أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، حسان ذياب، استقالة حكومته، بعد أسبوع على كارثة انفجار مرفأ بيروت، التي تسببت في دمار كبير للعاصمة، واحتجاجات واسعة وحملة استقالة لوزراء ونواب.
وقال دياب في كلمة وجهها للبنانيين: "ما نزال نعيش هول المأساة التي ضربت لبنان. هذه الكارثة التي أصابت اللبنانيين في الصميم، والتي حصلت نتيجة فساد مزمن في السياسة والإدارة والدولة".
وتابع: "انفجر أحد نماذج الفساد في مرفأ بيروت، وحلت المصيبة على لبنان، لكن نماذج الفساد منتشرة في جغرافيا البلد السياسية والإدارية، والخطر كبير جدا من مصائب أخرى مختبئة في عقول وعنابر كثيرة بحماية الطبقة التي تتحكم بمصير البلد، وتهدد حياة الناس، وتزور الحقائق، وتعيش على الفتن وتتاجر بدماء الناس في ساعات التخلي التي تتكرر بحسب المصالح والأهواء والحسابات والارتهانات المتقلبة".
وأضاف دياب: "حجم المأساة أكبر من أن يوصف، لكن البعض يعيش في زمن آخر، لا يهمه من كل ما حصل إلا تسجيل النقاط السياسية، والخطابات الشعبوية الانتخابية، وهدم ما بقي من مظاهر الدولة.
وقال إنه كان من المفترض: "أن يخجلوا من أنفسهم، لأن فسادهم أنتج هذه المصيبة المخبأة منذ سبع سنوات، والله أعلم كم من مصيبة يخبئون تحت عباءة فسادهم".
وأشار إلى أن حكومته "حملت مطلب اللبنانيين بالتغيير. لكن بيننا وبين التغيير جدار سميك جدا، وشائك جدا، تحميه طبقة تقاوم بكل الأساليب الوسخة، من أجل الاحتفاظ بمكاسبها ومواقعها وقدرتها على التحكّم بالدولة. وقاتلنا بشراسة وشرف".
وأضاف: "لكن هذه المعركة ليس فيها تكافؤ. كنا وحدنا، وكانوا مجتمعين ضدنا. استعملوا كل أسلحتهم، شوهوا الحقائق، زوروا الوقائع، أطلقوا الشائعات، كذبوا على الناس، ارتكبوا الكبائر والصغائر. كانوا يعرفون أننا نشكل تهديدا لهم، وأن نجاح هذه الحكومة يعني التغيير الحقيقي في هذه الطبقة التي حكمت دهرا حتى اختنق البلد من روائح فسادها".
وختم كلمته بالقول: "أمام هذا الواقع، نتراجع خطوة إلى الوراء، للوقوف مع الناس، كي نخوض معركة التغيير معهم. نريد أن نفتح الباب أمام الإنقاذ الوطني الذي يشارك اللبنانيون في صناعته، لذلك، أعلن اليوم استقالة هذه الحكومة.. الله يحمي لبنان.. الله يحمي لبنان.. الله يحمي لبنان.عشتم وعاش لبنان".
وفور إعلان حسان استقالته، قال المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير إن "رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شكر رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب والوزراء، وطلب منهم الاستمرار بتصريف الاعمال ريثما تشكل الحكومة الجديدة".
وفي هذا الإطار، دعا نائب رئيس مجلس النواب إيلي
الفرزلي إلى "إيجاد الحلول باعتبارها مسألة إلزامية لجميع الأطراف؛ كي لا يكون
البديل الدخول إلى مرحلة الحروب والانهيارات".
وأضاف الفرزلي لـ"عربي21": "أعتقد أن أصحاب النوايا السيئة
ومن يريدون تجزئة وتقسيم البلد هم الذين يسعون إلى الخيار الثاني".
وتابع: "أما نحن
فمصلحتنا هي إعادة إنتاج الدولة، ولذلك دعوت منذ شهرين إلى تأليف حكومة لم شمل تحول دون حدوث انهيارات مالية ونقدية، وتذهب
سياسيا نحو تحقيق الإصلاحات المطلوبة التي ينادي بها المجتمع الدولي، والتي هي
بمفهومها تعد مطالب لبنانية قبل أن تكون مطالب خارجية".
ورأى أن "الحل العقلاني يكون في أخذ مصلحة
الاستقرار، دون اللجوء إلى خيار آخر، وبالتالي إسقاط منطق المحاصصة التقليدية في
تأليف الحكومات".
اقرأ أيضا: مؤسسة نفط ليبيا تحذر من كارثة مشابهة لكارثة بيروت (شاهد)
وعن إمكانية الوصول إلى هذا الحل في ظل لعبة التوازنات السياسية، قال: "لا بد من تبني هذا الحل؛ لأنه لا يستطيع أحد تحمل مسؤولية عدم تأليف حكومة بالشكل السريع"، لافتا إلى أن حكومة دياب سقطت منذ شهرين، ولم يعد مبرر لوجودها.
وتطرق إلى أهمية زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى لبنان، بما
حملته من دلالات، وما أفضت بنتيجته إلى "تحريك المجتمع الدولي تجاه لبنان، محددا قاعدة للاستقرار السياسي من خلال تشكيل حكومة لم الشمل".
وتوقع الفرزلي إعادة تكليف الرئيس الحريري من
خلال الاستشارات النيابية وقال: "أدعم بقوة هذا الخيار، أو أقله أن يسمي
الرئيس الحريري شخصا للمنصب في حال اعتذر عن التكليف".
ونوه إلى أن
"المكون السني الذي يمثله الحريري يجب أن يكون منخرطا في عملية لم الشمل، وإنقاذ البلد"، وفي حال أصر الحريري على رفض التكليف أو تسمية بديل عنه، قال:
"لا يستطيع أحد أن يتهرب من مسؤولياته، فهو واجب وطني على كل مسؤول، ومن يتهرب
عليه تحمل المسؤولية في ذلك".
وعن دعوات شرائح في الشارع الغاضب إلى ضرورة
إسقاط الرئيس عون والمجلس النيابي إلى جانب الحكومة، أكد أن هذه الدعوات هي تستهدف
مبادرة الرئيس ماكرون، الذي قام بجهد مميز لتحقيق لم الشمل في لبنان".
وتساءل: "هل يتحمل المجلس النيابي في أي
دولة في العالم المسؤولية عند وقوع أي حادث في العالم؟ فمن المعلوم أن محاسبة
المجلس النيابي تكون من خلال الانتخابات النيابية في موعدها الطبيعي.
ردود فعل
وفي ردود الفعل
الأولية على استقالة دياب قال رئيس الحزب التقدمي الديمقراطي، وليد جنبلاط، إن
استقالة الحكومة الكارثة، كان المطلب الأساس واليوم تحقق المطلب، وهو انتصار
سياسي.
وأضاف جنبلاط: "احتمال
إعادة ولادة حكومة مشابهة لحكومة الرئيس حسان دياب، لا نستطيع أن نتكهن به، فهذا
تبصير، ونحن مع الطرق الديمقراطية التي تتمثل بالاستشارات النيابية. كما نحن مع
تشكيل حكومة حيادية تشرف على انتخابات نيابية جديدة وفق قانون لا طائفي"
وتابع: "ربما
يسمعني بعض المحتجين، فهناك خلاف داخلي حول القانون، فنحن مع قانون لا طائفي، فيما
غيرنا لا يؤيد، مثل القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وعلينا أن نرى ما هي
وجهة نظر حزب الله، فنحن لم نقابلهم بعد، لكن القانون اللاطائفي وحده ينتج تغييرا.
أما القانون الحالي فلا يؤدي إلى شيء".
وكشف جنبلاط أن
"اللقاء الديمقراطي تشاور اليوم مع القوات والمستقبل حول أمور عدة، منها
الاستقالة أو عدمها"، وقال: "برأيي، إن التغيير يأتي من الداخل عبر
الانتخابات. ويجب أن نتوحد كمعارضة في الداخل، أن نشكل جبهة وطنية داخلية، من أجل
التغيير وفق قانون لا طائفي، عبر الإنتخابات النيابية المبكرة".
وبشأن إحالة انفجار
بيروت إلى المجلس العدلي، فقد رأى جنبلاط أن "الخطوة ممتازة، لكن ذلك لا يلغي
ذلك التحقيق الدولي"، وقال: "علينا أن نلاحق القضاء لكي لا يضيع الملف
في المجلس العدلي".
وختم: "بسبب وجود
استقطابات طائفية، فإن مطلب استقالة رئيس الجمهورية يجب أن يخرج من الشارع
المسيحي، وذلك لأن النظام طائفي ولن يتغير إلا بانتخابات لا طائفية".
من جانبه قال النائب
وصهر ميشال عون، شامل روكز، إن "استقالة الحكومة قد لا تكون الحل ولكنها الموقف المناسب
استجابة لمطلب الشارع، كما أنها قد تكون فرصة للبنان اذا احسنا الإستفادة منها، لا
تكرروا التجربة نفسها، لحل بحكومة أخصائيين مستقلين بصلاحيات استثنائية للمحاسبة،
لوضع قانون انتخاب جديد وللإسراع إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة. لا تعودوا
لنغمة حكومات التعطيل والتحاصص الطائفي تحت مسمى وحدة وطنية".
بدوره اعتبر رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال
لبنان مارون الخولي في بيان، أن "سقوط حكومة حسان دياب اليوم هو نتيجة حتمية
لحكومة الإخفاق والفشل، والإفلاس والانهيار".
وتابع "تحرك
الثوار في 8/8/2020 شكل جرس الإنذار الأخير للسلطة الفاسدة بكل مكوناتها ومحافلها
التنفيذية والتشريعية، وأن نبض الحراك لن يقف عند حدود إسقاط الحكومة، بل سيمتد إلى
إسقاط النظام المافيوي ولن نرضى بأن تعيد إنتاج حكومة جديدة على يد هذا النظام
المسير، من أحزاب غارقة بالفساد ومتورطة بالرهانات الخارجية".
وأضاف الخولي: "أن
الشعب اللبناني بعد زلزال بيروت لن يسمح باستمرار مهزلة المحاصصة بين احزاب
السلطة، بل ستكون له الكلمة الفصل في انقاذ مستقبل لبنان عبر حكومة ثورية مستقلة
بصلاحيات استثنائية تنفيذية وتشريعية تطبق الدستور وتستعيد الدولة ومؤسساتها،
وتبسط سيادتها على كامل اراضيها وتضبط حدودها البرية والجوية والبحرية وتفصل
السياسة عن القضاء".
وفي أول ردود الأفعال الدولية، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الاثنين لبنان إلى "الإسراع في تشكيل حكومة تثبت فاعليتها أمام الشعب"، وذلك بعد إعلان دياب استقالة حكومته.
وقال لودريان في بيان "لا بد من الاصغاء الى التطلعات التي عبر عنها اللبنانيون على صعيد الإصلاحات وكيفية ممارسة الحكم".