هل أتى على "الجامعة الزيتونيّة"، أقدم جامعات العالمين العربي والإسلامي بل في العالم، سبق تأسيسها جامعتي كامبريدج والسوربون بأكثر من ستة قرون وقبل هارفارد بتسعة قرون كاملة، ومناهجها التعليمية، ردح من عُباب السياسة وارتهاناتها منذ السنوات الأولى للاستقلال الذي تمّ في آذار (مارس) 1956، لا تقل تبعاته المعرفيّة والمجتمعيّة عمّا لحق الجامع الأعظم عقب تفكّك الدولة الحفصيّة، زمن الاحتلال الإسباني للبلاد التونسية، أواسط القرن السادس عشر ميلاديّة (1535 ميلاديّة).
ارتهانات أتت على مكانة الجامع ـ الجامعة الاعتبارية والحضارية، التي تبوأتها منذ نشأتها أواخر القرن السابع ميلادية (أواخر القرن الأوّل هجريّة)، (أسسه حسان بن النعمان سنة 696 ميلادية وأتمّه عبد الله بن الحبحاب سنة 732 ميلادية) وجعلت المعلم الديني والعلمي والحضاري "يطبع أعراف التونسيين وعقلياتهم ومنهجهم الثقافي وسياسة الحكم عندهم وفتاويهم المُعالجة لقضاياهم الاجتماعيّة" سنين مديدة، مثُل خلالها مشتلة نوعيّة لكبار العلماء والفقهاء وروّاد الإصلاح الحديث من طينة العلامة عبد الرحمان ابن خلدون والمُصلح خير الدين باشا وسالم بوحاجب والشيخ المفسّر محمّد الطّاهر بن عاشور ومحمّد الخضر حسين، شيخ الأزهر وغيرهم كثير.
ولأنّ ثورة 17 كانون الأول (ديسمبر) ـ 14 كانون الثاني (يناير) 2011 مثلت فرصة مُواتية لاسترداد حقوق الأفراد أو الجماعات ومظالمها، فإنّ سؤال تحرّر جامعة الزيتونة، بوصفها الوريث الشرعي للجامع الأعظم، من فلك السياسة وارتهاناتها، في اتجاه استعادة أدوارها الحضارية المفقودة، زادت الحاجة إليها في ظلّ مجتمع انتقالي ديمقراطي، تتقاذفه الهويات المتشنجة، صار في أمسّ الحاجة إلى مرجعية علمية ودينية عُرفت بسماحة خطابها الديني والتنويري.
المتابع الحصيف لنشاط جامعة الزيتونة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، يلحظ بوضوح جهدا مضاعفا في اتجاه إعادة تبيئة وريث الجامع الأعظم في محيطه الحضاري التقليدي، تمثلت بالخصوص في دعم شراكات عمل وبحث مُهمّة مع جامعات دُول إسلامية وعربية وحتى مع جامعات غربيّة بهدف تأطير الأجيال الجديدة للجالية المسلمة، أملا في احتواء شبح الخطاب الديني المتشدد ونشر القيم الإسلامية السمحة التي تعتبر الزيتونة، بعقيدتها الأشعرية ومذهبها المالكي، عنوانها الأبرز على طول العالم الإسلامي.
في هذا الإطار يتنزّل حوارنا مع أ.د هشام قريسة، رئيس جامعة الزيتونة المنتخب لفترتين متتاليتين وأستاذ الفقه بالجامعة التونسية وصاحب المؤلفات التالية: "سدّ الذّرائع في الفقه الاسلامي" (2010) و"الاستدلال وأثره في الخلاف الفقهي" (2005) و"نظريّة العقد في الفقه الإسلامي" و"نظريّة فرويد الجنسية وموقف الإسلام منها"، للاستفسار عن مجهود الجامعة، طيلة الفترة اللاحقة للثورة، في فكّ العزلة العلمية والمجتمعية التي فرضت عليها طيلة 50 سنة من دولة الاستقلال وآفاق شراكاتها العلميّة المتعددة مع عديد الجامعات العربية والإسلامية والغربية.
س ـ بداية، هل من تعريف بمعاهد الجامعة ومراحل تطورها، منذ تحويل الجامع الأعظم إلى كليّة زيتونية بواكير الاستقلال؟
ـ بصدور الأمر العليّ باسم الباي، بتوقيع الوزير الأكبر الحبيب بورقيبة، القاضي بـ "بعث الجامعة الزّيتونيّة"، بتاريخ 26 نيسان (أبريل) 1956 واعتبارها معهدا للتّعليم العالي، خلفا للجامع الأعظم صاحب الصيت العربي والإسلامي والإرث المعرفي والاجتماعي الذي يفوق 12 قرنا كاملا، تمّ إقرار التنظيم الجديد للتّعليم الزيتونيّ. وقد حوّل هذا الأمر العلي عشرين فرعا زيتونيا إلى معاهد للتعليم الثانوي، يُعيّن مُديروها بقرار مباشر صادر عن الوزير.
ثمّ جاء قانون المخطّط العشري للتّعليم (1958 ـ 1968) الذي أشرف عليه محمود المسعدي، كاتب الدّولة للتّربية، وبإنجاز مباشر من قبل الفرنسي جون دوبياس (Jean Debiesse)، ضمن مشروعه المعنون "مشروع إصلاح التعليم في تونس" والمؤرخ في كانون الثاني (يناير) 1958، والذي أوصى بإلغاء التعليم الثّانوي الزّيتوني.
وبتأسيس الجامعة التونسية في 31 آذار (مارس) 1960، تمّ بعث" الكليّة الزيتونيّة للشّريعة وأصول الدين" في في 1 آذار (مارس) 1961، خلفا للجامعة الزيتونيّة، وأوقف قبول التلاميذ بجميع فروع الزيتونة حتى أغلقت، في حين صدر القرار بإلغاء التعليم الشّرعي بالجامع الأعظم عام 1961.
وبحصول التغيير في أعلى هرم السلطة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1987، تمّ عزل الأستاذ عبد الله لوصيف، العميد المنتخب، وتعيين الأستاذ التهامي نقرة، أواخر نفس تلك السنة، وبقي على رأس الجامعة إلى أن وافاه الأجل، وتمّ تحويل "الكلّية الزيتونية للشريعة وأصول الدين" إلى "جامعة الزيتونة"، لتكون بذلك الجامعة الوحيدة بالبلاد التونسيّة التي تحتوي على معاهد دون كليات جامعية، والهدف من ذلك هو قطع الطريق على انتخاب رؤساء الكلية والاستعاضة عن ذلك بتعيين رئيس للجامعة ومديرين لمعاهدها.
يجدُر التذكير أنه تمّت سنة 1989 نقلة "معهد الشريعة" إلى مبنى "التوفيقيّة"، كان مبيتا سابقا في العهد الزيتوني ثم تحوّل لاحقا إلى مؤسسة مهنية لتعليم الزربيّة وهو مبنى متواضع جدّا وآيل للسقوط. وتمّ تجميع الأساتذة المغضوب عليهم في هذا المعهد، الذي تم إلحاقه هو الآخر بوزارة الشؤون الدينية لتأطير الأئمة بداية من سنة 1995 وجعله معهدا للحضارة وتم تخصيصه فقط للطلبة الأجانب.
وبعد الثورة، فتحنا الباب للطلبة التونسيين للتسجيل في معهد الحضارة وأضفنا معهدا ثالثا مختصّا في العلوم الإسلامية بالقيروان. لتتكون الجامعة من أربع مؤسسات: مركز الدراسات الاسلامية بالقيروان، وهو مركز بحث مهم أنشئ سنة 1962، والمعهد العالي لأصول الدين والمعهد العالي للحضارة الإسلامية ومعهد العلوم الإسلامية بالقيروان.
س ـ من خلال تعدادك لمراحل تكون الجامعة ومعاهدها، على وجه الخصوص التغيير الشكلي للكلية الزيتونية إلى جامعة أواخر سنة 1987 وحذف معهد "الشريعة" سنة 1995 وتحويل إشرافه إلى وزارة الشؤون الدينية، فهل يعني هذا تأكيدا للسردية القائلة بأنّ الجامعة الزيتونية ظلت رهينة السياسة طيلة حكمي الراحلين بورقيبة وبن علي؟
ـ للأسف الشديد هذا هو الواقع المرير الذي عايشته الزيتونة طيلة الخمسين سنة السابقة للثورة، فقد كانت ضحيّة برنامج عنيف جدا، تمثّل على وجه الخصوص في مرحلتين قاتمين: المرحلة الأولى تلت الاستقلال مباشرة وانتهت باختزال الجامع الأعظم في كلّية زيتونية، بإمكانات مادّية شحيحة جدّا، وتجريدها من مشايخها الأعلام، الذين أحيل أغلبهم على التقاعد الوجوبي وفرضت الإقامة الجبرية على البعض منهم، في عملية تصفية مبيّتة استهدفت السلطتين الروحية والماديّة التي كان يتمتع بهما الجامع الأعظم والذي اكتمل بحلّ الأحباس وتصفية فروع الجامع الممتدة على طول البلاد. في حين تمثلت المرحلة الثانية في إغراق الجامعة بأساتذة من خارج الاختصاص والتضييق على انتداب الإطار المتخصص بالجامعة وتقليص ساعات تدريس مادّة التربية الإسلامية بالمعاهد الثانوية وهو ما قلّص حصّة الجامعة من الطلبة الجدد لا تتجاوز 50 طالبا إلى حدود سنوات قليلة من الثورة.
الجامعة الزيتونية هي ضحيّة سياسات ممنهجة استهدفت كيانها المعرفي وسلطتها الاجتماعية والدّينيّة وعزلتها عن محيطها الطبيعي وحوّلتها إلى مجرّد مصب للأساتذة المنتمين إلى حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي " زمن حكم الراحل بن علي.
س ـ على ذكر تحويل الجامع الأعظم إلى كليّة زيتونية بواكير الاستقلال، فقد استأنف جامع الزيتونة وبعض فروعه بالبلاد النشاط عقب الثورة وكنت أنت من الدّاعمين لعودة نشاط الدروس بجامع الزيتونة، ألا ترى أنّك تورّطت في التلبيس على مكانة جامعة الزيتونة وإغراقها من جديد في مستنقع التجاذبات السياسية المعطّلة لمسار مؤسسة أكاديمية وبحثية، لا تزال في طور استعادة أنفاسها؟
ـ شكرا لكم على إتاحة الفرصة لتوضيح موقفنا المبدئي والجلي فيما يتعلّق بإعادة فتح التعليم بالجامع الأعظم وفروعه بعد الثورة. صحيح أنّنا كنّا مع عودة التعليم الزيتوني بداية من سنة 2012، إلا أنّ الاتفاق الذي تم مع السيد نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدّينيّة، والراحل المنصف بن سالم، وزير التعليم العالي، وقتها هو أن يكون التعليم بالجامع مفتوحا فقط لتثقيف إطارات الدولة وموظفيها من ذوي الاختصاصات الأخرى، وألاّ يكون التعليم بالجامع بديلا عن جامعة الزيتونة بأي صورة كانت وأن تكون الشهائد الممنوحة من هيئات الجامع شهائد تشجيعية لا غير. كما كان الاتفاق بداية على أن يتولّى أساتذة جامعة الزيتونة مسألة تأطير حلقات الدروس بالجامع وفروعه. وكان هدفنا وقتها هو نشر الخطاب الأكاديمي المتخصص والمعروف بسماحته واعتداله لدى جمهور غفير متعطّش للخطاب الديني ويتهدده خطاب الفضائيات الوهابية المتشددة.
س ـ فمن الذي أفسد عليكم هذا المشروع الطموح وما هي الملابسات التي أعادت التعليم بالجامع وفروعه إلى مرمى التجاذب السياسي الذي انتهى بطرد الحسين العبيدي، المسؤول الأول عن إدارة التعليم بالجامع إذن؟
ـ بداية وجبت الإشارة إلى أنّ فرع الجامع بسوسة لا يزال مستمرّا في تقديم دروسه التثقيفية الأسبوعية وعليه طلب كبير من قبل إطارات الدولة وموظّفيها، وبدعم جمعيات ماليّة تونسية في كنف شفافية التمويل والإدارة، وإنّما المشكل كان مرتبطا بالأساس بإدارة جامع الزيتونة نفسها، وليس هنا المجال لتفصيله، وأنا بوصفي إماما خطيبا بالجامع الكبير بمدينة سوسة فإن الجامع هو الحاضن لهذا النشاط التثقيفي الديني في كنف قوانين الدولة ومؤسساتها. ولا يختلف إثنان في أنّ توجيه أجيال متتالية عانت التصحر الديني من قبل مختصين من جامعة الزيتونة أفضل بكثير من تركهم فريسة لخطابات التحريض والكراهية والطائفية التي تروجها كثير من الفضائيات العربية.
س ـ إذا كان مصير جامعة الزيتونة ضحيّة لعباب السياسة وتقلباتها، بدءا من ما سمّي بمشروع إصلاح التعليم الذي أعدّه جون دوبياس سنة 1958 زمن تولي الراحل محمود المسعدي كتابة الدولة للتربية، وصولا إلى قانون عدد 83 لسنة 1987، فهل حرّرت الثورة الجامعة من براثن هذا الارتهان السياسي؟
ـ في الحقيقة يصعب الجزم بذلك على إطلاقيته، فتحرير المؤسسة الأكاديمية، على وجه الخصوص مؤسسة في قيمة وحساسية جامعة الزيتونة بكل ارتهاناتها الماضية والحاضرة، من قبضة السياسي يتطلب إمكانات مادية وعلمية ويتطلب كثيرا من الوقت.
ورغم ذلك فقد حاولنا في جامعة الزيتونة، مباشرة بعد الثورة، إصلاح مناهج التعليم وإعادة المكانة الاعتبارية للجامعة، ففتحنا المعهد العالي للحضارة الاسلامية أمام الطلبة التونسيين حتى يحصل التثاقف المطلوب بين طلبتنا التونسيين وبقية زملائهم من سائر الدول العربية والإسلامية. والحمد لله اليوم عشر سنوات فقط بعد الثورة صار المعهد يضمّ أربع اختصاصات ماستر ومدرسة دكتوراه.
كما سعينا إلى رفع مستوى الشهادة العلمية ممّا ساهم في مضاعفة الطلب على التوجيه نحو جامعتنا وفي نفس الوقت تضاعف طلب التسجيل من قبل أشقائنا الطلبة القادمين من سائر الدول العربية والإسلامية. ونحن نفتخر اليوم بأننا الجامعة التونسية الأكثر توقيعا لاتفاقيات تعاون أكاديمي، تفوف 50 اتفاقية، مع مختلف الجامعات من اندونيسيا وماليزيا ومجموعة دول أوروبيّة مثل بنلكس (بلجيكا ـ هولندا ولكسمبورغ). ولا أخفيكم سرّا إذ أعلمكم أن جامعتنا لم تعد قادرة على الاستجابة لمطالب الشراكة الكثيرة.
كنّا طالبنا باستعادة معهد الشريعة منذ 2012 لكن نقص الإطار التعليمي والبنية التحتية، في ظل غياب الانتدابات الجديدة، يحولان دون تحقيق هذا المطلب في الوقت الحاضر. وفي المقابل نحن نعمل على انفتاح جامعة الزيتونة على محيطها المجتمعي وعلى المساجد حتى تفك عزلتها المفروضة سابقا. فالزيتونة تظلّ مستهدفة لكونها تحمل مشروعا حضاريا.
س ـ كيف تفسّر طلب الشراكة المتزايد من قبل الجامعات العربية والإسلامية مع جامعة الزيتونة في السنوات الأخيرة؟
ـ علاوة على مجهودنا الذاتي كجامعة والمتمثل في عزمنا المتواصل على ردّ الاعتبار لمكانة الزيتونة، من ذلك قيامنا بعديد التنقلات نحو أندونيسيا وماليزيا وتركيا وتايلندا وعديد الدول الأخرى من أجل الدفع نحو شراكات إستراتيجية، تعود بالنفع الكثير على طلبتنا وإطارنا التعليمي، فإن ظروفا موضوعية مواتية نعمل على استثمارها. من ذلك توجّه عديد الجامعات الآسيوية نحو الزيتونة بدل جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية، توجسا من قبل هذه الجامعات من انتشار الخطاب الوهابي المتشدد في صفوف بعثاتها الطلاّبية.
الحقيقة نحن نلقى تجاوبا ودعما مشجّعا من قبل دول شقيقة وصديقة مثل تركيا وروسيا وألمانيا، سمحت بإعداد ندوات علمية مشتركة وأتاحت الفرصة لمنح دراسية لطلبتنا، على وجه الخصوص الحاصلين على شهادات أستاذية من اختصاصات أخرى والذين فتحنا لهم الباب للتسجيل في جامعتنا كأستاذية ثانية.
س ـ هل توجد إرادة سياسية للنهوض الحقيقي بمستوى الجامعة؟
ـ من المؤسف جدّا أن أنتهي بعد تجربة 6 سنوات كاملة على رأس جامعة الزيتونة إلى قناعة مفادها غياب الإرادة السياسية للتغيير والنهوض بدور الجامعة السليب، وهذا الإهمال هو ما يدفع كفاءاتنا من الأساتذة إلى الهجرة رغم حاجتنا الماسة لمساهماتهم المعرفية والفكرية. تونس تحتاج إلى خطاب ديني عقلاني ومنفتح في ظل استفحال موجة التشدد الديني ووحدها الزيتونة القادرة على ملئ هذا الفراغ الكبير. هناك حرب مفتوحة على القيمة الاعتبارية والرمزية للزيتونة. هناك تهميش للمؤسسة الوحيدة واستئثار التقدمية والحضارية وازدراء لثقافتنا الاسلامية ووصل الأمر بأحد الأساتذة المتطرفين بجامعة سوسة سنة 2018 حد مطالبة الراحل الباجي قائد السبسي إلى التأسي ببورقيبة وحل الجامعة الزيتونية وإحالة أساتذتها على التقاعد الوجوبي. إلى جانب موجة شيطنة إعلامية كبيرة لمواقع ومحطات إعلامية حادت عن المهنية الصحفية المطلوبة.
س ـ أي دور يمكن أن تلعبه الجامعة الزيتونية في تجديد الفكر الديني، الخطاب الديني على وجه الخصوص؟
ـ يرتبط التجديد أساسا بالتعليم والتكوين الشرعي، برؤية معاصرة وواقعية. التجديد ليس مروقا عن الدين أو إلغاءه. هو كما يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: "التجديد هو نفض الغبار وما اتصل بالأدران عن الأشياء النفيسة". وجب إصباغ الثوب العصري على قراءاتنا الدينية وهذا يتطلب استيعاب الثقافة والمعرفة الإسلامية. من جهة ثانية فالتجديد يتطلّب النصح، فـ"الدين النصيحة". وبالتالي فإنّ توفّر الجماعة العلمية أو الفئة المجتمعيّة المؤمنة بمشروع التجديد، كفيل بابتكار وسائل التبليغ الحضارية اللازمة لعصرها وزمانها من خلال ما أوتيت من ثقافة وتحصيل ووعي مجتمعي، يمكن أن نسميهم اختصارا بالشروط الحضارية للنهضة".
س ـ هل جامعة الزيتونة مؤهلة حاليا للدفع بهذا المشروع الحضاري؟
ـ تمتلك الزيتونة المقومات الأدبية لذلك رغم ما لحقها من محاصرة وتهميش مبرمجين منذ السنوات الأولى للاستقلال، وأؤمن جازما أنّه يوم يتوفّر المشروع الديني للأمّة فإن الأمر مقدور عليه، خاصة إذا توفر الهم الذاتي، البعيد عن همّ التكسّب المادّي والدوافع المجتمعية والوظيفية. الأمل في أن يسود الشغف بالمشروع المجتمعي.
س ـ سبق أن رفضتم في شهر آذار (مارس) 2019، طلبا لرئاسة الجمهوريّة بمنح الملك سلمان بن عبد العزيز دكتوراه فخريّة. فهل من توضيح؟
ـ نعم، كنا تلقّينا طلب الرئاسة عبر السيد سليم خلبوس، وزيرالتعليم العالي، ولكنا اعتذرنا عن الاستجابة لهذا المطلب لسببين رئيسيين: السبب الأوّل هوّ أن الجامعة لم تتعوّد على منح مثل هذه الشهادات الرّمزية والسبب الثاني، والأهم مردّه قرارنا بتحييد جامعة الزيتونة ومكانتها الاعتبارية عن التجاذبات السياسية والترضيات الشخصية التي نحن في غنى عنها. والحمد لله أن الأطراف السياسية والفكرية التي عملت على الدّوام على الاستنقاص من مكانة الزيتونة، هي من وقعت في محظور هذه الترضيات التي تمسّ من مصداقية المؤسسة العلمية، من خلال قبول جامعة القيروان منح هذه الدكتوراه الفخرية التي اعتذرت عنها جامعة الزيتونة.
هل هناك حد فاصل بين حرية الرأي وبين النيل من المقدس الديني؟