تسبب تراجع إيرادات الضرائب
التي تمثل المكون الرئيسي لإيرادات الموازنة
المصرية، مع تزايد الإنفاق الحكومي
الصحي لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، في المزيد من الاقتراض الداخلي
وطبع النقود
بدرجة غير مسبوقة.
كما تسبب تراجع إيرادات
السياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج والصادرات والاستثمار الأجنبي وقناة
السويس، وبيع قدر كبير من مشتريات الأجانب من أدوات الدين الحكومي والأسهم في
البورصة
المصرية، بالمزيد من الاقتراض الخارجي لمعدلات غير مسبوقة خلال فترة وجيزة.
وعادة ما تعتمد الحكومة على
المصارف المحلية خاصة المملوكة للحكومة، في الاقتراض أو في
تمويل عجز الموازنة من
خلال شراء تلك المصارف لأذون وسندات الخزانة، التي تطرحها بشكل دوري لسداد عجز
الموازنة وسداد أقساط وفوائد الدين الحكومي المتزايد.
ويمثل رقم صافي مطلوبات
المصارف المحلية من الحكومة، مجموع ما تحصل عليه الحكومة من
قروض من المصارف، وقيمة
مبيعات أذون وسندات الخزانة لها مخصوما منها قيمة ودائع الحكومة لدى تلك المصارف
المحلية. ومنذ العام المالي الأول
لتولي الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013، بلغ
المتوسط الشهري لزيادة صافي مطلوبات المصارف المحلية من الحكومة 20.2 مليار جنيه،
وارتفعت الزيادة قليلا إلى 20.5 مليار جنيه في العام الثاني.
زيادة الاقتراض ربع مليار
في شهر واحد
ثم زاد متوسط الزيادة
الشهرية إلى 30.3 مليار جنيه في العام الثالث، وفي العام الرابع وهو عام 2016/2017؛
انخفض المتوسط الشهري للزيادة إلى 27 مليار جنيه مع الزيادة الكبيرة للديون
الخارجية خلال ذلك العام، وواصل متوسط الزيادة الشهرية الانخفاض إلى 19.8 مليار
جنيه كمتوسط شهري في العام التالي، كما واصل متوسط الزيادة الشهرية الانخفاض إلى
17.5 مليار جنيه في العام السادس وهو عام 2018/2019.
وفي العام السابع والذي
يمثل العام المالي الأخير (2019/2020) والذي لم تعلن نتائجه كاملة بعد، زاد
المتوسط الشهري لصافي مطلوبات المصارف المحلية من الحكومة خلال الشهور الثمانية
الأولى من العام المالي، أي من تموز/ يوليو وحتى شباط/ فبراير الماضي ومع بدايات
ظهور الفيروس إلى 30 مليار جنيه.
لكنه مع تفشي الفيروس في آذار/
مارس وبدء تعطيل الدراسة والسياحة والطيران والعديد من الأنشطة
الاقتصادية، زاد
المتوسط الشهري لزيادة صافي مطلوبات المصارف المحلية من الحكومة إلى 248.5 مليار
جنيه خلال الشهر، وبما يفوق زيادة صافيي مطلوبات المصارف من الحكومة خلال العام المالي
2018/2019 كاملة، والبالغة 210 مليارات جنيه، كما زادت عن زيادة صافي مطلوبات
المصارف من الحكومة خلال العام المالي 2017/2018 كاملا، والبالغة 238 مليار جنيه.
وفي شهر نيسان/ أبريل من
العام الحالي بلغ صافي زيادة مطلوبات المصارف المحلية من الحكومة 161.4 مليار جنيه،
ليصل صافي زيادة مطلوبات المصارف من الحكومة خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل معا
410 مليارات جنيه، وهي أرقام غير مسبوقة ستصب في زيادة الدين العام الداخلي، الذي
توقف المصرف المركزي المصري عن نشر بياناته منذ نهاية العام الماضي، حين بلغ أربعة
تريليونات و354 مليار جنيه.
وكانت بيانات المصرف المركزي
المصرف قد أشارت إلى زيادة مشتريات البنوك العامة المملوكة للحكومة من أذون
الخزانة الحكومية خلال شهر أيار/ مايو الماضي، بنحو 40.6 مليار جنيه، ليصل مجموع
مشترياتها من تلك الأذون 468 مليار جنيه.
31 مليار طبع نقود بشهر احد
وفيما يخص اتجاه الحكومة
لطبع النقود للوفاء بجانب من احتياجاتها لتمويل بنود الإنفاق في الموازنة، خاصة
الأجور، فقد بلغ المتوسط الشهري لزيادة طبع النقود في العام المالي الأول لتولي
الجيش السلطة، وهو 2013/2014، نحو 2.1 مليار جنيه، وهي نفس القيمة تقريبا للمتوسط
الشهري للزيادة في العام الثاني، وزاد المتوسط الشهري في العام الثالث إلى 4.5
مليار جنيه.
وارتفع في العام الرابع
حوالي سبعة مليارات جنيه، وهو العام المالي 2016/2017 المواكب لتحرير سعر صرف
الجنيه وموجة الغلاء في الأسواق، ثم تنخفض الزيادة الشهرية لإصدار النقود في العام
المالي الخامس (2017/2018) إلى 2.8 مليار جنيه، وزاد المتوسط الشهري للزيادة في العام
السادس إلى 4.4 مليار جنيه.
وفي العام المالي السابع والذي
لم تعلن نتائجة كاملة بعد، كان متوسط الزيادة الشهرية لطبع النقود خلال الشهور
الثمانية الأولى من ذلك العام المالي الأخير (2019/2020)، نحو 2.5 مليار جنيه
كمتوسط شهري لزيادة طبع النقود.
لكن رقم زيادة قيمة طبع
النقود زاد في آذار/ مارس من العام الحالي إلى 23.2 مليار جنيه، ثم قفزت الزيادة
الشهرية لإصدار النقد إلى 31.4 مليار جنيه خلال شهر نيسان/ أبريل، لتصل زيادة طبع
النقود خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل معا إلى 54.6 مليار جنيه، وهو رقم يفوق
زيادة طبع النقد خلال العام المالي 2017/2018 كاملا والبالغة خلاله 33.6 مليار
جنيه، وكذلك الزيادة في قيمة طبع النقود في العام المالي 2018/2019 كاملا والبالغة
خلاله 52.5 مليار جنيه.
بل إن نصيب شهري آذار/ مارس
ونيسان/ أبريل معا تفوق على كامل زيادة إصدار النقد خلال الأعوام المالية السبعة
الماضية منذ تولي الجيش السلطة، فيما عدا عام 2016/2017 المواكب لتحرير سعر الصرف
والذي بلغت زيادة إصدار النقد خلاله 83.8 مليار جنيه، وهو الرقم المتوقع تجاوزه
خلال الشهور المقبلة مع توقع الاستمرار في التوسع في إصدار النقد.
22 مليارا دين خارجي بأربع
شهور
أما رحلة النظام العسكرى المصري
مع القروض الخارجية فبدأت بشكل محدود في البداية، بفضل تدفق المعونات الخليجية
عليه خلال العام والنصف الأول لتوليه السلطة، حيث بلغت قيمة زيادة الدين الخارجي
في عامه المالي الأول 2.8 مليار دولار، وفي العام الثاني بلغت الزيادة حوالي ملياري
دولار، ومع تراجع أسعار البترول منتصف 2014 وتحول المعونات الخليجية إلى قروض، بلغت
زيادة القروض الخارجية في عامه الثالث 7.7 مليار دولار.
وفي العام المالي 2016/2017
الذي شهد تحرير سعر الصرف وتنفيذ برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي، بلغت زيادة
القروض الخارجية، سواء من الصندوق والبنك الدولي أو من السندات الخارجية أو غيرها
من المؤسسات الدولية والإقليمية 23.3 مليار دولار، ثم ينخفض معدل زيادة القروض
الخارجية بالعام الخامس للنظام وهو 2017/2018 إلى 13.6 مليار دولار، ثم تزيد
بالعام السادس للنظام وهو 2018/2019 لنحو 16.1 مليار دولار.
وفي الشهور التسعة الأولى من
العام المالي الأخير (2019/2020) والذي لم يتم إعلانه بياناته بعد، بلغت زيادة
رصيد الدين الخارجي 2.6 مليار دولار حتى آذار/ مارس من العام الحالي.
ومع بداية تفشي فيروس كوونا
وزيادة مبيعات الأجانب لأدوات الدين الحكومي والأسهم المصرية، وتراجع موارد
الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي وقناة السويس، حدثت قفزة في الدين الخارجي
بلغت أكثر من 22 مليار دولار، حسب ما تم إعلانه من بيانات بعضها غير رسمية، خلال
أقل من أربعة أشهر في الفترة ما بين نيسان/ أبريل ومنتصف تموز/ يوليو من العام الحالي.
وتضمنت تلك القروض التي
أعلن عنها وربما كان هناك غيرها لم يتم الإعلان عنه؛ 2.8 مليار دولار من صندوق
النقد الدولي، تلاها قرض بنحو 5.2 مليار دولار، وبيع سندات خارجية بخمسة مليارات
من الدولارات، وقروض من بنك الاستيراد والتصدير الأفريقي بنحو 3.555 مليار دولار،
وقروض من بنك الاستثمار الأوروبي بنحو 2.2 مليار دولار، وقرض من مجموعة بنوك
إماراتية مليار دولار، ومن البنك الدولي بأكثر من 950 مليون دولار، ومن البنك الأوروبي
لإعادة الإعمار والتنمية بأكثر من 600 مليون دولار، ومن البنك الأفريقي للتنمية
255 مليون دولار، ومن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادى والاجتماعي الكويتي 249
مليون، ومن الوكالة الفرنسية للتنمية 216 مليون يورو.
استمرار الإسراف الحكومي
وطلب المنح
وما زالت وزيرة التعاون الدولي
المصري تسعى لمزيد من القروض من جهات أخرى، حيث دعا صندوق النقد الدولي خلال بيان منحه
للقرض الثانى لمصر الشهر الماضي إلى المزيد من حصول مصر على قروض من جهات إقليمية
وثنائية لسد الفجوة التمويلية، إلى جانب ما تحصل عليه وزارة التعاون الدولي من منح
لمواجهة التداعيات السلبية للوباء مثلما، حصلت عليها من اليابان والبنك الدولي واليونسيف
وغيرها.
ويظل السؤال: كيف سيستطيع
الاقتصاد المصري الوفاء بسداد تلك القروض الداخلية والخارجية، والتي ستؤدي حتما
إلى المزيد من فرض الرسوم والضرائب، وتأجيل تنفيذ العديد من الاستثمارات الحكومية،
وتأخر سداد مستحقات الموردين للحكومة والمقاولين المتعاملين معها وأصحاب الحوافز
التصديرية؟
وطلب تأجيل سداد العديد من
أقساط الديون الخارجية التي يحل موعدها خاصة الخليجية، وتجديد القروض التي يتحتم
سدادها، إلى جانب التشديد على الواردات للحفاظ على القدر الموجود من العملات
الأجنبية.
أما ترشيد الإنفاق الحكومي
ورغم الإشارة إليه من قبل الحكومة، فإنه أمر مشكوك فيه في ضوء بعض الشواهد، مثل إجراء
انتخابات صورية لمجلس الشيوخ، والتي لا تقل تكلفتها عن المليار جنيه، بخلاف نصف
مليار جنيه لنفقات المجلس السنوية، ووجود ثلاث هيئات إعلامية شكلية بعد إعادة
وزارة الإعلام، وزيادة عدد أعضاء البرلمان الجديد ونفقات انتخاباته الصورية
المقبلة وغيرها.
twitter.com/mamdouh_alwaly