* إريتريا اليوم تعيش واقعا "مزريا" في ظل القمع والتنكيل والتجويع بالداخل ومرارة اللجوء والتشرد بالخارج
* الشعب الإريتري يخشى من تعرض هويته للضياع.. والنظام الحاكم في تآكل مستمر
* مساحة تأييد المعارضة تزداد باطراد وسط الشعب لكن التشتت والتشرذم أحد نقاط ضعفها
* المعارضة لم تستطع إسقاط النظام نظرا لوجودها بالخارج بسبب نهج النظام الهمجي والقمعي
* "المجلس الوطني" تجاوز العديد من المطبّات التي استهدفته رغم مراهنة البعض على تفتته وتلاشيه
* لا توجد خلافات في إريتريا على أسس دينية لأن كل خلافاتنا قائمة على أسس سياسية
* النظام لم يترك فرصة لأي صوت عاقل إلا الهرب للخارج ليمارس معارضته من هناك وإلا كان مصيره التغييب
* نظام "أفورقي" فتك حتى بالذين أوصلوه للسلطة ومؤامراته وظلمه طال كل مكونات الشعب الإريتري
* مغامرات النظام تهدد الكيان الإريتري في وجوده.. وهذا ما قرّب مواقف الجميع لإنقاذ البلاد
* التغيير السلمي أضحى ممكنا بسبب تحوّل جل مَن كان يؤيد النظام لمعارض ولفشل "أفورقي" في تحقيق وعوده
* الخيار العسكري وبقاء السلاح قد يستغله النظام بحجة وجود عدوان خارجي ليقحم الشعب في "محارق مستمرة"
* الظروف الموضوعية للعمل العسكري غير مواتية حسب تقييمنا الآن ونحن نتطلع للعمل السياسي في المستقبل
* لم يعد للمعارضة نشاط رسمي في دول الجوار وعلاقتنا مع السودان وإثيوبيا تمر ببعض البيات الشتوي
* موقف أنظمة دول الجوار من المعارضة غير موفق ويؤخر إنجاز التغيير لصالح شعبنا المشرد ولصالح استقرار المنطقة
قال رئيس حزب الوطن الديمقراطي الإريتري، الدكتور أحمد
صالح، إن "فرص
التغيير السلمي أضحت ممكنة، بسبب تحوّل جل مَن كان يؤيد ويساند النظام إلى معارض، ولفشل أسياس أفورقي في تحقيق وعوده"، مشيرا
إلى أنهم "في الأصل لم يرفعوا السلاح ضد النظام الحالي،
وإنما هو موروث من عهد الثورة والكفاح المسلح".
ونوّه إلى أن "إصرار
البعض على الخيار العسكري وبقاء السلاح قد يستغله النظام بحجة وجود عدوان خارجي،
ليقحم الشعب في محارق مستمرة، وحتى لا يتحول البلد إلى مليشيات مختلفة، فضلا عن أن
الظروف الموضوعية للعمل العسكري غير مواتية حسب تقييمنا الآن".
جاء ذلك في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة ضمن سلسلة
مقابلات مُصورة تجريها "عربي21"، تحت عنوان (ضيف "عربي21").
وأشار رئيس
حزب الوطن الإريتري إلى أن "النظام الحاكم في تآكل
مستمر، بينما المعارضة في اتساع وازدياد وتشمل كل القوى السياسية والمدنية؛
فهناك الحركات
الشعبية والشبابية المستمرة التي تطور أساليبها في تنظيم نفسها ومواجهة النظام الديكتاتوري".
ولفت "صالح" إلى أنه "لا توجد خلافات
على أسس دينية، لأن كل الخلافات في إريتريا قائمة على أسس سياسية، رغم أن النظام
حاول إحداث شرخ في شعبنا بانحياز واضح لطرف معين"، مؤكدا أن "مؤامرات
وظلم النظام طال كل مكونات الشعب، وفتك حتى بالذين أوصلوه للسلطة، ولا تزال مغامرات
النظام تهدد الكيان الإريتري في وجوده، وهذا كله قرّب مواقف الجميع لإنقاذ إريتريا".
وتاليا نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة مع (ضيف "عربي21"):
قبل أيام مرت الذكرى الـ59 لانطلاقة الثورة الإريترية.. ما الذي حققته تلك الثورة؟ ولماذا وصلت حرب التحرر الوطني إلى نتائج يراها كثيرون مخيبة للآمال؟
يحتفي شعبنا الإريتري سنويا في الفاتح من أيلول/ سبتمبر
بالذكرى الملهمة ذكرى انطلاقة الثورة وتفجير الكفاح المسلح، لأن
هذه الذكرى وضعته على سكة العزة والكرامة، فانتصرت الإرادة الوطنية بإمكاناتها
البسيطة على القوة الغاصبة المدججة بكل أدوات القمع والتنكيل والكثرة الكاسرة
والمستقوية بالآخرين، وبفضلها أُنجز التحرير وأُعلن الاستقلال فهي مرحلة مهمة،
ولكن بالرغم من محورية هذا الهدف لم نتحسب لما بعدها فغفلنا أو تراخينا عن الإعداد
للمرحلة التالية مرحلة البناء وإقامة الدولة، وبلا شك فإن أدواتها مختلفة، هذه
الغفلة ساقتنا إلى هذا الواقع البائس الذي نراه اليوم.
ونقدر أن معركة التحرير كانت
قاسية وخاضها شعبنا بلا ظهير أو نصير بل بالعكس تمالأت عليه القُوّة الغربية والشرقية،
فضلا عن نهج الفصيل الذي تحقق على يده قطاف الثمرة الأخيرة فعمل
على إقصاء كل الفصائل التي شاركت
في النضال، وهذا على عكس ما فعله حليفه في إثيوبيا آنذاك الذي نادى على جميع القوى
السياسية والشعبية في إثيوبيا إلى مؤتمر جامع للبحث في الشأن الإثيوبي، والاتفاق
على إشراك جميع الفاعلين في العملية السياسية، أما تنظيم الجبهة الشعبية الإريترية
فقد تنكر للجميع، وبذلك فقدت إريتريا توظيف الموارد البسيطة المتوفرة يومئذٍ.
وبالتالي، كيف ترى واقع إريتريا اليوم والظروف التي تعيش فيها؟
تعيش إريتريا اليوم واقعا مزريا، ففي الداخل
زادت قبضة الطغمة الحاكمة، بالقمع والتنكيل، والتجويع، وإغلاق كل المنافذ فزادت معاناة
المواطن. ويتعرض الوطن لنزيف الهجرة المستمر لقواه الحيّة من الشباب، وما عقّد
الأمر أكثر هو وباء الكورونا الذي استغله النظام لمزيد من التضييق على شعبنا. وأما في
الخارج فيعاني الشباب الإريتري مرارة اللجوء والتشرد، والموت في المنافي، وقساوة الظروف،
واتساع مساحة شتاته، وبالتالي تعقدت ظروف تواصله، ويخشى من تعرض هويته للضياع.
كيف تقيم أداء المعارضة الإريترية؟ وما أبرز نقاط ضعفها وقوتها؟
مفهوم المعارضة في إريتريا اليوم اتسع ليشمل كل القوى
السياسية والمدنية؛ فهناك الحركات الشعبية والشبابية المستمرة في مناهضة النظام،
وهي في ازدياد مستمر في قاعدتها، وتطور أساليبها في تنظيم نفسها ومواجهة النظام
الديكتاتوري، والمعارضة بصفة عامة تزداد مساحة تأييدها باطراد وسط الشعب، ومع
تعددها فهناك مسعى دائم لتضييق الهوة بينها، ومحاولة توحيدها، لأن التشتت والتشرذم
هو أحد نقاط ضعفها، فضلا عن عجزها في إيجاد النصير الحقيقي لها مما أعاق عملها
وتأثيرها، ولكن غالب النقد في هذا الإخفاق يقع على عاتق القوى السياسية، لكونها
المسؤولة بالضرورة عن التغيير المنشود، لأنها هي مَن تطرح برامج متكاملة للتغيير
والحكم، فيحاكمها الشعب وفقا لتلك الأطروحات.
لماذا فشلت المعارضة في توحيد صفوفها وبلورة رؤية مشتركة للتغيير؟
بالنظر إلى الجهود التي بذلتها المعارضة في كشف وتعرية
النظام وفضح ممارساته وخلقها وعيا متقدما في قطاعات كبيرة من الشعب، وما حققته من
إنجازات في سبيل وحدتها، وما يجري بينها من تفاهمات، والاتفاق من خلال مؤتمر جامع
على تأسيس كيان سياسي كبير هو "المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي"، وحتى
بعض التنظيمات القليلة التي لم تلتحق به اليوم هي على استعداد للعمل معه، وما أرسته
من دعائم لرؤية سياسية موحدة لمرحلة تغيير النظام، والمرحلة الانتقالية، ومرحلة
بناء المؤسسات الدستورية، وهي رؤى وبرنامج اتفقت عليه القوى السياسية والمدنية.
لهذا، فإن القول بأن المعارضة
فشلت بصورة مطلقة غير دقيق، ولكن ما تحقق هو أقل من الطموح في سبيل إسقاط النظام
ومحاصرته، كما أن بقاء تنظيم واحد معارض خارج الإطار الجامع، هو مدخل للتقليل من
شأن المعارضة، في ظل تربص الطغمة الحاكمة التي تحاول أن ترمي المعارضة بالفشل
وتيئيس الشعب في التغيير بمحاولة إظهارها أنها متشاكسة، بينما الأمر بالعكس،
فالنظام في تآكل مستمر، والمعارضة في ازدياد وحوار من أجل تجسير الفجوة التي
خلقتها ظروف الشتات في المهاجر لشعبنا وقواه السياسية.
لكن لماذا لم تستطع المعارضة "إسقاط النظام" حتى الآن؟
مرد ذلك يعود إلى وجودها خارج أرضها، بسبب
نهج النظام الهمجي والقمعي ضد كل صوت ينادي بالإصلاح أو يجأر بالمعارضة لسياساته
الفاشلة، ليكون الرد هو السجن والتعذيب بل والاغتيال، حتى أنه لم يترك فرصة لأي
صوت متعقل إلا الهرب إلى الخارج ليمارس معارضته من هناك، وإلا كان مصيره التغييب.
حزب الوطن قال إنه يسعى للانفتاح على الأحزاب والتواصل معها وتمتين العلاقات البينية.. فكيف هي علاقتكم بباقي مكونات المعارضة؟
حزب الوطن هو امتداد لنضال قياداته ورموزه
وكوادره التي كانت ضمن قيادات الثورة الإريترية وكوادرها الطلابية، فهو حزب عريق
في ممارساته السياسية ووجوده الممتد عبر اجتهادات ومسميات سياسية مختلفة، ولهذا
ظلت علاقته بكل القوى والفصائل المعارضة قوية، كما أنه جزء فاعل في تأسيس وقيادة
الكيانات السياسية الجامعة مثل التحالف الوطني، ثم التجمع الوطني فالتحالف
الديمقراطي وأخيرا المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي، ولم تكن تلك التحالفات ظرفية.
أما بعد مؤتمره الأخير (المؤتمر العام
السادس) فقد توثقت العلاقة أكثر، ورأى أن يرفع من مستوى هذه العلاقة، فشرع في الحوارات
الثنائية مع بعضها للوصول معها إلى مستوى الاندماج مع كل من تتشابه برامجه مع برامجها،
لتقليص العدد وتوظيف الموارد المحدودة بشكل فاعل، ولتحقيق هذا الهدف وضع خطة
للحوار مع كل القوى كنهج استراتيجي اختطه، والحزب يحظى بقبول واحترام كل القوى
تقريبا ويتطلع إلى توظيف هذه العلاقة، وهذا القبول لتمتين قوة العمل الجماعي.
وماذا عن علاقتكم بدول الجوار لإريتريا؟
علاقتنا على مستوى الشعوب، هي علاقات
تاريخية ومتينة، وعلى المستوى الرسمي، تعرضت لاضطرابات وتقلبات، تتحسن حينا، فيسمح
للمعارضة بالتواصل مع شعبها في هذه الدول التي لجأوا إليها هربا من جحيم النظام،
ثم ما تلبث أن يجرفها تيار المنع والحظر مع تقلبات السياسات الدولية والإقليمية
والمصالح الخاصة، والآن العلاقة تمر ببعض البيات الشتوي، مع كل من السودان وإثيوبيا
لظروفهما الخاصة. فلم يعد لنا نشاط رسمي في دول الجوار، مع تأكيدنا أهمية العلاقة،
لما نعلم أن هذه الأنظمة تأذت كثيرا من مغامرات النظام الإريتري المعزول، الذي لا
تؤمن مغامراته المدمرة، ونظرا لما يعانيه شعبنا واتساع مساحة معارضة النظام،
وسلوكه تجاه دول الجوار على مر السنين نعتبر موقف هذه الأنظمة من المعارضة موقفا
غير موفق ويؤخر إنجاز التغيير لصالح هذا الشعب المشرد ولصالح استقرار المنطقة.
ما تقييمكم لأداء وتماسك "المجلس الوطني"؟ وهل هو يحتل مكانته في صدارة الواجهات الوحدوية للمعارضة الإريترية؟
تعتبر صيغة العمل السياسي المشترك كما
يجسدها المجلس الوطني صيغة متقدمة، ووصلت إليها القوى السياسية الإريترية عبر
نضالات وتجارب، فهو من حيث تماسكه أستطيع القول إنه تمكن من تجاوز العديد من المطبّات
التي استهدفته في كيانه، وراهن البعض في تفتته وتلاشيه، والعودة إلى مربع التشظي
والتشتت بعد ميلاده في عام 2011، كما استهدف في فاعليته بضعف الإمكانات، حتى كان
مؤتمره الثاني الذي عقده في العاصمة السويدية استكهولم الذي برهن من خلاله على قوة
إرادة أعضائه، في عقد المؤتمر الثاني في العام الماضي، وكان علامة فارقة، في
وجوده، ونهجه الذي تمثل في تجاوز المحاصصات، إلى اعتماد الجدارة، والتعامل مع
المجلس كشخصية اعتبارية، وهو تطور مهم، وبذلك عبَر القنطرة، وأخذ يتلمس طريقه في
العمل، والتواصل الفعال مع القوى الأخرى التي لم تكن في السفينة، أو تحفظت لموقف
اتخذته، فلو لم يكن مُتماسكا لما حقق كل ذلك، ويُنظر إليه كأكبر تكتل سياسي يضم
القوى السياسية والمدنية، حيث ينضوي تحته عشرون فصيلا سياسيا وست منظمات مدنية.
هل الخلافات بين المعارضة الإرتيرية المسلمة والمسيحية لا تزال مستمرة حتى الآن؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
لا توجد في الأساس خلافات على أسس دينية، بل إن كل
الخلافات في إريتريا قائمة على أسس سياسية. صحيح أن النظام حاول أن يحدث شرخا في
شعبنا بانحياز واضح لطرف معين، ولكن مع تقدم الزمن وانكشاف خططه ومؤامراته وظلمه
الذي طال كل مكونات الشعب الإريتري، واستعدائه الجميع، بل فتكه حتى بالذين أوصلوه إلى السلطة من رفقاء النضال، مما اضطر من نجى منهم للتخندق في جبهة المعارضة، ولا
تزال مغامرات النظام تهدد الكيان الإريتري في وجوده، هذا كله قرب مواقف الجميع
لإنقاذ إريتريا.
كيف تنظر للتواصل بين المعارضة في الخارج والمعارضة في الداخل؟ وأيهما أكثر فاعلية وتأثيرا؟
يمكن القول إن غالبية الشعب الإريتري في الداخل
والخارج إن لم نقل كله يكاد يصنف اليوم كمعارض للنظام، ولكن يتعذر تأطير من
بالداخل بشكل معلن، وقد قام شعبنا في الداخل بأكثر من محاولة احتجاج ضد النظام
الدكتاتوري، بالرغم من تعامل النظام معهم بالبطش والعنف المفرط، ونكل بكل من عارض
سياساته حتى لو كان من قيادات النظام التاريخيين وهم اليوم في غياهب السجن،
والمحظوظ منهم من تمكن من الهرب إلى الخارج، وهو ما يفسر عدم تشكل معارضة قوية في
الداخل قادرة على اقتلاع النظام المستبد، ورغم أهمية معارضة الداخل وتأكيد دورها الفاعل، إلا أنها
تواجه الصعوبات في تنظيم نفسها، وتظل إمكانية التواصل
بينها ومعارضة الخارج محدودة،
أمّا معارضة الخارج فأوفر حظاًّ في الوصول إلى الشعب وتأطيره، وأيسر للتغطية
الإعلامية، وأقدر على الحركة والتواصل، ولكن وجودها خارج وطنها يقلل من تأثيرها، لهذا فإن جهدنا ينصب في تجسير التواصل بين معارضة الداخل والخارج لتحقيق التكامل
باجتراح وسائل غير تقليدية.
هل يُمكن أن تُشكّل المعارضة بديلا للنظام في أسمرة أو على الأقل تمثل تهديدا له؟
بلا
شك تطرح المعارضة نفسها بديلا عن النظام،
فكما أنها معنية بكيفية إسقاط النظام وتغييره فهي أيضا تملك الخيارات البديلة،
وتدرك تعقيدات المرحلة الانتقالية، فهي
مؤهلة ببرامجها ورؤيتها، وإن ما ينقصها هو تكامل معارضة الداخل والخارج، سواء على
مستوى القوات النّظامية، والنشطاء السياسيين، أو عامة الشعب في الداخل، أما أنها
هل تشكل تهديدا للنظام؟ بلا شك هو ليس في مأمن من تهديد المعارضة التي تتنامى
وتتسع مساحة تأثيرها يوما بعد يوم، وشكلت تهديدا حقيقيا للنظام في أحيان
كثيرة عكستها تصرفات النظام، ولا يزال
بسبب ضغط المعارضة يدخل في أحلاف مشبوهة، وصدامات مع البعض الآخر من دول الجوار،
أو من القوى الدولية الأخرى.
لماذا يتجاهل المجتمع الدولي المعارضة الإريترية؟
المجتمع الدولي ابتداءً ليس معنيا بتغيير
النظام أو تثبيته، وتجربتنا التاريخية مع المجتمع الدولي كانت مريرة حينما قذف بنا
لقمة سائغة للإمبراطور هيلي سلاسي، فتسلم أمرنا، وأصبح يتصرف في شأننا دون مسوغات
قانونية، وبسببه دفع شعبنا الغالي والأغلى لتحقيق حريته، والمجتمع الدولي ثانيا
ينطلق من حماية مصالحه، فبالنسبة لهم طالما أن نظام الشعبية ينفذ أجنداتهم ويحقق
لهم مصالحهم حتى لو كان على حساب مصالح الشعب الإريتري، فلن يغامروا بدعم
المعارضة، لهذا فإن الشعب الإريتري هو المعني بتغيير النظام، ومع هذا فإنه لن يستغني عن دور أصدقائه الخلص، وإن بدوا قلة اليوم، فهم أيضا في تنامٍ مستمر، وهنا نستطيع أن نشيد بأصدقاء الشعب الإريتري
الذين وقفوا معه أيام الثورة، وهناك المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي
أدانت نظام أسياس أفورقي وحاصرته في المحافل الدولية بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان
الإريتري، كما ساهمت تلك المنظمات وبعض الدول في مساعدة اللاجئين من شعبنا الذي
الجأته ظروف القمع والتنكيل إلى دول الجوار والدول الأخرى.
ما مدى استقلال المعارضة الإريترية؟ وهل هناك جهات إقليمية أو دولية تتدخل في شؤون المعارضة؟ ما مدى سيطرة إثيوبيا أو غيرها على قرار المعارضة؟
الحقيقة، إن الشعب الإريتري
ينفر من رهن قراره، ولربما كانت إحدى أسباب ضعف المعارضة وعدم تدفق الدعم إليها
أنها حاولت أن تحافظ على استقلالية قرارها، ولو أنها قررت أن تكون في خدمة أجندات
خارجية لتفتحت أمامها مغاليق الإمكانات، إلا أن الشعب كان سيلفظها سريعا، باعتبارها ألعوبة صراع إرادات خارجية متشاكسة، لهذا حافظت المعارضة بشكل عام على وطنيتها
ونزاهتها رغم ضعفها، وهذا لا ينفي وجود بعض الأفراد من ضعاف النفوس ربما سقطوا في
حبائل القوى الخارجية وهؤلاء إذا انكشف أمرهم لا محالة سيفقدون احترام الشعب،
ومكانتهم وسط المعارضة، لهذا أستطيع القول بثقة إنه لا يوجد تنظيم فيما أعلم
خضع أو ارتهن قراره لإرادة قوى خارجية بشكل مطلق.
لماذا أعلنتم التخلي عن الخيار العسكري رغم أن البعض يرى أن التغيير في أسمرا يجب أن يكون "عسكريا"؟ وما فرص نجاح التغيير السلمي والسياسي؟
في الأصل لم يُرفع السلاح ضد
النظام الحالي، وإنما هو موروث من عهد الثورة والكفاح المسلح، وبسبب موقف الجبهة
الشعبية لتحرير إريتريا التي تنكرت لنضالات وجهود كل الفصائل الأخرى، بما في ذلك مَن
كان سببا في تدويل القضية الإريترية، ونقلها إلى مصاف القضايا العالمية، حتى حظيت
بالاهتمام الدولي، بعد أن كانت قضية منسية، واستفادت منها الجبهة الشعبية نفسها،
فبسبب هذا التنكر اضطرت الفصائل المعارضة إلى الحفاظ على السلاح.
وهناك عامل آخر، هو إثارة
الشك في حينها في موقف الجبهة الشعبية والخوف من التلاعب بالاستقلال الذي رهنته
بالاستفتاء بعد عامين، بسبب علاقاتها المشبوهة مع حليفها في إثيوبيا الذي تسلم حكم
إثيوبيا عندئذ، وهي الجبهة الشعبية لتحرير تجراي، أما بعد الاستفتاء وإعلان
الاستقلال فقد اضطرت المعارضة إلى الاستمرار في حمل السلاح، نتيجة ممارسة النظام وانتهاكاته
وغطرسته، ومن أجل إرغامه على الاستجابة للحوار والإصلاحات السياسية.
أما الآن، ففي رأينا، أضحى
التغيير ممكنا دون إراقة الدماء بسبب تحوّل جل مَن كان يؤيد ويساند النظام إلى
معارض، ولفشل النظام في تحقيق وعوده، وممارساته اللّاإنسانية ضد المواطنين
المتمثلة في القمع والتغييب القسري وغيره لمجرد الاشتباه بأنهم يستنكرون ممارساته،
أو عدم التفاعل مع سياساته، فرأينا بقاء السلاح قد يستغله النظام بحجة وجود عدوان
خارجي، ليقحم الشعب في محارق مستمرة، إلى جانب أن الظروف الموضوعية، للعمل العسكري
غير مواتية حسب تقييمنا الآن، في حين أضحت فرص التغيير السلمي إذا تحققت ظروف
التواصل بين المعارضة في الداخل والخارج ممكنة، وهي أيسر لشعبنا، يُضاف إليه أن
وجود العمل العسكري سيكون على حساب العمل السياسي الذي نتطلع إليه في مستقبل إريتريا،
وأن السلاح لا ينبغي أن يكون خارج أطر قوة الدفاع الإريترية، وهي قوة وطنية، وليست
خاصة بحزب بعينه، وحتى لا يتحول البلد إلى مليشيات مختلفة.
رئيس جبهة التحرير الأريترية: هذه أسرار مرض أفورقي (شاهد)