برزت أهمية الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية،
خلال الانتخابات الرئاسية، إذ باتت "كتلة حرجة" بمقدورها لعب دور مصيري
في تحديد سيد البيت الأبيض، رغم أنها أقلية عددية تشكل نحو 1.1 بالمئة من سكان البلاد.
كتلة حرجة
وفق دراسة أجراها مركز "بيو" الأمريكي للأبحاث، عام
2017، يوجد حوالي 3.45 ملايين مسلم في الولايات المتحدة، ورغم
عدم توافر إحصاء حديث ودقيق لعدد المسلمين الأمريكيين، إلا أن أهمية هذا التواجد تأتي من
تركزهم في المدن الكبرى والولايات المتأرجحة، ما يجعلهم أقلية مؤثرة على نتيجة
الانتخابات.
وقبل يوم الاقتراع، صرح نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، بأن المنظمة حثت مليون ناخب مسلم للمشاركة في الانتخابات الأمريكية،
منوها إلى أن العديد منهم يعيشون في الولايات الحاسمة: ميشيغيان، وبنسلفانيا، وفلوريدا،
وأريزونا، وكولورادو، ومينيسوتا، وويسكونسن.
وعلى سبيل المثال، فإن هناك ما يقرب من 270 ألف مسلم في ميشيغان، ورغم أن هذا العدد يمثل 2.75 في المئة من سكان الولاية،
إلا أنه يمتلك قدرة على تغيير توازنات الانتخابات الأمريكية.
وأظهر استطلاع أجراه هذا الصيف، مركز "سياسة الهجرة
الأمريكية" في جامعة كاليفورنيا، القوة التي تمتلكها الأصوات الانتخابية
للجالية المسلمة في ولايتي أريزونا وجورجيا، وهما ولايتان حاسمتان في الانتخابات
الرئاسية.
ولفت الاستطلاع إلى أن "أهمية الناخبين المسلمين بدأت
بالتزايد بالنسبة لنتائج الانتخابات الرئاسية والسياسة الأمريكية".
وحسب نتائج الاستطلاع، فإنه يعيش ما يقرب من 60 ألف مسلم في كل من
ولايتي أريزونا وجورجيا، وهذه النسبة لها قوة يمكنها بسهولة تغيير التوازنات في
الانتخابات، خاصة بين الرئيس الجمهوري ترامب وخصمه الديمقراطي جو بايدن.
وفي فلوريدا، يسكن نحو 150
ألف ناخب مسلم، وبالإشارة إلى أن فارق الأصوات بين المرشح الديمقراطي آل غور،
والمرشح الجمهوري جورج بوش كان 537 فقط في الانتخابات الرئاسية عام 2000، يتبين مدى أهمية الناخب المسلم في تغيير التوازنات الانتخابية.
ويعيش حوالي 128 ألف ناخب مسلم مسجلين في ولاية بنسلفانيا، وهي
واحدة من أكثر الولايات أهمية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
اقرأ أيضا: خبراء إسرائيليون يستشرفون سياسة بايدن تجاه القضية الفلسطينية
وفي انتخابات 2016، فاز ترامب بـ44 ألف صوت انتخابي فقط في هذه
الولاية ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وفاز بجميع المندوبين العشرين في
الولاية.
وبنفس المستوى من الأهمية، في ولاية كارولينا الشمالية، هناك ما
يقرب من 30 ألف ناخب مسلم.
ووفقا لبحث أجراه معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم الأمريكي (ISPU)، خلال
الانتخابات التمهيدية الرئاسية هذا الصيف، تم تسجيل مشاركة 78 بالمئة من الناخبين
المسلمين في عملية التصويت، بعد أن كان 60 بالمئة فقط في انتخابات عام 2016، كما نقلت شبكة "إن بي سي نيوز" الإخبارية.
وقالت داليا مجاهد، مديرة الأبحاث في
المعهد، لشبكة "NBC Asian
America": "لقد
أصبح المسلمون الأمريكيون مسيسين للغاية".
وأضافت "إنهم يحظون باهتمام
أكثر مما توحي أرقامهم بأنه منطقي. إنهم 1 بالمئة من السكان، ومع ذلك يتم الحديث
عنهم ومناقشتهم، ويعتبرون كبش فداء في كثير من الأحيان. لذلك فإن من المهم حقا أنه
إذا كان سيتم التحدث عنهم، فإن لديهم أيضا صوتا، ويجب أن يكون لهم أيضا مكان على
الطاولة".
معاقبة ترامب
انشغل عدد من وسائل الإعلام الأمريكية بالمشاركة اللافتة للمسلمين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية، وكيف كانت عاملا في تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الجمهوري دونالد ترامب.
ومن هذه التقارير ما ذكره موقع "بزنس إنسايدر" الأمريكي، معتبرا أن الناخبين
الأمريكيين العرب والسود كانوا حاسمين في التصويت لبايدن بولاية ميشغيان.
وتظهر النتائج الأولية، أن بايدن تقدم على ترامب في ميشيغان بمقدار 146 ألف صوت، وبالنظر إلى تواجد أكثر من 270 ألف مسلم في الولاية، فإن مشاركتهم العالية بالانتخابات كانت حاسمة.
ووفقا لمنظمة "Emgage"، المعنية بالحقوق
السياسية للمسلمين الأمريكيين، والتي قررت دعم بايدن، فقد خرج أكثر من 81 ألف مسلم في مقاطعة واين
بولاية ميشيغان للتصويت في وقت مبكر وللتصويت عبر البريد، وأظهرت النتائج أن بايدن فاز بحوالي 70
بالمئة من أصواتهم.
وأكد نهاد عوض، المدير التنفيذي لـ"كير"، أن أصوات العرب والمسلمين في ميشيغان أهدت جو بايدن الفوز بالرئاسة.
وفي اليوم التالي للانتخابات، أعلن عوض أن 59 بالمئة من الجالية الأمريكية العربية والمسلمة صوتت لبايدن مقابل 17 بالمئة صوتوا لترامب، وبلغت نسبة مشاركتهم في الاقتراع 84 بالمئة، ووصفها عوض بـ"التاريخية".
وأضاف عوض: "إن
قدرة المجتمع المسلم الكبيرة على التأثير في نتائج العديد من السباقات في جميع
أنحاء هذا البلد تم الاعتراف بها على المستوى الوطني من قبل المرشحين ووسائل الإعلام".
ويعود حشد المسلمين الأمريكيين نحو التصويت لبايدن، وفقا لكثيرين، إلى عدم
رضاهم عن أداء ترامب خلال فترته الرئاسية، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية.
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال المختص في الشأن
الأمريكي، توفيق طعمة، المقيم في لوس أنجلوس، إنه "منذ مجيء ترامب على الحكم وحتى
اللحظة، نحن المسلمين تم تهميشنا بشكل كبير جدا، خاصة في الحزب الجمهوري الذي يقوده
ترامب".
وأضاف: "لاحظنا أن
عداء ترامب للمسلمين كان واضحا، حيث منع المسلمين من الدخول لأمريكا من ست دول،
ناهيك عن قرارات أخرى تمس أولويات المسلمين، مثل مواقفه من القضية الفلسطينية،
وإعلانه صفقة القرن التي تهدف إلى تصفيتها، إلى جانب حرمان اللاجئين الفلسطينيين
من حق العودة".
وأشار إلى أن المسلمين
مستاؤون من سياسة ترامب في القضايا
الداخلية "التعليم والصحة والاقتصاد وجائحة كورونا"، مضيفا "أن ما يحدث
في الشرق الأوسط يقع على رأس أجندة المسلمين في أمريكا. نحن نريد رئيسا لا يكون له
عداء مع المسلمين والعرب، ويكون عادلا نوعا ما في سياسته معهم".
اقرأ أيضا: تقدير إسرائيلي: هكذا نتحضر لدخول بايدن إلى البيت الأبيض
وبعد أن
تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه، تراجع رضا المسلمين الأمريكيين عن الولايات
المتحدة بشكل حاد، كما ذكر بحث معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم الأمريكي (ISPU).
وخلال حملته الرئاسية لعام 2016 وفترة توليه منصبه، أدلى ترامب بتصريحات معادية للإسلام، وعلقت مجاهد مديرة الأبحاث في معهد (ISPU) بالقول إن هذه التصريحات "أثارت نفور الناخبين المسلمين".
وسجل معهد (ISPU) في دراسته انخفاضا بنسبة 22 في المئة في رضا المسلمين الأمريكيين
عن البلاد بين عامي 2016 و2017.
وكان ترامب قد أقر مطلع عام 2017، الأمر
التنفيذي المعروف باسم "حظر المسلمين"، وبناء عليه حظر على المسلمين من
سبع دول (ليبيا، وإيران، والعراق، والصومال، والسودان، وسوريا، واليمن) الدخول إلى الولايات المتحدة.
وبين عامي 2017 و2018،
انخفض رضا المسلمين الأمريكيين عن الولايات المتحدة إلى 27 بالمئة فقط.
وتقول مجاهد إن سياسة وخطاب إدارة ترامب
المعادية للإسلام هي جزء مما دفع المسلمين في جميع أنحاء البلاد إلى الاهتمام أكثر
بالسياسة.
وبشكل عام، لا يزال المسلمون يواجهون أعلى
معدلات التمييز الديني في الولايات المتحدة، وفقا لما ذكره استطلاع المعهد، وعبر
عن ذلك 44 بالمئة من المستطلعة آراؤهم عن التمييز في المطارات، و33 بالمئة عند التقدم
للوظائف، و31 بالمئة في التعامل مع أجهزة إنفاذ القانون.
وترى مجاهد أن نهج ترامب سينمي "الخوف من دور الإسلام في السياسة" بين الجمهوريين خلال مواسم الانتخابات، وغالبا ما سيستفيد الديمقراطيون من ذلك.
مقابل ماذا؟
يُعتبر ما أفصح عنه نهاد
عوض، المدير التنفيذي لـ"كير"، حول تعهدات منحها بايدن للجالية
العربية والمسلمة قبيل الانتخابات، تفسيرا واضحا لدعم الجالية القوي للمرشح
الديمقراطي.
وقال عوض: "المرشح
الديمقراطي جو بايدن وعد ناخبيه من العرب والجالية المسلمة بإعادة فتح مكتب منظمة
التحرير الفلسطينية من جديد، وإعادة تمويل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين
"الأونروا"، في إشارة إلى أنه تراجع عن قرارات ترامب خلال فترته
الرئاسية.
ويؤكد توفيق طعمة، أن
الحزب الديمقراطي سيلغي القرارات التي اتخذها ترامب ضد المسلمين، ومنها: إزالة الحظر
عن المسلمين بعدد من الدول من الدخول إلى أمريكا، وإقامة علاقات قوية مع المسلمين
بحيث يكون لهم دور كبير في الحكومة القادمة من خلال توظيفهم والتعامل معهم
باحترام، ومحاربة الإسلاموفوبيا، إضافة إلى تحقيق منجزات أخرى تتعلق بالصحة والتعليم، كما قال لـ"عربي21".
أما في السياسة
الخارجية، فلا يتوقع طعمة "تغييرا كبيرا" مع تولي بايدن للرئاسة،
مشيرا إلى أنها قد تقتصر على الطلب من الفلسطينيين والإسرائيليين بالعودة للمفاوضات من أجل التوصل إلى حل الدولتين، وسيرفع الحظر عن الدعم المادي للسلطة
الفلسطينية، وسيعيد فتح مكتب لمنظمة التحرير بواشنطن، وسيعيد الدعم المادي لمنظمة
الأونروا، وربما يقف ضد بناء المستوطنات في الضفة أو محاولة الاحتلال الإسرائيلي ضمها لسيادته.
ويقول: "سواء كان الرئيس ديمقراطيا أو جمهوريا فإنه لن يضغط على إسرائيل من أجل إيقاف انتهاكاتها بحق الفلسطينيين"، لذا
"فإننا لا نتأمل كثيرا في إحداث فرق في ذلك".
اقرأ أيضا: مسؤول سعودي لصحيفة عبرية: توجه بايدن لإيران سيتركنا وحدنا
أما سامي العريان، مدير
مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية،
والأكاديمي السابق في جامعة فلوريدا، فيتفق مع ما ذكره عوض وطعمة حول تعهدات بايدن
للجالية العربية والمسلمة بأمريكا، كما جاء في حديثه لـ"عربي21".
لكن العريان لا يتوقع أن يُقْدِم بايدن على توظيف أشخاص
من الجالية في "مناصب حساسة وكبيرة"، ونبه إلى وجود "مخاوف حقيقية" حول
هوية المسلمين الذين سيرشحهم بايدن لهذه المناصب، هل سيكونون من أولئك الذي لهم علاقات
مشبوهة مع المؤسسات الصهيونية، أم من أولئك الذين يعبرون عن الجالية تعبيرا
حقيقيا.
ورجح العريان أننا
"مقبلون على سياسة أمريكية قريبة من سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، لم يحقق شيئا ذا قيمة للجالية
المسلمة، سيكون هناك اهتمام أكبر في الوضع الداخلي وإصلاح ما أفسده ترامب".
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يقول العريان: "سيركز بايدن على معاهدة
الاتفاق النووي مع إيران، وربما يضغط أكثر على بعض الأنظمة الفاشية والديكتاتورية في المنطقة العربية لصالح أوضاع تكون منفتحة بشكل أكبر"
ويستبعد العريان "أن يحدث بايدن اختراقا كبيرا على مستوى القضية الفلسطينية"، موضحا أن "الكرت الذي بيد بايدن هو المؤتمر الدولي، وسيستخدمه حتى يضغط من أجل عودة جانبي الصراع إلى طاولة المفاوضات من أجل تطبيق حل الدولتين، رغم أن هذا الحل انتهى وصار غير قابل للتنفيذ".
هل يمكن لترامب قلب نتيجة الانتخابات في المحكمة العليا؟
4 أيام على الانتخابات | ماذا يقول خبيران توقعا فوز ترامب عام 2016؟
هكذا تتباين سياسة ترامب وبايدن تجاه الشرق الأوسط