لا شك في أن كراهية الإسلام في
فرنسا والغرب، التي ذكّى نارها من جديد الرئيس الفرنسي
ماكرون، ونفخ فيها الإعلام الفرنسي والأوروبي، خاصة بعد مقتل "المدرس الفرنسي" هي إجلاء لحقيقة العداوة الفرنسية والغربية للإسلام، والمتجذرة منذ زمن بعيد.
إن ما يحدث الآن في فرنسا تحديدا وأوروبا عموما من تعمد الإساءة للنبي محمد صل الله عليه وسلم - بدعوى حرية الرأي - ومقتل المدرس الفرنسي المسيء للنبي عليه الصلاة والسلام؛ أعتقد أنه فرصة لو لم تسقها الأحداث لسعى النظام الفرنسي إلى تخليقها؛ للتغطية على أزمته الاقتصادية القاتلة، وتراجع قدرته على تلبية تطلعات الجماهير؛ ومن ثم فالخطاب الشعبوي، والعنصري، واليميني المتطرف؛ هو الملاذ لإشغال الفرنسيين والأوروبيين، وخلق حالة من الصراع مع عدو (هو الإسلام) للتغطية على الإخفاقات، وتعبيرا عن مكنونات ما يقف خلف الصورة الوهمية التي تشربها الغرب (سواء على مستوى النخبة الحاكمة أو على المستوى الجماهيري) عن الإسلام.
الواقع يؤكد أن كل حادثة يكون طرفا فيها أحد المسلمين في أوروبا؛ تمثل فرصة تسويقية لتصوير الإسلام كعدو، ويدرك قيمتها الإعلام وساسة غربيون.
إن أوروبا تحتضر سياسيا، واقتصاديا، وأخلاقيا؛ وتجد نخبتها الحاكمة ملاذها في خلق وتذكية حالة عداوة وصراع مع الإسلام تحديدا.
لماذا صناعة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين؟
بالعودة قليلا إلى الوراء، سنجد أن تنظيرا مسموما، محملا بالعداوة للإسلام، عاشه الغرب، وتربى عليه ساسة ومواطنون، وشكل عقيدة بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفييتي؛ حمل لواءه أمثال صمويل هنتينغتون، صاحب كتاب "صدام الحضارات"، وفوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ"، وغيرهما، إضافة إلى إعلام صوّر المسلمين كأعداء متوحشين.
ويضاف إلى ذلك، أصحاب مصالح من سياسيين وعسكريين ضخّموا خطر المسلمين على الغرب؛ لاستمرار تحالفهم العسكري وتدوير عجلة مصانعهم العسكرية، عبر إشعال الحروب في بلاد المسلمين، وهذا ما قاله "جاك بومل"، أحد البرلمانيين الفرنسيين في التسعينيات من القرن العشرين.
ومع بدايات العقد الأخير من القرن العشرين، مثلت حرب الخليج الثانية نقطة تحول فارقة في انتشار الدعاية الغربية المسيئة، والبعيدة كل البعد عن الحقيقة بشأن الإسلام والمسلمين، خاصة في المنطقة العربية؛ حيث كانت الحرب فرصة للقائمين على الإعلام الغربي ليكتشفوا أن تصوير الإسلام كعدو يمثل قيمة تسويقية عالية، عبر تصدير صورة وهمية عن الإسلام والمسلمين؛ أججت مخاوف مرضية من خطر محدق بالغرب وثقافته؛ تلاشت أمامها كل المحاولات العقلانية المنصفة لتوضيح الصورة الحقيقية، ورسمت "كليشيهات" ثابتة في التعامل مع الإسلام والمسلمين.
في مرحلة جورج بوش الابن؛ شهدت هذه الفترة صعودا لتيار المحافظين الجدد المتصهينين، والذي دخل في تحالف مع اليمين المتطرف، واستطاعوا عبر مراكز دراسات ووسائل إعلام أن يصوروا للعالم أن المشكلة تكمن في الإرهاب العربي الإسلامي، وتجب مواجهته، رغم أن المنطقة العربية والعالم الإسلامي يتعرضان للإرهاب، سواء من الغرب الرسمي أو من جماعات متطرفة ساهم الغرب بممارساته في ظهورها.
في السنوات الأخيرة، شهد الغرب صعودا قويا لليمين المتطرف، وسيطرته على مفاصل الحكم في كثير من الدول الأوروبية؛ لتتصاعد وتيرة العنصرية والكراهية تجاه المهاجرين والمسلمين، والتي رفعت منسوبها مشكلات اقتصادية باتت تدق أبواب كثير من دول أوروبا.
على صعيد آخر، في الولايات المتحدة الأمريكية، مثّل صعود ترامب إلى سدة الرئاسة إلهاما جديدا للتوجهات اليمينية المتطرفة في الغرب، حيث تبنى خطابا ومنهجا عدائيا عنصريا تجاه الهجرة والمسلمين، وصرح أكثر من مرة بأنه يريد إغلاق المساجد، ومنع الهجرة، كما أنه وصم الإسلام بالتطرف، ومن تابع حملة ترامب لفترة رئاسة ثانية؛ سيجد أن خطابه في نقد "بايدن" المرشح الديمقراطي ينطلق في جانب منه من التخويف من الهجرة وممن ينتمون للإسلام تحديدا.
لقد شهدت المرحلة الحالية في الغرب تدشينا للعداء الصريح تجاه الإسلام؛ لأنه بالأساس يمثل مشروعا حضاريا يحتاجه العالم بديلا للمشروع الأوروبي الغربي المحتضر الذي أغرق العالم في مادية مقيتة، جاءت على حساب فطرة الإنسان في المقام الأول، لحساب نخب رأسمالية جشعة.
إن ماكرون ربيب البنوك الفرنسية، والذي وقف رجال المال والأعمال في فرنسا وراء صعوده إلى سدة الرئاسة؛ لا يمثل حالة فردية أو استثنائية تجاه العداوة للإسلام، بل هو حلقة في سلسلة متصلة لعداء النخبة الحاكمة في أوروبا وأمريكا؛ من ساسة ورجال مال وأعمال، وغيرهم تشربوا فكريا من التنظير المسموم لمقالات فوكوياما وهنتنغتون، وتشكلت قناعاتهم على عداوة الإسلام، في ظل مشروع أوروبي غربي على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
أعتقد أن المسلمين في فرنسا، وفي الغرب عموما، يجب عليهم أن يستعدوا لموجة أكثر عداء تجاه الإسلام، والمسلمين؛ في ظل كراهية متوارثة، وصراع أيديولوجي لا يقف صداه عند حدود النخب الحاكمة؛ ولكن يجد صداه ويتسع يوما بعد يوم لدى القواعد الشعبية الأوروبية المختطفة فكريا من الإعلام الغربي.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله.