يوما إثر يوم تتضح بجلاء أبعاد التعاطي الإقليمي والدولي مع ملف الحرب الدائرة في اليمن، وهو تعاطٍ يتسم على صعيد الوساطة الأممية بقدر لا يطاق من البطء والتثاقل والمغالطات التي تأتي في إطار قوالب وعبارات ملّ من سماعها اليمنيون، فيما تتسارع الخطى على صعيد مسار الرياض للوصول إلى مرحلة تفقد فيها السلطة الشرعية ميزتها كعنوان للمشروع الوطني والوحدة الوطنية.
هذه المرة اختارت بريطانيا وعبر سفيرها لدى اليمن مايكل آرون أسلوب التوجيه والأمر، في سياق دعوة يُفترض أنها تنطوي على حرص بريطاني على تحقيق السلام في اليمن.
فقد كتب السفير آرون تغريدة قال فيها: "يجب على الرئيس هادي وقيادة الحوثيين العمل بجدية وسرعة لإنهاء الحرب في اليمن من خلال إبرام الإعلان المشترك من أجل تجنب كارثة إنسانية".
وإذا كان من المقبول ممارسة الضغوط على جماعات التمرد المسلح، فإنه لا يليق ومن غير المقبول توجيه الأوامر أو ممارسة الضغوط الفجة على رؤساء دول، ومساواة دولة بجماعة متمردة في استحقاق الاستجابة لمطلب جاء في صيغة أمر أملاه الهامش المتاح لهذا السفير لكي يمارس استعلاءه الباذخ على سلطة كانت سبباً رئيسياً في تبديد الكرامة الرئاسية، وفي حشر الشرعية في زاوية ضيقة لا تتاح معها أية خيارات للخلاص بالقرار الوطني من ضغوط وإملاءات الأطراف الإقليمية والدولية المتنفذة.
من الواضح أن بريطانيا تستعجل نتائج المساعي التي يبذلها مواطنها المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، وتنصبّ حول ما بات يعرف بـ"الإعلان المشترك"، والذي يعتقد غريفيث أنه سيمنحه فرصة لتحقيق إنجاز دبلوماسي عجز عنه المبعوثان السابقان: المغربي جمال بنعمر، والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
غير أن ما ينظر إليها على أنها مساعي سلام يبذلها المجتمع الدولي عبر المبعوث الأممي، ليست في الحقيقة إلا غطاء ماكرا ومخادعا للمخطط السعودي الذي يمضي ضمن مسار اتفاق الرياض، ويهدف إلى تعويم الشرعية وتحويلها إلى تركة متنازع عليها بين أطراف وفرقاء معسكر الشرعية، بما يمنح كل طرف مشروعية للذهاب بهذه الشرعية وسلطتها وصلاحياتها إلى حيث تتحقق أهدافه السياسية، وبعض هذه الأهداف كارثي؛ كالانفصال الذي تحول إلى أحد أكثر الاستثمارات السعودية سوءا في الجغرافيا اليمنية.
تدفعُ السعودية بكل ثقلها لحمل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى اعتماد التشكيلة الحكومية، والمتوقع أن يجري الإعلان عنها في الخامس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي يصادف مرور عام على توقيع اتفاق الرياض المتعثر.
وكل ما تحرص عليه السعودية هو تشكيل الحكومة قبل تنفيذ الشق العسكري والأمني الذي تضمنه اتفاق الرياض، وهو أمر إن نجح فإنه سيفتحُ المجال أمام تحقيق الأهداف المضمرة للسعودية والإمارات من مسار الرياض، وهي أهداف كارثية بكل المقاييس لأنها تمس الدولة اليمنية ووحدتها ووجودها، ولا يمكن أن تتحقق إلا حينما تصبح الحكومة كياناً بلا هوية وطنية ولا مشروع سياسي، وحينما تفتقد إلى الانسجام بين أعضائها والمكونات السياسية التي تنتمي إليها.
وبالعودة إلى مسار الوساطة الأممية، فالملاحظ أن هذا المسار ثابت في نظرته إلى الصراع على أنه يدور بين طرفين أساسيين هما: الشرعية المعترف بها دوليا والتي يقودها الرئيس عديم الخيال والجامد والغامض والمثير للحنق عبد ربه منصور هادي، وفي الطرف الآخر من الصراع يقف الحوثيون.
إنها مغالطة كبيرة، فصحيح أن الحوثيين قوة مؤثرة ومسيطرة ووازنة عسكريا، إلا أن الحوثيين ليسوا إلا نتاج ترتيبات سمحت لهم بوضع اليد على كل هذه الإمكانيات، وفي الوقت نفسه بالإمكان هزيمتهم عسكريا إذا توفرت الإرادة الإقليمية والدولية وإذا عقدت القيادة الشرعية العزم على تحقيق هدف كهذا.
وفي المقابل، يقف المجلس الانتقالي وقواته باعتبارهما رهان التدخل العسكري للسعودية والإمارات في اليمن. وقد جرى وضع البلدين بين يدي هذا المجلس المتمرد والانفصالي إمكانيات لا تقل عن تلك التي وضعت بين يدي المتمردين الحوثيين، ليكون ندا للحكومة الشرعية في جنوب البلاد، بل ومتفوقا عليها وبديلاً عنها بعد سلسلة من الانقلابات التي نفذها ضد الشرعية، بدعم وإشراف من التحالف نفسه.
وخطورة المجلس الانتقالي أنه أداة هدم صلفة للدولة اليمنية، ومهمته الوظيفية هي تأمين مبرر مقبول لمضي الأطراف الخارجية في تفكيك اليمن، ويمكن أن يوفر مبرراً كافياً لانقلاب الحوثيين في صنعاء، للادعاء بأنهم أحق بملء الفراغ الذي لم تستطع الشرعية ملأه حتى الآن؛ لأنها ببساطة قررت خنق نفسها بخطام الاستسلام الذي وضعته على رقبتها وأسلمته إلى أسوأ اللاعبين الإقليميين على المسرح اليمني.
الشرعية اليمنية تنتحر على أعتاب حكومة الكفاءات
قصص تتجاهلها الأمم المتحدة عن معتقلي اليمن
روايات بندر وإيميلات هيلاري الوهمية.. تزوير العقول