخالفين للمحاكمة نظيرًا لما تم ارتكابه من مخالفات قانونية.
يذكر أن احتجاجات الجزائر 2019، المعروفة بالحراك الشعبي هي احتجاجات جماهيرية، اندلعت في 22 شباط (فبراير) 2019 في معظم مدن الجزائر للمطالبة في بادئ الأمر بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة؛ ثم تطور بعد ذلك للمطالبة بإصلاحات جذرية ونقل السلطة من العسكر إلى المدنيين.
وعلى الرغم من تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وإجراء انتخابات رئاسية أتت بعبد المجيد تبون، لا زال الحراك يقود بين الفينة والأخرى مظاهرات للمطالبة بتنفيذ انتقال ديمقراطي حقيقي والتأسيس لدولة مدنية ديمقراطية.
إقرأ أيضا: زيتوت لـ "عربي21": الحرب مع المغرب ليست في مصلحة أحد
الاحتلال يشن حملة اعتقالات ومداهمات بالضفة والقدس
"العفو الدولية" تطالب مصر بإطلاق سراح اثنين من الحقوقيين
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات ومداهمات بالضفة والقدس